IMLebanon

نزوحٌ ووزراء وزواج

كتب جوزيف الهاشم في صحيفة “الجمهورية”:

خلال الزيارة التي قامت بها المستشارة الألمانية للبنان، قال الرئيس ميشال عون: «لا نريد أن نموت والنازحون السوريون ما زالوا في لبنان…».

واخالُ من باب التصوُّرِ الذهني أنَّ الرئيس بشارة الخوري قال يوم النزوح الفلسطيني ما قاله الرئيس ميشال عون عن النزوح السوري.. فكان أن مات بشارة الخوري، ومات بعده سبعة رؤساء جمهورية ما عدا الثلاثة الأحياء، ولا يزال النزوح الفلسطيني حيّاً يُرزق في لبنان.

في العراق كان للغربة لسعةٌ ذات يوم عبّـرَ عنها شاعرٌ بقوله:

لقدْ علَّمَ البرغوتُ حينَ يعضُّ نيب بغدادَ، أني في البلادِ غريبُ وزراء وجبنة فرنسية في أولى جلسات مجلس الوزراء، ومنذ أول وصوله كانت شمعةُ الهدر على طوله وهو الذي قال: إنه يسعى «الى العمل» في سبيل الكمال.

ومثلما «أن كلَّ عهد يُضيف الى الفساد طبقةً جيولوجيةً أخرى»، كما يقول كمال جنبلاط في كتاب «التحدي الكبير»… هكذا تُضيف كلُّ جلسةٍ وزارية طبقةً جيولوجيةً الى الطبقات السابقات، بكل ما تجود بـهِ الحكومة من «حاتميَّاتٍ» في السخاء، ومن عفَّـةٍ في التقشّف لاستقبال مليارات مؤتمر «سيدر» الفرنسي، وفي فرنسا كما يقول ديغول مئات الأصناف من الجبنة، وفي لبنان كما يقول الراوي مئات الأجناس من الهِرَرة…؟ زواج المتعة الوطني بعد الضجة التي قامت على طرح موضوع الزواج المدني، وفي إنتظار الإقرار بأنَّ لا مستقبل للبنان ولا استقرار، إلا بدولة مدنِّية بل علمانية تبرز ضروراتها من خلال دولة لبنان الديمقراطية الموحدة على ورق الدستور، والمتضاربة على الأ رض في دولتين متواجهتين بخلفية مذهبية:

دولة مع إيران، ودولة ضدّها…

ودولة مع السعودية، ودولة ضدّها..

ودولة مع سلاح المقاومة، ودولة مع مقاومة السلاح..

ودولة تسعى الى «نزوح» لبنان نحو النظام السوري، ودولة تسعى الى «النزوح» عن هذا النظام.

وأخشى أن أقول: هناك دولة ترى إسرائيل عدواً، ودولة ترى إسرائيل عدوَّ أعدائها.

إنَّ هذه الإزدواجية المذهبية في الدولة من شأنها أن تُسقط دولةَ الميثاق، ودولة العيش المشترك، ودولـة وحدة الأرض ووحدة الشعب والمؤسسات، ليصبح في كلِّ أرض دولـة، ولكل شعب أرض، ولكل جمهورية مؤسسات ومذهب.

في المسيحية: ما لقيصر لقيصر وما لله، وفي الإسلام كلامٌ لكبار المفكرين وقد أجمعوا على أنَّ الإسلام دينٌ علماني بامتياز، لا دولة فيه ولا خلافة، بل ترك القرآنُ الأمرَ شورى بين المسلمين ليختار الناس النظام الذي يرتأون.

للمناسبة، كان أمس الأول لقاءٌ بدعوةٍ من النائب فريد البستاني لتأسيس هيئة وطنية تتولى إحياء المئوية الثانية لميلاد المعلم بطرس البستاني، أحد أبرز فرسان النهضة الفكرية والقلمية في لبنان والذي أطلق الشعار القائل: «االدين لله والوطن للجميع».

ومنذ مئتي عامٍ حتى اليوم لم نتعلم من هذا المعلم «حب الوطن من الإيمان» ولا نزال نقرأ شعاره بالمقلوب: الدين للوطن والوطن لله.

صدقونا: إذا لم تمدّنوا دولتكم وتعلمنوها قبل فوات الآوان، فقد تصبحون من أهل الأرض الذين يفقدون دينهم ودنياهم على ما يقول الشاعر المعرّي: إثنانِ أهلُ الأرضِ ذو عقلٍ بِـلاديـنٍ وآخرُ ديِّـنٌ لا عقل لَـهْ.

نزوحٌ ووزراء وزواج