IMLebanon

لولا “شياطين” جبران باسيل!

كتبت كلير شكر في صحيفة “الجمهورية”:

على رغم التجارب المريرة، حيث بلغت ملعقة الحكومة حلقَ اللبنانيين أكثر من مرّة، وتعود وتُسحَب في لحظات ولادتها الأخيرة، إلّا أنّ الكفة المتفائلة «طَبَشَت» أمس، وطرَق «الفرج الحكومي» أبوابَ القصر الجمهوري.

العُقدة السنّية، حُلّت وانضمّ ممثل «اللقاء التشاوري» بعدما اقتطع مقعده من حصة رئيس الجمهورية، إلى تكتل «لبنان القوي» ليشارك «جسدياً» في اجتماعاته الدورية بعد ظهر كل ثلثاء، مستمِعاً الى شرح رئيس «التكتل» جبران باسيل وما في جيبه من معطيات يمكن البوحُ بها، وإلى نقاشات «رفاقه الجدد»… لكنّ قلبَه وعقلَه في مكان آخر.

لم يعد تموضعُ «معاليه» موضعَ نقاش مهم، ولا حاجة لإخضاعه لاختبارِ «كشف الكذب» أو للتدقيق في خفايا سيرته الذاتية، لمعرفة اتّجاه صوته داخل مجلس الوزراء، سواءٌ ما يخص القضايا الاستراتيجية أو تلك المتصلة بملفات داخلية لها علاقة بتلزيمات أو عقود استثمارية من «وزن» ملايين الدولارات، خصوصاً إذا كانت تلك الملفات موضعَ تباعدٍ بين «التيار الوطني الحر» وحلفائه.

هكذا، تسقط المعادلة التي يتمّ الترويجُ لها تحت عنوان أنّ حيثية ممثل النواب السنّة من خارج تيار»المستقبل» داخل تكتل «لبنان القوي»، ستكون مشابهة لوضعية نواب «الطاشناق» واستطراداً وزيرهم الأرمني في ما خصّ توجّهاته داخل مجلس الورزاء.

لكنّ التدقيق في التفاصيل يُظهر أنّ هذا الإسقاط ليس في محله. ما بين التيار «العوني» والحزب الأرمني مسارٌ طويل من الالتصاق السياسي والتقاطعات المحلية، سواءٌ على مستوى المناطق أو البلديات، ولكن بين ممثل «اللقاء التشاوري» و«بيئته الحاضنة» البرتقالية، ثمّة حاجة ماسة لمراجعة معمّقة في ثنايا كل قرار سيتّخذه الوزير العتيد في مجلس الوزراء، طالما أنّ مرجعيّته السياسية «متعددة الرؤوس» ومتعددة المنابع، ولو أنّ «تقاطعَها الأُم» عند «حزب الله».

بناءً عليه، يمكن القول إنّ ترويج «التيار الوطني الحر» لانتصارٍ تمّ تحقيقُه جراء ضمّ ممثل «اللقاء التشاوري» إلى تكتل «لبنان القوي»، مُبالغٌ فيه، لا بل لا صحّة له. ولا يمكن في المقابل، تعويض خسارة «المقعد»، بحقيبة وزارة البيئة، بعدما نجح باسيل في سحبها الى حصته، لأسباب عدة.

في جردة الربح والخسارة، يمكن استخلاص النتائج الآتية:

– أولاً، إذا ما افترضنا أنّ «التيار الوطني الحر» خاض معركته الأخيرة، والتي انطلقت منذ أواخر شهر تشرين الأول، يوم حيك التفاهم مع «القوات»، وعمد رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري إلى كتابة مسودة حكومته قبل أن ينتبه الجميع إلى أنّ «حزب الله» لم يتخلّ عن مطلب توزير النواب السنّة المستقلين… تحت عنوان تحصيل 11 وزيراً انسجاماً مع عديد تكتل «لبنان القوي»، من غير أن يتبنّى مطلب «الثلث الضامن» أو «المعطل». فيمكن الاستنتاج أنّه في نهاية السباق الحكومي، خسر رئيس «التكتل» معركته.

– ثانياً، سيُحمَّل «التيار الوطني الحر» مسؤولية تأخير ولادة الحكومة ثلاثة أشهر اضافية، بعدما كانت شبهَ منتهية أواخر تشرين الأول الماضي، خصوصاً وأنّ الصيغة النهائية أفضت إلى نتيجة كان في الإمكان بلوغها قبل ثلاثة أشهر، لو اقتنع باسيل بأن لا مفرَّ من تمثيل «اللقاء التشاوري»، على قاعدة اقتطاع مقعد من حصة رئيس الجمهورية، خصوصاً وأنّ وزير الخارجية أدرى من غيره بمدى التزام «حزب الله» بأيّ موقف قد يتّخذه وبأنّ الممطالة لن تدفعه إلى الاستسلام أو التراخي، فكيف بالحري إذا كان متصلاً بأحد حلفائه؟

وهناك مَن سيتّخذ من تجربة توزير جواد عدرا حلّاً وسطياً بين مختلف الأطراف، منصّة اضافية للتصويب على رئيس «التيار الوطني الحر» أيضاً، بعدما حُمِّلَ أيضاً مسؤولية إحباط تلك المبادرة، التي كانت في تقييمها أكثرَ كسباً بالنسبة اليه، لولا الإخراج السيّئ وتعنّته في رفضه «الشكليات»… وها هو اليوم يربح الشكليات ويخسر المضمون.

– ثالثاً، إنّ أقسى اتّهام قد يوجّه إلى باسيل هو هدره الوقت مجاناً بلا أيّ نتيجة تُستثمر لمصلحته أو لمصلحة البلد، في وقتٍ تكلّف كل دقيقة من عمر المالية العامة التي تهدّد بتدهور كارثي، ملايين الدولارات. فيما يتكبّد عهد الرئيس ميشال عون آلاف الفرص الضائعة، بعدما تبيّن أنّ «حكومة العهد الثانية» تكاد تكون طبق الأصل عن الأولى، في توازناتها وأسمائها، ما يعني أنّ إنجازاتها ستكون مشابهة.

لا بل هناك مَن يسأل عمّا إذا كانت ولادة الحكومة احتاجت إلى تسعة أشهر من المخاض ما شوّه المولود قلباً وقالباً، فكم سيحتاج كل بند «دسم» سيوضع على طاولتها، في ظلّ الخلافات والتباينات التي تتحكّم بمكوّناتها؟ وماذا ستُنتج روحُ «الاقتتال» التي تتحكّم بالجالسين على الطاولة المستديرة؟

وأخيراً، لن يجد «التيار الوطني الحر» مَن يصفّق له على إنجاز «الاستحواذ» على حقيبة وزارة البيئة في ظلّ الشكوك التي تُثار حول خلفية العناد على إسنادها لوزير من تكتل «لبنان القوي»، خصوصاً وأنّ تجربة الوزير طارق الخطيب انتهت بفشل فاضح، وها هي وسائل التواصل الاجتماعي تتّخذ من مصير «الشتلة» التي كانت تزيّن مكتب الوزير، «نكتة اليوم»!

الأهم من ذلك، إنّ تجربة الأشهر التسعة في تأليف الحكومة وما عبرته من معموديات نار وتقلّبات في بورصة المطالب، رفعت منسوبَ الحذَر من أداء باسيل من جانب حلفائه قبل خصومه: فهو ينام على «أرنب» ويستيقظ على «شيطان» قد يسحبه في أيّ لحظة ليخرب أيَّ اتفاق.