IMLebanon

عندما يمرض طفل في العائلة

كتب د.أنطوان الشرتوني في صحيفة “الجمهورية”:

عندما يمرض طفلٌ في المنزل، وخصوصاً عندما يكون مرضُه مزمناً، يَصعب كثيراً تفسير ما ينتاب أهله من مشاعر… ويمكن فقط للعائلة التي مرّت بمثل تلك التجربة الصعبة أن تفسّر المعاناة النفسية والمشاعر السلبية التي تواجهها أمام هذا الوضع الذي لا تُحسد عليه. فكيف يمكن أن يساعد مختلف أعضاء العائلة الطفل المريض؟ وما هي ردة فعل كل فرد من أفرادها؟ وما هو دور العائلة الكبيرة والأصدقاء والجيران في هذا الموضوع الدقيق؟

عندما يكتشف الطبيب أنّ مرضاً مزمناً قد أصاب أحدَ أطفال أسرة ما، تكون لكل فرد من أفراد تلك الأسرة طريقته الخاصة في الفهم والاستيعاب والتأقلم مع هذا الوضع الجديد: «المرض المزمن».

وفي معظم الأحيان ومع مرور الوقت، يصبح كل فرد من أفراد تلك العائلة (لا سيّما الأب والأم) كارهاً لكل شيء من حوله حتى فكرة الشعور بهدوء البال والسعادة. وهذا الشعور هو نوع من أنواع التضامن النفسي مع المريض ومع مرضه العضال.

 

إختلال نظام الأسرة

من أكثر الأمور التي تحصل مع إصابة الطفل بمرضٍ ما ضمن عائلته هو الإختلال الذي يمكن أن يظهر على صعيد نظام سير الأمور المعتادة. إذ تتغيّر العلاقات بين مختلف أفراد العائلة الواحدة. ويغرق الأب والأم في همومهما.

وينصبّ اهتمام الوالدين على طفلهما المريض وينسيان الأصحّاء من أطفالهم الآخرين الذين ينتظرون أيضاً الإهتمام والرعاية والحب والحنان من وليَي أمرهم.

وتتفاقم المشكلات عندما تبدأ الغيرة المصوّبة من الإخوة والأخوات تجاه الطفل المريض الذي يحصل على كل الإهتمام والعاطفة ليس فقط من الوالدين ولكن من العائلة الكبيرة بأجمعها.

لذلك، إنّ آثار تلك الوطأة الكبيرة تدوم طويلاً ولا تُنتسى بسهولة، بل تسبّب إضطرابات فيضطر جميع أفراد العائلة، وخاصة الإخوة والأخوات، للعيش في ظلّ تلك الإضطرابات لسنوات وسنوات.

 

فما هو حال الأسرة تجاه طفلها المريض؟

عندما يتغلغل المرض في كنف الأسرة، يظهر عندها عادة نوعان من ردات الفعل:

  • يتمثّل الأول باشتداد التقارب بين مختلف أفراد العائلة وكأنه نوع من أنواع محاربة ذلك المرض؛
  • ويؤدّي الثاني إلى مشكلات كثيرة وابتعاد أفراد العائلة الواحدة عن بعضهم البعض ما يؤدّي إلى تمزيق العلاقات الأسرية خصوصاً إذا كانت العائلة غير ملتحمة في الاساس.

فإن كانت تجمع علاقة وطيدة بين أفراد العائلة، لن يؤثّر مرض الطفل أو حتى أحد أفرادها على تلك العلاقة. بينما إذا كانت العائلة أساساً غير منسجمة، أي الأب والأم ليسا قربين من أطفالهما أو لا يوجد تواصل إيجابي بين مختلف أفراد هذه العائلة الصغيرة، فسيؤثر ذلك سلباً على الجميع ومن ضمنهم الطفل المريض.

 

الطفل المريض وعلاقته مع أخته وأخيه

يعيش الصغير السليم نوعاً من خوف العدوى من مرض أخيه أو أخته. لذلك، إنّ معظم الأطفال الذين يعيشون هذا النوع من الأجواء، ينتابهم القلق وإضطراب في النوم وإنطوائية وحزن وصعوبة التأقلم مع الآخرين من أقرانهم وصولاً إلى التراجع المدرسي…

وطبعاً كل تلك الإضطرابات هي ليست سوى طريقة للتعبير عن مشاعر الطفل الداخلية ونوعاً من طلب الإستغاثة من أهله أو المسؤولين عنه في المدرسة لنجدته ومساعدته في ظرفه الإستثائي الصعب.

ودور الأهل أساسي في هذه المرحلة ويركّز على مرافقة الطفل الصغير والتفسير له عن مرض أخته أو أخيه بإستعمال كلمات بسيطة وهادفة ومناسبة لعمره.

وعادة، يصبح الطفل هادئاً جداً في هذه الحال ولا يفكّر سوى بمرض الأخ أو الأخت. وبسبب عدم إخباره المعلومات التي تخفّف من قلقه والإحباط الذي يعيشه والغضب الكامن فيه، يصبح الطفل عدائيّاً مع الآخرين. فيحناج الطفل ذات الـ5 أو 6 سنوات إلى المعلومات التي تطمئنه وإلى العناية والحنان من والديه بغض النظر عن الأحوال التي تتخبط بها العائلة بسبب المرض.

وكلّما كبر الطفل بالسن، كلما هو بحاجة للدعم والشعور بعدم الإستسلام أمام المرض. كما يشعر الطفل أحياناً أنّ أخاه مريض أو أخته مريضة بسببه. لذا ينبغي أن يفسّر الأهل له بوضوح أنّ مرض أخيه أو أخته لم يكن نتيجة خطأ أحد.

 

ماذا عن الأب والأم؟

يشعر الأب والأم بعدم قدرتهما على مساعدة طفلهما المريض، لا سيما إذا كان مرضه مستعصياً وخطيراً. لذا نرى الكثير من الأهل يهربون من هذا الجو، بسبب عدم استطاعتهم تقديم أيّ مساعدة. والبعض الآخر، يحاول جاهداً مواجهة مرض الطفل بالإعتناء المفرَط به.

وهذا التصرّف نجده أيضاً عند الامهات اللواتي يرافقن معظم الوقت أطفالهنّ إلى المستشفى وليس الأب، لأنّ الوالد يشعر وكأن لا دور له في المستشفى بوجود الطبيب المعالج الذي يلعب دور «الأب الحامي».

 

دور العائلة الكبيرة والجيرا

إنّ جميع أفراد العائلة الكبيرة (الجد والجدة والعم والعمة والخال والخالة…) معنيّون ولديهم دور أساسي في مواكبة ومساعدة الطفل المريض وعائلته. ومن أهم هذه الأدوار:

-1 الإصغاء لكل أفراد العائلة وممارسة النشاطات الخفيفة مع الطفل المريض (يجب أن تكون هذه النشاطات مناسبة لحالته الصحية).

-2 مساعدة الأب والأم معنوياً لأنّهما بحاجة لهذا الدعم. ويجب إحترام «الصمت» الذي يمكن أن يصدر منهما والعدوانية كذلك.

-3 عدم التدخل في الأمور الصحّية وعدم إعطاء إرشادات بل إحترام ما يطلبه الطبيب المختص.

-4 مساعدة الإخوة والأخوات في التعبير عن قلقهم وخوفهم.