IMLebanon

ما هي مخاوف أطفالنا؟

كتب د. أنطوان الشرتوني في صحيفة “الجمهورية”:

لجميع الأطفال مخاوف، يعبّر بعضهم عنها بشكل واضح وصريح والبعض الآخر لا يعترف بها رغم أنّ تصرفاته تدلّ على الخوف والهلع. فنسمع أطفالنا يتذمّرون كثيراً عندما يحلّ الظلام خوفاً من النوم بسبب الكوابيس. كما نرى عند البعض خوفاً من المدرسة أو خوفاً من الأشخاص الغرباء أو خوفاً من الحيوانات حتى الأليفة منها… وغيرها من المخاوف التي تصبح بمثابة «نشاطات يومية» للطفل. فما هي المخاوف الأكثر «شهرة» عند الطفل؟ وكيف يمكننا، كأهل، مساعدة أطفالنا في الحدّ من هذه الهواجس التي تمنعهم من التصرف بشكل سليم أو تأخذ حيّزاً كبيراً من تفكيرهم؟

من أصعب المهمّات التي يواجهها الأهل اليوم مهمّة معالجة مخاوف طفلهم من «شيء ما» يجعله مضطرباً وقلقاً وغير قادر على التأقلم مع أقرانه. فحالة الخوف، التي تكون عادةً طبيعية عند جميع الأطفال، تجعل الطفل يفقد توازنه النفسي ويعاني من عدم استقرار داخلي. وهذه الحالة النفسية يمكن أن تنتقل إلى الأهل عندما يجدون طفلهم يتألّم بصمت وهو بحاجة للمساعدة. وعادةً، يمكن أن تمرّ حالة الخوف «الطبيعية» مرور الكرام، أي بمساندة الأهل وعطفهم وإهتمامهم بالطفل، ينسى هذا الأخير خوفه. ولكن، في بعض الاحيان، هذا الخوف يكبر ليشمل العديد من المخاوف الأخرى. ولاحظ علماء النفس أنّ المخاوف التي سنذكرها في ما يلي هي الأكثر تداولاً بين الأطفال.

إختفاءُ الأم
ينتاب القلق والخوف الكثير من الأطفال عندما تغيب والدتهم عن نظرهم. ويبحثون عنها من غير أن يجدوها، يبدأون بالبكاء. كما نسمع أمهات يشرحن أنّهن لو غادرن الغرفة فقط، يبدأ الطفل بالنحيب طالباً أن يرافقهن أينما ذهبن. فإذا كان الطفل بين عمر الـ4 والـ8 أشهر، يكون مدركاً تماماً عندما تغيب والدته وعندما تظهر. ولكن في بعض الأحيان تضطر الأم أن تغيب، فهي لا تستطيع أن تبقى قرب الطفل طول الوقت. لذا يجب أن تفسّر له، حتى وهو لا يزال صغيراً، أنّها ستتركه لوقت قصير، لتعود إليه وتحضنه من جديد. ويجب أن تستخدم كلمات بسيطة، يمكن للطفل أن يفهمها مهما كان عمره.

الخوف من المدرسة
هناك خوف آخر يمكن أن يشعر به الطفل وهو الدخول إلى المدرسة والإنسلاخ التام عن الأم. وهذا الموقف يكون محرِجاً جدّاً للأهل خاصة عندما لا يتوقف الطفل عن البكاء ولا يقبل أن تذهب أمّه إلى البيت بل يريد أن يرافقها والعودة معها. على الأم إذاً أن تبعث الثقة والطمأنينة في نفس الطفل وأن تؤكّد له أنّها سترجع إلى المدرسة لإصطحابه إلى المنزل بعد الظهر. كما يمكن للأم، وقبل دخول الطفل إلى المدرسة، أن تقوم بنشاط معه كترتيب أغراضه المدرسية الجديدة. كما يمكن لكلّ العائلة أن تزور المدرسة قبل إفتتاحها بأيام، فيجب أن يتعوّد الطفل على فكرة المدرسة والإلتزام. ويمكن التفسير للطفل عن النشاطات المدرسية ومكان المرحاض وغرفة الطعام، فكلّما فسّرتم التفاصيل له، كلما قلّت مخاوفه. كما أنّ لقاء المربية في المدرسة، قبل الدخول إليها، يساعد في التخفيف من الخوف الكبير الذي يشعر به طفلكم حيال هذا الموقف الجديد.

موت أحد الوالدين
وهو أحد أصعب المخاوف التي قد يختبرها الطفل بعد عمر الـ7 سنوات. فنسمع أنّ الكثير من الأطفال يخافون من فكرة موت أهلهم ويبدأون بالبكاء ويسألون أهلهم، ولا سيّما الأم: «هل ستموتين يوماً ما؟». فوراء هذا السؤال، قلق كبير يأخذ حيّزاً كبيراً من وقت واهتمام الطفل. والعلاج المناسب لهذه الأسئلة المقلقة هو في التفسير له أن لا أحد ينوي على الموت عبر القول: «أنا لا أنوي أن أموت قبل أن تكبر وتصبح شاباً كبيراً». أمّا بالنّسبة للعائلة التي يعاني فيها أحد الوالدين من مرض مميت، فمن الأفضل تخفيف القلق عند الطفل من خلال التفسير له أنّ الأب إذا مات بسبب المرض، ستظلّ الأم تعتني به وتهتمّ به ولن تتركه أبداً. وتُعتبر هذه الحالات دقيقة جداً وتتطلّب إستشارة أخصائي نفسي.

الخوف من النوم
يعاني الأهل والطفل معاً يوميّاً، عندما يطلّ الليل، من خوف الذهاب إلى النوم ومواجهة ظلام الغرفة بمفرده. وتبدأ الخيالات وتظهر المخاوف التي تجعل النوم في غرفته مستحيلاً. فيهرع الطفل الصغير إلى غرفة أهله طالباً النجدة والمساعدة خائفاً من الرجوع إلى سريره. ولا يجب أن ندع الطفل في فراش أهله حتى لو طلب ذلك وبدأ بالبكاء. وإن كان يختلق أعذاراً أو يروي قصصاً مخيفة، يجب التفسير له أن لا وجود للوحوش في غرفته مثلاً. ويلعب الأب دوراً أساساً في التخفيف من قلق طفله من خلال التفتيش في الغرفة والتأكّد من أن لا وجود لمخلوقات غريبة تحت السرير أو في الخزانة.
وإذا كان طفلكم يخاف من ظلام الليل، وهو أمر شائع عند الأطفال، فإنّ مصباحاً صغيراً بين يديه يمكن أن يعالج الخوف ويخفّف من قلقه. ولا يجب الإستخفاف بمخاوفه أو السخرية منها، بل يجب تفهّمها. فهو ما زال طفلاً صغيراً وبحاجة لمساعدة أهله ومساندتهم. كما لا يجب سرد قصص مرعبة للطفل أو مشاهدة أفلام الرعب معه أو ضربه أو معاقبته قبل النوم لأنّ هذه التصرفات ستؤثر على سلوكه وعلى نوعية نومه، بل ينصح علماء النفس بمعانقته وتقبيله وإظهار له كل مشاعر العاطفة والحنان ناهيك عن سرد القصص الجميلة له أو الاستماع لموسيقى هادئة تخلق جوّاً من الراحة للنوم.