IMLebanon

نفايات الشمال بين الحلّ والتأزُم… هل تتراجع السُلطة عن قرارها؟

كتبت راكيل عتيِّق في صحيفة “الجمهورية”:

ما كاد أن لاحَ أمل في استعادة أقضية زغرتا وبشري والمنية – الضنية والكورة الهواء الشمالي النظيف والتخلُص من روائح النفايات، وخصوصاً في زغرتا التي تفترش «الزبالة» شوارعها مشوّهة مناظرها الطبيعية الخلّابة، حتّى تأزّم المشهد الشمالي مجدداً برفض أهالي المنية – الضنية وعدد من بلدات قضاء زغرتا المطمر في تربل ونقل النفايات من خارج المنية – الضنية إليه. هذا الإعتراض تجلّى بقطع طرقات وإعتصامات وإحتجاجات، ولاقت فاعليات شمالية المعترضين بالإستنكار بدورها عبر البيانات والتصاريح. ويُنذر هذا الواقع بإحتمال مواجهة بين المعترضين والقوى الأمنية التي تؤازر الشاحنات التي تنقل النفايات إلى تربل، خصوصاً بعد مواجهة بين أحد العناصر الأمنية وسيدة اتضح أنها شقيقته. فهل يرضخ المعترضون لقرار الدولة أو ترضخ السلطة للإعتراضات بصرف النظر عن خلفياتها ومحرّكيها الحقيقيين؟

بعد قرار تجميد العمل بمطمر النفايات في تربل والإشكال الذي حصل حول قطعة الأرض «المُقدّمة» من صاحب منتجع «الميرادور» احمد علم الدين، اتُفق على بدء العمل بهذا المطمر وبدأ نقل النفايات إليه بموافقة رئيس الحكومة سعد الحريري وبمؤازرة أمنية بتوجيه من وزيرة الداخلية والبلديات ريّا الحسن.

منذ ليل أمس الأوّل بدأ نقل النفايات من زغرتا، الأكثر تضرراً من أزمة النفايات بين الأقضية الشمالية الأربعة منذ أشهر، بعد إقفال مكب عدوه العشوائي وغير المُطابق للمعايير البيئية في الضنية. ومنذ بدء سير الشاحنات التي تنقل النفايات بدأت الإحتجاجات والإعتراضات وقطع الطرقات. كذلك تمّ «تطييف النفايات»، وعبّر البعض عن رفضهم نقل نفايات «المناطق المسيحية» إلى «المناطق الإسلامية».

موقف الحريري

لم يكن بدء العمل في مطمر تربل ممكناً من دون موافقة الحريري، وقد أشار محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا أمس، بعد ترؤسه اجتماعاً في سراي طرابلس، إلى «أننا تلقينا منذ ثلاثة أيام قراراً من وزيرة الداخلية بالسير في مطمر تربل، وأبلغنا الأمر الى قوى الامن الداخلي. ونحن كإدارة وبلديات واتحاد بلديات مستمرون في تنفيذ القرار حتى الآن، في انتظار أي تطور سياسي او حكومي».

وعلى الرغم من ذلك، برز أمس وقوف الأمين العام لـ«تيار المستقبل» أحمد الحريري إلى جانب المعترضين. وأكّد في بيان، «أننا لن نقبل أن يتحوّل جبل تربل إلى مطمر خبيث للنفايات على حساب ناسنا كباراً وصغاراً»، مشيراً الى أنّ «قضية جبل تربل هي قضية بيئية صحية بامتياز، لن نسمح بتسييسها أو تطييفها أو محاولة استغلالها لمزيدٍ من شعبوية البعض في مناطقهم على حساب الناس».

وقال، إنّ «أهل المنية أدرى بشعابها وجبالها، ولا كلمة تعلو فوق كلمتهم المحقة الرافضة لإقامة المطمر، وكلمتهم كلمتنا، ونحن وإيّاهم على كلمة سواء وصرخة واحدة في وجه كل المعنيين: لا لإقامة المطمر، لا اليوم ولا في أي يوم».

تطييف الإعتراض

كلام الحريري جاء بعد مطالبة المعترضين بأن يتولّى كلّ قضاء معالجة نفاياته، وبعد الحديث عن أنّ مطمر تربل سيُشكّل ضرراً على المياه الجوفية، على رغم تأكيد وزير البيئة فادي جريصاتي في مؤتمر صحافي عقده أمس، وضع عوازل تمنع تسرّب عصارة النفايات إلى باطن الأرض والمياه الجوفية.

وسأل: «هل أطنان النفايات في الشوارع أقل خطورة من موقع واحد مع طمر وموافقة من رئيس الحكومة لاجراء تكرير للعصارة؟ أين نساوم على صحة الناس؟ هناك من يقول قسّموا الأقضية، لا يمكن تقسيم لبنان الى حلول صغيرة لأنها لا تعيش، وقلنا إنّ معامل الفرز التي ننوي اقامتها يجب أن تكون كبيرة لـ200 و300 طن». وقال: «نتكلم اقتصاداً وأرقاماً وليس شعبوية، يجب إخراج النقاش من الشارع، وظهرت اليوم كذبة العيش المشترك من وراء النفايات.

إمّا تشكّل النفايات خطراً على المياه الجوفية أو لا؟ اذا نفايات الموارنة مع السنّة تشكل خطراً على المياه الجوفية، واذا قسّمناها لا يعود هناك خطر؟».

في المقابل، ترفض مصادر تيار «المستقبل» اعتبار أنّ إعتراض أهالي المنية – الضنية طائفي، وتقول لـ«الجمهورية»، إنّ «المسألة مناطقية، فكلّ منطقة ترفض نقل نفايات مناطق أخرى إليها، ويعتبر الأهالي أنّ على كلّ منطقة أو قضاء معالجة نفاياته».

وتعبّر عن تفهمها للإعتراضات، مستغربة «كيف ترفض مناطق أخرى معالجة النفايات ضمن مساحة أراضيها وتتهم الآخرين بالطائفية والمناطقية»، مشيرةً إلى «عدم وجود أي بحث علمي وجدّي يطمئن الناس أنّ معالجة النفايات ستتم من دون التسبب بضرر على المنطقة وسكانها».

وتلفت من خلال متابعة الإحتجاجات على الأرض إلى أنّ «الجو سيئ وسيؤدي إلى مزيد من الصدامات»، وترى أن «ليس من مصلحة الدولة إتخاذ حلّ يرفضه سكان المنطقة».

وفي إطار متابعته للتحرّكات يقول النائب عن المنية – الضنية عثمان علم الدين أنّ «الناس لا يثقون في الدولة، خصوصاً في موضوع النفايات، بعد أزمات النفايات التي عمّت البلد منذ سنوات وما زالت»، موضحاً أنّ الإعتراض هو على «نقل نفايات الأقضية الأربعة كلّها إلى تربل، وهناك مطالبة بتجزئة توزيع النفايات بين الأقضية وأن لا تصب كلّها في تربل، وذلك ضمن الشروط البيئية حسب التوجيهات الحاسمة للرئيس الحريري».

ويقول: «نحاول استيعاب نقمة الناس، كذلك نتفهّم أن لا حلّ بديلاً لمطمر تربل على رغم من أنّ هذه الخطوة غير شعبية». وأكّد «أننا لن نقبل بتصادم المعترضين مع القوى الأمنية، وسنكون مراقبين للعمل في المطمر إذا استمرّ لكي يكون مراعياً للشروط البيئية».

زغرتا تترقّب

هذا الإعتراض على طريق المنية – الضنية أمس، كان مُنتظراً في زغرتا، إلّا أنّ بروز حلّ لأزمة النفايات عبر مطمر تربل دفع «الحركة الاعتراضية على ملف النفايات في الشمال» إلى تأجيل التحرّك الذي كان مقرراً أمس، معلنةً عن «مواكبة جهود الدولة والسلطات المحلية لرفع النفايات وتبديد المخاوف والهواجس المشروعة من قبل المعترضين وصولاً إلى حل مستدام وصحي لهذه الأزمة».

وفي حين كان لرئيس «حركة الإستقلال» النائب ميشال معوض خلال هذا الأسبوع موقف بارز حول أزمة النفايات في الشمال، مشيراً إلى أنّ «كل الهجمات والمزايدات والتطييف لا علاقة لها بالحلول المطروحة ولا بالمياه الجوفية ولا بالطوائف، بل بأشخاص يسعون للسيطرة على معمل الفرز وتأجير الارض للدولة بصفقات مالية على حساب صحة أولادنا»، يفضّل عضو تكتل «لبنان القوي» الإكتفاء بما قاله وعدم التحدث قبل أن تُحلّ مشكلة النفايات، ليعقد بعدها مؤتمراً صحافياً يتناول فيه هذه المسألة.

من جهته، أكّد النائب طوني فرنجية في تغريدة، أنّ «حرصنا على صحة الناس وصوننا للبيئة والمياه الجوفية في سلم الأولويات ولا مكان للمزايدات في شمالنا، شمال العيش المشترك. وسنتابع التقنيات بدقة وفق أعلى المعايير الصحية والبيئية منعاً لخطر التلوث او السموم».

واعتبر وزير الاشغال يوسف فنيانوس أنّ «‏مهمة القادة والزعماء هو عمل صالح الناس وليس تنفيذ رغباتهم ، لا يجوز أمام أعتراض من هنا ومصلحة من هناك أن نترك نفايات 4 أقضية بين الناس وبيوتهم»، وأوضح أنّ «القوى الأمنية من جيش وقوى أمن داخلي لم تفعل سوى تأمين المؤازرة عند تطبيق قرار وزيري البيئة والداخلية».

«القوات» تدعم وزير البيئة

وفي حين أنّ زغرتا الأكثر تضرراً، إذ إنّ النفايات ملأت شوارعها، ما أدّى إلى بدء نقل النفايات إلى المطمر من زغرتا قبل الأقضية الأخرى، تنتظر بشري بدورها الحلّ، متمنية إستمرار العمل في مطمر تربل، فهي تعاني الأزمة إلا أنها تجمع نفاياتها على أرض محددة ولا تنتشر على الطرقات.

ويقول النائب جوزف إسحق لـ«الجمهورية»: «يبدو أنّ الأزمة على طريق الحل وعلى السلطة التنفيذية أن تحلّها وتطمئن الناس أن لا ضرر عليهم».

ويوضح أن «أهالي أقضية الضنية وزغرتا وبشري والكورة ليسوا هم من اختاروا مكان المطمر، بل إن الحكومة ووزارة البيئة تحديداً هي التي تختار المواقع المناسبة بعد إجراء الدراسات اللازمة ومنها دراسة الأثر البيئي»، رافضاً «منطق «مناطق مسيحية» وأخرى إسلامية».

ويؤكّد «أننا سنتابع العمل في مطمر تربل لطمأنة أهلنا بأنّ أيّ ضرر لن يقع عليهم»، معتبراً أنّ «أيّ مطمر هو أفضل بكثير من أن تبقى النفايات بين المنازل».

ويشير إلى «أننا نتواصل مع وزارة البيئة ونضع أملنا في وزير البيئة لأننا نعتبر أنه جدّي ويحاول إيجاد حلول، ونحن إلى جانبه للوصول إلى حلّ جيد موقت، وكذلك إلى حلّ مستدام وفق أجواء الإجتماع الذي سبق أن عُقد مع رئاسة الحكومة ووزارتي البيئة والتنمية الإدارية»، مركّزاً على أنّ «التنسيق والتواصل مستمران مع المعنيين جميعاً، إذ إنّ هذه المشكلة لا تطاول منطقة واحدة أو حزب واحد، بل تطاول الجميع في الأقضية الأربعة».

في حين تعاني الأقضية الشمالية الأربعة المشكلة نفسها، إلّا أنّ الأزمة بدأت تتحوّل مشكلة بين هذه الأقضية، ومهما تعدّدت الأسباب يبقى السبب الرئيسي: إستهتار المعنيين وتأخُّر المعالجات العلمية. وعلى وقع الإحتجاجات تنتظر أزمة النفايات في الشمال عودة الحريري من الولايات المتحدة الأميركية لقول كلمته الصريحة حول مطمر تربل. فيما يشير معنيون إلى أنّه سبق أن أعطى كلمته بالسير بالعمل، ويسألون: هل يتراجع أمام الإعتراضات؟