IMLebanon

كشف خيوط مؤامرة تستهدف الإستقرار المالي

كتب أنطوان فرح في “الجمهورية”:
مع الانطلاقة الرسمية لحملة الترويج لـ»صفقة القرن» في مؤتمر البحرين، وبعدما تأكّد انّ هذا المشروع يقوم على نظرية الإغراء بالمال لإقناع الحكومات والشعوب المعنية بالسير فيه، وبما أنّ لبنان معني في هذا المشروع، سيطرت فكرة المؤامرة على البعض. فهل الحالة التي وصل اليها البلد كانت فعلاً نتيجة مؤامرة حاكتها الدول لتسهيل موافقته على الانخراط في «صفقة القرن» بسبب حاجته الى الاموال لتحاشي الانهيار؟

يلاحظ كل من يتابع تقارير ومواقف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي حول لبنان، انّها تختلف عن مضمون وشكل التقارير التي تُصدرها وكالات التصنيف. وفيما تبدو مواقف البنك والصندوق شبه متفائلة وإيجابية الى حدٍ ما، تأخذ تقارير وكالات التصنيف منحى السلبية والتشاؤم والتشكيك. ويظهر هذا الفارق بوضوح في مقاربة موضوع مشروع موازنة 2019. هذا الاختلاف في تقييم الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان، دفع الكثيرين الى تبنّي نظرية وجود مؤامرة. ويرى اتباع هذه النظرية، ان هناك تقسيماً للادوار يهدف الى إحباط الحكومة اللبنانية واللبنانيين، لتسهيل قبولهم بالانخراط في «صفقة القرن».

المعضلة في نظرية المؤامرة تكمن في النقاط التالية:
اولاً – تعطّل امكانية المنطق والعلم. اذ تصبح الارقام والحقائق موضع تشكيك طالما انّ هناك ما هو خفي، ويتحكّم باللعبة، وفق قناعة المقتنعين بوجود مؤامرة.
ثانيا – تُنقذ المسؤولين عن الكارثة من تحمّل مسؤولية ما جنته أيديهم، وترميها على الغير، أي على المتآمرين المعلومين المجهولين.

ثالثا – تسهّل امكانات الاستمرار بالخطأ طالما انّ الغطاء بات مؤمّناً.
في الواقع، وبعيداً من نظرية المؤامرة، السبب المنطقي للاختلاف القائم بين تقارير البنك الدولي وصندوق النقد من جهة، وتقارير وكالات التصنيف من جهة أخرى، يرتبط بمرجعيات هذه المؤسسات. البنك والصندوق هما مؤسستان تتبعان رسمياً منظمة الامم المتحدة. في حين انّ وكالات التصنيف، ولو انّها صارت تمتلك صفة شبه رسمية بفضل اعتمادها من قبل هيئة الأوراق المالية الأميركية في عام 1975، إلا انّها تبقى مجرد مؤسسات خاصة لا تخضع الى حسابات سياسات الدول.

من هنا، نفهم لماذا أجمعت وكالات التصنيف الثلاث على التشكيك في واقعية الارقام الواردة في مشروع الموازنة، ولماذا قالت في تقاريرها الأخيرة انّ ما ُسُمّي إصلاحات في الموازنة هي مجرّد محاولات هزيلة لن تنقذ الوضع المالي للبنان. في المقابل، حاول المسؤولون في صندوق النقد والبنك الدولي الذين زاروا بيروت في الايام الأخيرة، ان يضفوا الطابع التفاؤلي على مواقفهما، مع انّ الوضع على حقيقته لا يسمح كثيرا بالتفاؤل. هذه الايجابية المصطنعة تعكس رغبة دولية على الأرجح في محاولة تجنيب لبنان كأس الانهيار المالي.

وفي تفصيل اضافي، ترتكز نظرية المؤامرة اجمالاً على حجب المساعدات والقروض ومنحها فقط بشروط تهدف الى إخضاع الدول. وهذا الامر حصل على سبيل المثال لا الحصر مع مصر في حقبة الخمسينيات، عندما رفض البنك الدولي تمويل مشروع السد العالي، إلّا ضمن شروط تتماهى مع شروط وضعتها في حينه كل من الولايات المتحدة وبريطانيا.

لكن في الحالة اللبنانية، واذا كان هناك فعلاً مؤامرة، نكون قد أحبطناها من حيث لا ندري، لأننا لم نستعمل الاموال التي خصّصها لنا البنك الدولي لتنفيذ مشاريع تنموية، وضعناها بأنفسنا، واقترحناها على البنك. وقد وافق على تمويلها بقروض ميسرة جداً، لكننا رمينا الملفات في الجوارير ولم ننجز أي خطوة للحصول على هذه الاموال، والتي تبلغ قيمتها حالياً مليارين و400 مليون دولار. كان يحق لنا ان نرجّح نظرية المؤامرة لو انّ البنك اشترط علينا الدخول في صفقة القرن مقابل هذا التمويل، لكن المفارقة انّ هذا التمويل، أو قسماً منه، تأمّن منذ سنوات طويلة، وكان يمكن لاستخدامه ان يساعد على تحصين الوضع المالي للبلد، لكننا لم نستخدمه حتى اليوم، لأنّه مال مُراقب حسابياً، وسرقته غير مُتاحة مبدئياً.

السؤال المشروع هنا، كيف نستطيع اكتشاف وجود مؤامرة، اذا كان صندوق النقد، ومن مهامه الرسمية وفق وثيقة انشائه، مساعدة الدول اقتصادياً في الماكرو وليس في الميكرو، قد حذّرنا قبل إقرار سلسلة الرتب والرواتب من مخاطر اقرارها، ولكننا لم نقتنع. في المنطق، وفي حال وجود مؤامرة كان يُفترض بالصندوق تشجيعنا ودفعنا الى إقرار السلسلة لإضعاف موقفنا المالي اكثر مما هو ضعيف، وإجبارنا بقبول التمويل والدخول في «صفقة القرن». لكنه لم يفعل، وبدلاً من ذلك حاول تحذيرنا لتحاشي الوصول الى ما وصلنا اليه اليوم. انّها مفارقة غريبة ان يسعى المتآمر الى إحباط مؤامرته بنفسه، وان يصدّه المُتآمَر عليه ويمنعه من ذلك.

لا ينفع المنطق في إقناع أتباع نظرية المؤامرة في تغيير قناعتهم. فئة من هؤلاء لهم مصلحة في الترويج لوجود مؤامرة، وفئة أخرى تصدّق رواية المؤامرة، وفئة ثالثة لا تؤمن سوى بوجود غباء وفساد وقلّة ضمير أوصلوا البلد الى ما هو عليه اليوم، وما سيكون عليه غداً.