IMLebanon

إفتاء بعلبك ـ الهرمل.. وغياب المرجعيّتين

كتب عيسى يحيى في صحيفة “الجمهورية”:

ثلاثة أسابيع ويقفل مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان عامه الخامس في دار الإفتاء حيث انتُخب في العاشر من آب عام 2014 مفتياً للجمهورية اللبنانية بعد نزاع بين تيار «المستقبل» والمفتي السابق الشيخ محمد رشيد قباني، وما كان لذلك الخلاف من دور في إضعاف هيبة المقام ودوره، في حين تؤدي المرجعيات الدينية والروحية في لبنان دوراً في الحفاظ على العيش المشترك والسلم الأهلي تحت سقف «إتفاق الطائف» ومظلّته.

ينتظر الشارع السني من المرجعيتين الدينية والسياسية أن تقوما بالدور المطلوب منهما، وأن تحتويا حال التململ داخل الطائفة في ظل أزمة صلاحيات رئاسة الحكومة وما يتبعها من تعيينات ومراكز إدارية، حيث جاءت إنتفاضة الرئيس سعد الحريري أخيراً لتمتص النقمة داخل تيار “المستقبل” وعند الخصوم أيضاً ضمن الطائفة الواحدة، وتعيد ما أمكن من دورٍ بدأ بالأفول في ظلّ النزاعات القائمة وغياب المرجعيّة والمظلة الإقليمية والدولية.

وجاءت الإنتخابات النيابية الأخيرة لتزيد من حجم التشرذم والتمثيل السني في الندوة النيابية، فكان “اللقاء التشاوري” المحسوب على “حزب الله” والمنضوي ضمن كتل الحزب وحركة “أمل” أيضاً، إضافةً إلى ممثلين آخرين كالرئيس نجيب ميقاتي وكتلته التي تتّخذ دور الوسيط والوسط، ما نتج من ذلك عدم توحدّ المرجعية السنية وتشتتها. من هنا يأتي دور دار الفتوى مظلة وسقف المرجعيات السنية، ويعوَّل على دور المفتي دريان في لمّ شمل الطائفة وتوحيد بوصلتها، لا سيما أنّ خطاب التعيين الذي ألقاه كان شعاره إنهاء الإنقسام داخل دار الفتوى والعمل مع المجلس الشرعي والمؤسسات الدينية لما فيه مصلحة اللبنانيين.

وهنا يأتي السؤال: ماذا حققت دار الفتوى من إصلاحات على صعيد الطائفة؟ وهل أنهت أزمة تعيين مفتي المناطق والمجالس الإدارية للأوقاف؟ وماذا عن دور تيار “المستقبل” داخل الدار؟

منذ تسلّمه بدأ المفتي دريان العملية الإصلاحية التي انطلقت عبر إنتخاب المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في نيسان عام 2015، كذلك إنتخاب المجالس الإدارية للأوقاف التي كانت تأتي بالتعيين، لتبقى قضية مفتي المناطق معلقةً في انتظار نصرٍ من الله وفرج قريب، وانتظار إستكمال العملية الإصلاحية التي بدأها المفتي دريان والخروج من أزمة تكليف وتعيين مفتين عبر إنتخاباتٍ كانت معلّقة في الآونة الأخيرة إلى ما بعد الإنتخابات النيابية.

وفي هذا الإطار تقول مصادر خاصة لـ”الجمهورية” إنه يدور في الكواليس أنّ دار الفتوى ومِن خلفها تيار “المستقبل” المتحكّم بالقرار الديني يسعى إلى تشكيل لجان للمجالس الإدارية لأوقاف بدلاً من الإنتخابات تمهيداً لإنتخابات المفتين ليضمن وصولهم ضمن فلكه السياسي، وهو أمرٌ يثير إمتعاض الشارع السني ويُشعره بالقلق كون دار الفتوى ومفتي المناطق هما المرجعية الدينية والمخرج من حال الإنقسام المذهبي، وتسأل المصادر عن دور “المستقبل” الراعي والحاضن للطائفة، وخصوصاً أنّ هكذا قرار يمكن أن يؤدي إلى الإخلال بالتوازن داخل المجالس الإدارية بعد أن أُجريت إنتخاباتٌ في العام 2015 تمثلت بها كل الشرائح.

وحول واقع منطقة بعلبك الهرمل ومركز الإفتاء فيها تقول المصادر “إنّ الطروحات التي يُسمع بها لا تبشّر بالخير، فالأسماء المطروحة لكل اسم منها فلكه السياسي، كذلك هناك حالٌ من الغضب والتململ لدى مشايخ المنطقة وأئمّة المساجد الذين أصبحت حالتهم شبه معدومة وإلى الأسوأ، فلا تقديمات إجتماعية ولا تقديمات صحية ولا رواتب، ما جعلهم في حال عداء ضد المرجعية الدينية الرسميّة ناهيك عن غياب المرجعية الدينية والسياسية في بعلبك – الهرمل بعكس المناطق الأخرى، فتيار “المستقبل” الذي يُفترض أن يكون المرجعية السياسية هو متلهٍ بالأمور العامة التي أفقدته رصيداً شعبياً بعد جملة تنازلات قدمها ولا يزال، فيما المرجعية الدينية غير مهتمة.

وعلى الطرف الآخر لا يريد البعض أن يصل أحدٌ توجّهاته غير ملائمة أساساً للتوجّه العام للطائفة التي تحتاج إلى مفتٍ بعيداً من الإنقسام السياسي ( تيار “المستقبل” وسنّة 8 آذار أو “حزب الله”)، ويحظى في المرحلة الأولى بتأييد المشايخ والعلماء الموجودين في المنطقة (45 إماماً)، وبالتالي يجب الخروج من ذهنيّة العائليّة والتي تعتبر فيها كل عائلة أنها الأحق في التمثيل، وبالتالي من الضروري أن يكون المفتي غيرَ مصنّف، وقريباً من جميع الفئات والطوائف، كذلك حلّ القضايا المتعلقة بأراضي الوقف وغيرها.

وتختم المصادر أنّ الوقت قد حان لإجراء إنتخابات للمفتين والبحث في إسم يكون جامعاً للطائفة وبعيداً من التداول، بعد الدعوى لإنتخاب أعضاء المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى التي حدّدها مفتي الجمهورية في 13 تشرين الأول 2019.