IMLebanon

ما هو الموقف الحقيقي لـ”التيار” من الموازنة؟

تنشر «الجمهورية» الموقف الحقيقي لـ«التيار الوطني الحرّ» من مشروع الموازنة والذي عبّر عنه أمس أحد وزراء التيّار في جلسة مجلس الوزراء، وينص على الآتي:

لا شك في انّ مشروع موازنة عام 2019 المطروح علينا تضمّن إجراءات جيدة ومطلوبة ويمكن البناء عليها، ولكنه لم يقارب مشكلات أساسية يتوجّب علينا التصدي لها.

يتقدّم هذه المشكلات تباطؤ النمو الاقتصادي وتنامي العجز في حسابات لبنان الخارجية، وارتفاع عبء خدمة الدين العام على الاقتصاد عموماً والمالية العامة خصوصاً. ولا بد من التوقف عند عبء الدين الخارجي بما هو التزامات لبنان تجاه الخارج التي تندرج من ضمنها ودائع غير المقيمين، والتي باتت الفوائد المدفوعة عليها تستنزف جزءاً مهماً من الدخل الوطني وتساهم في عجز ميزان المدفوعات.

إنّ غياب هذه المقاربة عن مشروع موازنة عام 2019 يجعله قاصراً عن تنفيذ ما وعدت به حكومتنا في بيانها الوزاري، فالموازنة هي الأداة التي تستخدمها الحكومة لتنفيذ سياسات الدولة في شتى المجالات، وهذا ما ينتظره منّا المواطنون، وليس مجرد مشروع موازنة يطغى عليه الهَم المحاسبي وهاجس تخفيض العجز المالي كميّاً بمعزل عن أي أهداف ورؤى سياسية واقتصادية واجتماعية.

هذا النقاش لا يقتصر فقط على لبنان، لا بل انه جَار على أعلى المستويات الدولية، وهذا ما لمسته مؤخراً في واشنطن خلال اجتماعات الربيع للبنك الدولي ولصندوق النقد الدولي الذي اعتبر في تقريره تحت عنوان «الراصد المالي» Fiscal Monitor انّ الدين العام والمديونية على القطاع الخاص والأسير، باتا يمثّلان مشكلة أساسية في ظل توقعات بالمزيد من الهبوط الاقتصادي، ممّا يفرض علينا التحرك سريعاً لاحتواء هذه الديون وتخفيضها من أجل إيجاد الفسحة المالية الكافية للاستثمار في النمو والحماية الاجتماعية.

في هذا السياق، يجري التركيز على 3 محاور أساسية:

1- تحويل الانفاق العام نحو الاستثمار الداعم للنمو الحقيقي، عبر الحد من الهدر والفساد وعبر إعادة النظر بالدعم غير الكفوء وغير المجدي.

2- مكافحة التهرب الضريبي وتحسين ادارة الاصول العامة، أي موجودات الدولة، لرفع الايرادات.

3- إعتماد ضرائب الدخل التصاعدية بما فيها الضرائب على الإرث والربح العقاري.

فإذا لم يتعامل مشروع موازنة 2019 مع هذه المحاور، فمتى سيكون الوقت المناسب لذلك؟

… حتى 2022

لا مناص من البدء فوراً بوضع رؤيا شاملة تكون بمثابة خارطة طريق تسمح لنا بمعرفة أوضاعنا الاقتصادية والمالية والنقدية، وبمعالجتها من الآن وحتى نهاية 2022 كي نضع لبنان في مصاف الدول التي تخطط لمستقبلها.

إنّ مشروع موازنة 2019 وتقرير وزير المالية المرفق، لم يتضمّنا مثل هذه الرؤيا، والأهم أنّ المشروع يقوم على فرضيات تحتاج الى تدقيق وإيضاحات. وسأكتفي بـ3 ملاحظات في هذا الشأن تحديداً:

1- إنّ نتائج الفصل الأول من هذا العام 2019 تَشي باستمرار التباطؤ في نمو الاقتصاد، في حين أنّ المشروع بنيَ على نمو حقيقي بمعدل 1,2% للعام 2019 مع تضخم بنسبة 1,7% فقط. فكيف يمكن، استناداً الى هذه المعدلات، أن يصل إجمالي الناتج المحلي للعام 2019 الى 89935 مليار ليرة كما هو متوقع في التقرير؟ وكيف سيلجم تنامي الدين العام وخدمته ونسبتهما من إجمالي الناتج المحلي في ظل معدلات الفوائد المرتفعة في السوق المحلي؟ والى أين ستصل هذه النسب في السنوات الثلاث المقبلة؟

تجدر الاشارة الى انّ مشروع الموازنة يلحظ اعتماداً بقيمة 8312 مليار ليرة لتسديد الفوائد على سندات الخزينة في مقابل 8214 مليار ليرة في قانون موازنة عام 2018، أي انّ الزيادة في خدمة الدين العام بلغت 98 مليار ليرة فقط، علماً أنها كانت قد ارتفعت عام 2018 بقيمة 1914 مليار مقارنة بالعام 2017. فما هي الآليات التي اعتمدت لحصر الزيادة في خدمة الدين العام بهذا المبلغ؟

2 – يقدّر وزير المالية في تقريره المرفق، العجز المحقق في العام 2018 بنحو 9816 مليار ليرة (ما يوازي 6,511 مليارات دولار)، ويقدّر انّ هذا العجز سيتراجع الى 8887 مليار ليرة عام 2019 (ما يوازي 5,895 مليارات دولار)، ما يعني انخفاضاً في العجز بقيمة 929 مليار ليرة (ما يوازي 616 مليون دولار).

اللافت بالمقابل انّ مشروع قانون الموازنة قدّر العجز المرتقب بـ 5352 مليار ليرة يُضاف اليه 2500 مليار ليرة لدعم الكهرباء، فيبلغ المجموع 7852 مليار ليرة لبنانية. أي أنّ هناك فارق بقيمة 1035 مليار ليرة بين تقرير وزير المالية ومشروع قانون الموازنة. فمن أين أتى هذا الفارق ولماذا؟ وأيّ حساب هو الصحيح ليبنى على الشيء مقتضاه؟

3 – تقدّر الايرادات في مشروع قانون الموازنة بـ 18265 مليار ليرة بالمقارنة مع 18686 مليار ليرة في قانون موازنة 2018، أي ان المشروع يتوقع إيرادات اقلّ مما توقعه في عام 2018، علماً انّ الايرادات المحققة خلال 11 شهرا من العام 2018 بلغت 15051 مليار ليرة. أتمنى ان يكون لدى وزير المالية تفسير لذلك؟ وإذا كانت التوقعات للعام 2018 غير دقيقة، فكيف يمكن ان نضمن دقتها لهذا العام؟

الهدف من هذه الملاحظات الثلاث هو الاشارة الى انّ الارقام التي نتعامل معها في مشروع موازنة 2019 تحتاج الى المزيد من التدقيق. وهذا ما يجعلنا نتساءل عن السبب الذي يؤخر اعلان نتائج العام 2018 كلها، علماً أننا اليوم ننهي الشهر الرابع من العام 2019. وللمناسبة، نجدد المطالبة بأن يقدّم وزير المالية لمجلس الوزراء تقريراً فصلياً، أي كل ثلاثة أشهر، عن أوضاع المالية العامة ونتائج تطبيق الموازنة.

ونجدّد ايضاً التساؤل عن سبب عدم إحالة مشاريع قطوعات الحساب الى مجلس الوزراء حتى الآن، بالرغم من معرفتنا انّ نشر الموازنة مشروع بإقرار هذه المشاريع في مجلس النواب.

وهذه العملية قد تستغرق وقتاً يبقى خلاله قانون الموازنة معلّقاً، مما يدعونا الى الخشية من أن يتحوّل التأخير الى مبرّر لنشر قانون الموازنة من دون قطوعات الحساب على غرار ما حصل في العامين الماضيين. لذلك، نطالب بإحالة مشاريع قطوعات الحساب الى مجلس الوزراء لدرسها وإحالتها الى مجلس النواب بالتزامن مع مناقشة مشروع الموازنة.

يبدو جلياً أننا سنواجه مشكلات متنوعة تحتّم علينا اعتماد خيارات مالية ونقدية تؤدي الى ضبط العجز المالي ودعم النمو وتحفيزه. وعليه، نتقدم بالاقتراحات التالية:

1- لجم التهرب الضريبي بكافة مندرجاته وأبوابه، والمقدّر وفق عدة دراسات بحوالى 1,7 مليار دولار أي ما يوازي عجز الكهرباء حالياً، ويعتبر بمثابة جريمة مالية وفقاً لقانون مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب رقم 44 الصادر بتاريخ 24/11/2015. اللافت انّ مشروع قانون الموازنة يتضمن 17 مادة تتعلق بمنح إعفاءات وتخفيضات للمتخلّفين عن سداد الضرائب والغرامات، وانّ هذا الأمر ساهم في السنوات السابقة بتشجيع التهرب الضريبي بدلاً من لجمه.

لذا، يقتضي تشديد العقوبات على التهرب الضريبي واعتباره جناية بموجب القوانين، ووضع آليات تنفيذية واتخاذ إجراءات فعّالة لتحسين وتفعيل جباية الضرائب، لا سيما:

• ضرائب الدخل على الارباح والاجور
• الرسوم العقارية (الضريبة على الاملاك المبنيّة، الضرائب غير متكررة ورسم الانتقال)

• الرسوم الجمركية
• الضريبة على القيمة المضافة

2- إلغاء كل الاعفاءات والتسويات الضريبية، واعتماد نظام للحوافز مرتبط بأهداف اقتصادية واجتماعية تحدد بمراسيم يصدرها مجلس الوزراء بناء على توصيات صادرة عن المجلس الاعلى للاقتصاد.

3- تخفيض الحد الادنى من الخضوع الالزامي للضريبة على القيمة المضافة من 100 مليون الى 25 مليون ليرة، ووضع آلية فعّالة لمنع التهرب من هذه الضريبة وضبط الاستردادات.

4- زيادة معدّل الضريبة على فوائد الودائع من 7% الى 10% كما ورد في مشروع قانون الموازنة.

5- تطبيق رسم مؤقت بنسبة 3% على مدى 3 سنوات، يشمل جميع المستوردات ما عدا المواد الاولية والآلات التي تستخدم في الانتاج المحلي، على أن يخصّص جزء من هذه الايرادات لتنفيذ برامج تحفيزية للقطاعات الانتاجية لتمكينها من منافسة السلع المستوردة عند إزالة هذا الرسم. مع العلم انّ الاتفاقيات التجارية التي وقعّ عليها لبنان تسمح باتخاذ هذا الاجراء في حالات مشابهة لحالتنا.

6- المباشرة فوراً بدرس وضع المعابر واتخاذ ما يلزم من إجراءات لدى مديرية الجمارك، بغية تفعيل الرقابة على المعابر الشرعية ومكافحة التهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية.

7- مساواة جميع المكلفين بضريبة الدخل أمام القانون، بشمول شركات الاموال على اختلاف انواعها بالضريبة التصاعدية، على غرار ما ورد في مشروع قانون الموازنة بالنسبة للمكلفين بضريبة الرواتب والاجور وأرباح المهن التجارية والصناعية وغير التجارية. وبذلك نخطو باتجاه الاصلاح الضريبي.

8- فرض ضريبة مرتفعة على ارباح الامتيازات التي تمنحها الدولة، وعلى استغلال الثروات والموارد العامة والاملاك العمومية، وعلى النشاطات التي تضر بالبيئة والصحة العامة.

9- زيادة رسوم إجازات العمل والإقامة للأجانب.

10- إتخاذ المبادرات اللازمة لتحسين إدارة الدين العام بما يؤدي الى تخفيض كلفته خلال السنوات المقبلة. وهذا الأمر يتطلّب تنسيقاً وثيقاً بين السياسات المالية والنقدية لتخفيض اسعار الفوائد وتقليص الحاجة الى التمويل بواسطة سندات الدين، ويمكن ان يتم ذلك عبر أشكال مختلفة.

11- إعادة ربط السياسات المالية والنقدية بحاجات الاقتصاد ونموّه وتوزّعه على شرائح المجتمع كافة، وذلك استناداً الى القوانين المرعية الاجراء، لاسيما قانون النقد والتسليف.

12- الالتزام بالمباشرة فوراً بإعادة النظر بهيكلية الدولة بغية تفعيلها وزيادة إنتاجيتها وتحديثها وترشيد نفقاتها، وذلك بعد دراسة الحاجات بحيث يتم إلغاء المؤسسات والمجالس والصناديق والهيئات التي لا حاجة لها.

13- اعادة تنظيم مرفأ بيروت، بهدف تحويله خلال ستة اشهر على الاكثر الى مؤسسة عامة تخضع للرقابة وتحول ايراداتها الى الخزينة العامة.

14- اعادة النظر بالقروض المدعومة وبآلياتها المعتمدة، بما يعيدها الى روحية استعمالها. ففي حالة القروض السكنية، يجب ان يكون الدعم مخصصاً لذوي الدخل المحدود حصراً. وفي حالة القروض الاستثمارية، يجب ان يكون الدعم موجهاً نحو زيادة الانتاج وخلق فرص العمل والقيَم المضافة.

مع الإشارة الى أنّ كل دعم يجب أن يكون شفافاً وخاضعاً للأصول النظامية المنصوص عليها في قانون المحاسبة العمومية، بحيث يظهر واضحاً في حسابات الموازنة.

إعلان