كتبت سينتيا عواد في صحيفة “الجمهورية”:
حذف إحدى الوجبات الغذائية بسبب كثرة الأعمال ليس وحده الذي ينعكس سلباً على الصحّة، إنما يبدو أنّ طريقة الأكل المعتمدة تملك بدورها نتائج مضرّة. فإذا كنتم تعتبرون أنّ صحّتكم بأمان لأنكم تحصلون على كل وجباتكم الغذائية الأساسية رغم ضيق وقتكم، إعلموا أنكم لستم بمعزل عن المخاطر التي تهدّد عافيتكم ورشاقتكم إذا كنتم تتعاملون مع الطعام بطريقة خاطئة!
لفتت إختصاصية التغذية، راشيل قسطنطين، في بداية حديثها لـ«الجمهورية» إلى أنّ «العادات الغذائية تتأثر في عوامل خارجية عدة مثل الانشغال بالأعمال والحالات النفسية كالتوتر والعصبية، وبالتالي فإنّ كل شخص لديه طريقة أكل معيّنة تكون إمّا بطيئة أو سريعة».
وأوضحت أنه «يمكن الاستدلال إلى الأكل السريع من خلال مجموعة أعراض تشمل الشعور بالانزعاج عقب تناول الطعام، والنفخة، وألم في المعدة، والحازوقة، وعسر الهضم. وكل هذه العلامات تقف عائقاً أمام التلذّذ بالأكل والاستمتاع بتركيبته ولونه ورائحته بسبب انشغال الدماغ في أمور أخرى مثل إتمام الواجبات المهنية، أو قيادة السيارة، أو مشاهدة التلفزيون…».
غير أنّ قسطنطين حذّرت من أنّ الأكل السريع لا يولّد مشاعر الانزعاج فحسب، بل يسبّب أيضاً مجموعة مشكلات جدّية أبرزها:
الإفراط في الكمية
الأكل بسرعة يدفع صاحبه إلى تناول كمية طعام أكبر، لأنّ الدماغ يحتاج إلى 20 دقيقة تقريباً لتسجيل الشعور بامتلاء المعدة وإرسال إشارات التوقف عن الأكل. ينتج من ذلك ارتفاع مجموع السعرات الحرارية، وبالتالي زيادة الوزن التي تهدّد بالبدانة في حال الاستمرار بهذا الأسلوب.
بيّنت الدراسات أنّ الأكل بسرعة يزيد من خطر الإصابة بالبدانة بمقدار الضعف، والتعرّض لمتلازمة الأيض بنسبة 11,6 في المئة أكثر مقارنةً بالأكل البطيء.
حرقة المعدة وإرتجاع المريء
أظهرت الأبحاث أنّ الأشخاص الذين يأكلون الطعام بسرعة هم أكثر عرضة للإصابة بارتجاع المريء (Reflux)، والذي يحدث عندما ترتدّ الأحماض الموجودة في المعدة إلى المريء ما يسبّب ألماً في الصدر، وحرقة في المعدة، ومشكلات صحّية خطيرة جداً في حال عدم علاجه.
عسر الهضم
ينتج من الأكل السريع سوء الهضم لأنّ القضمة تكون كبيرة ولا يتمّ مضغُها جيداً، وبذلك فإنّ كمية الحامض التي يتمّ إفرازها في المعدة تكون أقلّ من كمية الطعام التي تدخل إليها.
يؤدي هذا الأمر إلى عسر الهضم، والشعور بالامتلاء والانتفاخ والانزعاج، وبقاء الطعام في المعدة الذي يولّد البكتيريا في الأمعاء الغليظة وبالتالي روائح نتِنة مُنبعثة من الفم والجسم.
السكري
توصلت الدراسات إلى أنّ الأشخاص الذين يأكلون بسرعة هم أكثر عرضة للإصابة بالسكري من النوع الثاني بمعدل 2,5 مرّة مقارنةً بنظرائهم الذين يأكلون ببطء.
تناول الطعام بسرعة يزيد من خطر الإصابة بمقاومة الإنسولين، ما يؤدي إلى ارتفاع معدل السكر في الدم، أي أنّ الجسم يعجز عن إمتصاص الغلوكوز بسهولة، فتحدث تقلّبات في مستويات السكر في الدم ويرتفع احتمال معاناة السكري.
ماذا عن فوائد الأكل ببطء؟
أمّا بالنسبة إلى مضغ الطعام بشكل صحيح، فقد أشارت خبيرة التغذية إلى أنّ ذلك يسمح بالتلذّذ في الوجبة الغذائية بعيداً من الانزعاج الناتج عن عسر الهضم والنفخة والغازات. جنباً إلى منافع أخرى تشمل:
تقليل الشهيّة
الأكل البطيء يمنح الوقت الكافي للدماغ لإرسال علامات الشبع، فيمنع المبالغة في الكمية، ويخفّض الشهيّة المفرطة، وبالتالي يسمح بالتحكّم في الطعام المستهلك بعيداً من الشعور بالحرمان.
تحسين الهضم
الأكل ببطء يسمح لجزء كبير من الُلعاب بالامتزاج بالطعام، وهذه آلية أساسية في عملية الهضم لأنّ الإنزيمات الخاصة بالـ»Ptyalin» الموجودة في الُلعاب تؤدي إلى تفكيك الطعام إلى أجزاء كيماوية صغيرة يسهُل هضمُها في المعدة.
أمّا قضمات الطعام الكبيرة فيصعب هضمها وامتصاص المعادن والفيتامينات والأحماض الأمينية الأساسية منها، الأمر الذي يمنع الإفادة من قيمة الطعام الغذائية.
السيطرة على الوزن
مضغ الطعام ببطء يساعد على الشعور بالشبع بشكل أفضل وفي الوقت المناسب، الأمر الذي يدعم التحكّم في الوزن من دون بذل مجهود كبير. عندها سيتمكّن الجسم من التصدّي للكالوريهات الإضافية، والدهون المتراكمة، والكيلوغرامات الزائدة.
خفض مقاومة الإنسولين
الأكل ببطء يحسّن عملية استيعاب الجسم للإنسولين وبالتالي يقي من الإصابة بالسكري.
إنطلاقاً من هذه الوقائع العلمية، لا بدّ من بذل جهود كافية لتحسين طريقة التعامل مع الطعام. وفي ما يلي مجموعة نصائح قدّمتها قسطنطين للمساعدة على الأكل ببطء:
مضغ الطعام جيداً
يجب الحرص على أن تكون قضمات الطعام صغيرة ومضغها جيداً من 5 إلى 10 مرّات للقضمة الواحدة قبل بلعها، علماً أنّ ذلك يعتمد على تركيبة الأكل سواءٌ كانت ليّنة أو صلبة. مضغ الطعام جيداً يحفّز إنتاج المعدة لكميات أكبر من الأحماض كي تستقبل الطعام وتهضمه بشكل جيد. و
جد الخبراء من جامعة جنوب كارولاينا أنّ مضغ الطعام جيداً قد يساعد على خسارة الوزن وتحسين امتصاص المغذيات.
عدم الانتظار حتى بلوغ الجوع الشديد
يؤدّي الجوع الشديد إلى تناول كمية طعام أكبر وعدم الشعور بالشبع فوراً. ناهيك عن أنه يؤثر سلباً في التركيز، ويولّد الشعور بالضعف والدوخة، ويدفع بالتالي إلى الأكل بسرعة. لذلك من المهمّ تزويد الجسم بالطعام قبل بلوغه مرحلة الجوع الشديد.
شرب كوبين من المياه قبل الأكل
وتحديداً قبل 30 دقيقة، فذلك يساعد على توفير الشبع أسرع، وخفض كمية الطعام المستهلكة، وتحسين الهضم.
تنظيم الوجبات
تعيين مواعيد معيّنة للأطباق اليومية يسمح بالأكل بحالة استرخاء بعيداً من السُرعة. يجب تخصيص ما لا يقلّ عن 20 دقيقة للاستمتاع بوجبة الطعام وتفادي الأكل بكميات أكبر.
عدم الانشغال بأيّ شيء
من الشائع الأكل أثناء مشاهدة التلفزيون، أو قراءة المجلّات، أو الانشغال بالهاتف الذكيّ، لكنّ ذلك يدفع الشخص إلى الأكل بسرعة وعدم التركيز على ما يتمّ استهلاكُه، فيحصل على كمية أكبر من الطعام. وقت الطعام يجب أن يكون مخصّصاً فقط للأكل.
التوقف بعد مرور 20 دقيقة
من المهمّ ألّا تستغرق الوجبة الغذائية أكثر من هذه المدّة. فإذا لم يشعر الشخص بالشبع بعد 20 دقيقة يعني أنه يأكل سريعاً ويحصل على كمية طعام أكبر. أمّا في حال استمرار الشعور بالجوع، يُنصح بالانتظار قليلاً ثمّ احتساء مشروب ساخن لتعزيز الشبع.