IMLebanon

الرفض الموحَّد لصفقة القرن يُجنِّب لبنان الإنقسامات

كتب معروف الداعوق في صحيفة “اللواء”:

مشروع «صفقة القرن» كما فُهم  من عناوينه، يتعارض كلياً  مع المبادرة العربية التي تبنّاها العرب في قمّة بيروت 2002

لا شك أن طرح مشروع «صفقة القرن» في هذا الظرف الإقليمي المتدهور، أضاف تحدياً جديداً، يضاف إلى سلسلة التحديات والمصاعب التي يواجهها لبنان والعالم العربي في هذه المرحلة الصعبة وأرخى بضغوطات وتداعيات خطيرة، لا بدّ من التنبه لها، وأخذها بعين الاعتبار، بالرغم من المواقف الرافضة فلسطينياً وعربياً ودولياً لهذا المشروع  المغلف بعناوين واغراءات مالية ظاهرية للفلسطينيين وبعض الدول المضيفة لهم كلبنان مثلاً، والذي لم يكلف مهندسوه أنفسهم عناء تمويه غاياته، بل كشفوا بشكل مبسط ومباشر أن هدفه الأساس والمباشر تصفية القضية الفلسطينية والقضاء نهائياً على مشروع إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس مستفيدين من حالة الضعف والحروب الأهلية والانقسامات التي تجتاح العالم العربي في الوقت الحاضر والتدخلات الإيرانية المدمرة في شؤون أكثر من دولة عربية.

ولكن توحد اللبنانيين بموقف واحد من رفض مشروع «صفقة القرن» بالرغم من تعدد توجهاتهم، جنّب لبنان مخاطر اهتزازات سياسية وأمنية في ذروة هذه الظروف الصعبة، ووفر على اللبنانيين الدخول في متاهات الانقسام والانخراط في سياسة المحاور والتحالفات، كما كان يحصل في كل مرحلة مفصلية هامة من مراحل الصراع العربي الاسرائيلي، ديبلوماسياً وعسكرياً والذي دفع ثمنه اللبنانيون غالياً من أمنهم واستقرارهم واقتصادهم وسيادة بلدهم على مرّ العقود الماضية.

فلبنان الذي يستضيف على أراضيه أعداداً كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين منذ النكبة، معني مباشرة بما يطرح حول القضية الفلسطينية ولا يمكنه التغاضي أو القبول بأي مشروع يطرح ويستهدف تجاهل قضية اللاجئين الفلسطينيين أو توطينهم في الدول التي تستضيفهم ومنها لبنان، لأن هذا الأمر يتعارض مع الدستور اللبناني ومع إجماع اللبنانيين بكافة طوائفهم وتوجهاتهم برفض التوطين الفلسطيني الذي يؤثر سلباً على التركيبة الديمغرافية للبنان ويهدد العيش المشترك فيه.

ولذلك، كان من الضروري تلاقي وجهات نظر كافة المسؤولين حول مسألة مشروع «صفقة القرن» وتوحيد رؤيتهم ومواقفهم لرفض هذا المشروع منذ بداية طرحه، وإعلان موقف موحد منه، لا سيما بعد رفض الفلسطينيين أنفسهم، إن كان من قبل المسؤولين بالسلطة الفلسطينية أو خارجها وعدم وجود موقف عربي موحد تجاهه، لأن مثل هذا الموقف اللبناني الموحّد والرافض، يعطي زخماً للموقف الفلسطيني الذي يُشكّل الأساس في التعاطي مع هذا المشروع ويحصّن لبنان تجاه أي خروقات أو تداعيات محتملة تجاه ما يطرح.

يضاف إلى ذلك، أن مشروع «صفقة القرن» كما فُهم من عناوينه التي كُشف عنها بشكل غير محدود ورسمي بعد بانتظار الإعلان عنه في الأيام القليلة المقبلة انه يتعارض كلياً، مع المبادرة العربية التي تبناها العرب في القمة العربية التي عقدت في لبنان عام 2002 والتي ما تزال عنوان التسوية المطروحة للقضية الفلسطينية من قبل العرب مجتمعين، وأي قبول لمناقشة أي طرح آخر ومنها مشروع «صفقة القرن» أو غيره يتطلب موقفاً عربياً موحداً وجديداً بهذا الخصوص، ولا يبدو انه مؤمَّن في الوقت الحاضر بسبب اعتراض ورفض أكثرية الدول العربية الموافقة عليه في الوقت الحاضر، بالرغم من وجود دولة أو دولتين عربيتين أو أكثر حتى الآن لا تعترض على هذا الطرح الجديد حتى الآن.

وفي انتظار ما سيحصل من تطورات وإلى أين يتجه تسويق هذا المشروع التصفوي بامتياز للقضية الفلسطينية، لا بدّ من تمتين الموقف اللبناني الموحّد والرافض لهذا الطرح، بالرغم من كل الضغوط والتطورات المحيطة بلبنان، من كل الجوانب، لأن مثل هذا الموقف كفيل، ليس بإضعاف حظوظ تسويق ونجاح هذا المشروع فقط، بل بدفع كل ما ينجم عنه من تداعيات سلبية محتملة في المستقبل القريب أو البعيد، ولكن مهما حصل تبقى كلفة توحيد الموقف اللبناني من هذا المشروع أقل بكثير من كلفة الانقسام من حوله كما دلت التجارب والوقائع القريبة والبعيدة مما يحصل حول القضية الفلسطينية، بكل ظروفها وتقلباتها