IMLebanon

علاقات الحب بين التارك والمتروك

كتبت ساسيليا دومط في صحيفة “الجمهورية”:

تمكث لانا في المستشفى بسبب انهيار عصبي أصابها على أثر مصارحة زوجها لها بقراره الإنفصال عنها، «لم أتخيّل بأنّ هذا اليوم سيأتي رغم ابتعاده عني شيئاً فشيئاً، فعلاقتنا جيدة، أنا أقوم بكل واجباتي المنزلية والعائلية، أما روني فيعمل في الخارج ويرسل لي المال». بالنسبة للزوج الموضوع مختلف، فقد تعرف الى امرأة أخرى أثناء تواجده في الولايات المتحدة الأميركية، أعجب بها وأحبها، وهو يصرّ على أنه لا يكره زوجته إلّا أنه يرغب بالعيش مع الأخرى.

لماذا تصل العلاقات العاطفية إلى نهاياتها؟ ما الذي يحافظ عليها؟ ما الحالة التي يمرّ بها الطرفان؟ هل من السهل التخلّي عن علاقة نريدها؟ ما الفرق بين التارك والمتروك في نهاية العلاقة؟

نادراً ما تتمّ الإنفصالات بالتفاهم والإتفاق، خصوصاً في حالات الحب، بل يمرّ الطرفان أو أحدهما بصدمة ورفض واكتئاب وصولاً إلى تقبّل الأمر الواقع، وفي غالب الحالات لا بدّ من تارك ومتروك. إنّ اتّخاذ القرار بإنهاء علاقة عاطفية يعدّ من أكثر المراحل الحياتية ألماً ومعاناة، وقد ينعكس عذاباً وآلاماً قد لا تنتهي على المدى المنظور.

لماذا نحبّ شخصاً دون الآخر؟

ننجذب عاطفياً تجاه شخص بهدفٍ غير واع لإشباع حاجاتنا العاطفية والإجتماعية؛ فنمارس الأمور الترفيهية معاً ونضع أهدافاً ومشاريع مستقبلية مشتركة. أما العوامل التي تساهم بإنجاح العلاقات وطول أمدها فكثيرة، منها التشابه في النظرة للحياة، البيئة، العادات والتقاليد، المرونة والقدرة على تقبّل اختلاف الآخر والإحتكاك المباشر به.

لا بدّ أن تمرّ العلاقات بمراحل نموّ وتطوّر، وكلما طالت المدة، كلما زاد التماسك. كما تزيد الإيجابية من عمر العلاقة العاطفية من خلال الشعور بالرضا والسعادة، في جوٍّ من التناغم والفرح بعيداً عن النفور والتصادم.

كي تستمرّ العلاقات العاطفية لا بد من قرار ضمني من الطرفين بذلك، أي أن تكون الشروط مناسبة للإثنين معاً، كما الحفاظ على مستوى مقبول من الرضا، وإلّا يعتبر الإستمرار بعلاقة غير مرغوب بها من أحد الطرفين مرضياً.

عندما يتخذ أحد الشريكين قرار إنهاء العلاقة، قد يرغب الآخر بذلك لشعوره بأنّ الأمور ليست على ما يرام، كما قد يصاب بصدمة عاطفية، ويرفض الفكرة رفضاً قاطعاً.

الشخص التارك

هو المحبوب الذي تخلى عمّن يحبه، ويريد إنهاء العلاقة، وهو مَن يقوم بالصد والرفض والتخلي. هو يرى راحته أو مصلحته في الرحيل من العلاقة التي لم تعد مناسبة، سعياً وراء الأفضل، كما يشعر بالإنزعاج من تعلق الآخر به.

غالباً ما يتخذ قرارَه مسبقاً، ما يجعله قادراً على الفراق ويبدو قويا وغير متألم. قد يعاني من الشعور بالذنب إذا تعذب من تركه بسببه، إلا أنه مسيطر على وضعه لأنه هو مَن اتّخذ القرار بالرحيل. وقد أصبح جاهزاً للبدء من جديد.

الشخص المتروك

هو ضحية الشخص الذي يحبه، يشعر بالخسارة، فقد فرض عليه الأمر وهو لا يريده. يشعر بأنه تعرض للغدر والخيانة وبأنّ الآخر تخلّى عنه وبأنه لم يعد أهلاً للحب والإعجاب، ما يفقده ثقته بنفسه وبالجنس الآخر. قد يصاب بالخيبة والحزن والإكتئاب وصولاً إلى الإنتحار.

يعيش حالة من التعلق الشديد وعدم القدرة على التخلّي عن الحبيب، فيتمسك به. يلوم نفسه ويظن بأنه المسؤول عن فقدان حبيبه. يعاني من الإنكسار ويقدم التنازلات لاستعادة من خسره. يصاب بجرح نرجسي، خصوصاً في حال كان اختيار المحبوب لشخص آخر هو سبب الإنفصال. وهو لا يتوقف عن السعي لإيجاد حلول لترميم العلاقة.

قد يفشل في عمله ويصاب باضطرابات في النوم والشهية. ينعى حياته وسعادته السابقة، ويقارن نفسه بالحبيب الراحل، شاكياً من الألم والوجع. يظهر لمَن فقده ضعفه ووجعه وحبه الشديد، ويحاول الإثبات له بأنه الأنسب، فيظهر سيئات الدخيل الجديد. غالباً ما يغيب المنطق عن الطرف الخاسر، وتسيطر عليه العدوانية وعدم القبول بالواقع الجديد.

يلاحقه الحزن، والألم العاطفي، والغيرة الشديدة من الطرف الجديد في العلاقة. قد يتبع الحبيب لمعرفة ما يخفيه، كما يحاول جاهداً إيجاد أسباب غير منطقية تضع التارك في خانة المظلوم والمغلوب على أمره. يحاول جذب حبيبه الذي تركه دون جدوى. يخاف من الألم والمعاناة والوحدة بسبب غياب الآخر، خصوصاً في حال المرور بهذه التجربة من قبل.

بعض النصائح للتارك والمتروك

العلاقة العاطفية أهمية أساسية في حياة الأشخاص، فمنها ينعكس الحب والفرح والتسلية واللهو والشعور بالإستقرار والأمان، كما لا بدّ من التطرق إلى موضوع التعوّد على الحبيب في الحياة اليومية، ما يجعل الإنفصال سبباً لمعاناة قد تصل إلى الإكتئاب والعدوانية، وقد تؤدي ردود الفعل إلى أذيّة النفس والآخر.

لذلك، وتفادياً للأضرار، لا بدّ للتارك من إنهاء العلاقة العاطفية قبل الدخول بعلاقة جديدة. وكلما طالت مدة العلاقة وكلما ارتفع مستوى الحب بين الطرفين، كلما زادت صعوبة الإنفصال وأصبحت غير مقبولة ومستحيلة في بعض الحالات.

كما على الشخص المتروك أن يفكر بشكل موضوعي ومنطقي، ويسأل نفسه الأسئلة التالية:

– هل أنا راضٍ عن العلاقة السابقة؟

–  هل ما زالت الشروط الفعلية للعلاقة مرضية؟

– هل أريد إبقاء مَن أحبّ معي رغماً عنه؟

–  هل أقبل باستمرار العلاقة بوجود حبيب آخر لحبيبي؟

إنّ محاولة الإجابة على هذه الأسئلة سوف تساعد على تقبّل الأحداث، والسعي إلى ملء الفراغ العاطفي بممارسة الرياضة والهوايات والخروج مع الأصدقاء، لكن حذارِ استبدال الحبيب بآخر من أجل الشفاء.

تصل العلاقة بين حبيبين إلى مرحلة ينخفض معها مستوى الإشباع للحاجات العاطفية والنفسية، ما يجعل الإستمرار فيها مستحيلاً. من أهم المسبّبات لذلك، السفر والمرض والضغوطات الحياتية، أو حتى عدم القدرة على تحقيق الأهداف المشتركة، فيشعر أحدهما أو كلاهما بالحرمان والإحباط، بالإضافة إلى عدم الأمان.

لكنّ هناك الكثير من العلاقات التي تستمرّ رغم التحدّيات الخارجية، ويعتمد ذلك على قدرة كل شخص في الثنائي على التحمل وتقبّل ظروف الآخر، فما يقدر شريك على التضحية به من أجل العلاقة قد لا يقدر عليه الآخر، وهذا غالباً ما يحدث عند اتّخاذ أحد الطرفين قراراً بإنهاء العلاقة ويواجه بعدم الموافقة.