IMLebanon

المدمن على المخدرات مريض وليس مجرماً

كتبت ماريانا معضاد في “الجمهورية”:

ليست المخدرات الأمر الوحيد الذي يدمن عليه المرء، فالإدمان هو، وبشكل مبسّط، تعلّق واعتماد مبالغ به على مادة أو شخص أو أيّ شيء. ولكنّ الإدمان على المخدرات، ولا سيما الهيروين، هو الأخطر من حيث تداعياته السلبية على كل أوجه حياة المدمن. يهمّش مجتمعنا كل مَن علق في هذه الدوامة المرَضية، وقد يعتبره حتى «مجرماً» لا يستحق حياة صحية وطبيعية. ولكن ما أسباب الإدمان على المخدرات؟ وكيف يراه الأطباء؟ وكيف يمكن معالجة المدمن على المخدرات، وإعطاؤه فرصة أخرى في حياة لائقة يستحقها كل إنسان؟
ما هو الإدمان؟

الإدمان هو اضطراب، مرض نفسي وبيولوجي، لا يصيب أيّ إنسان، بل مَن لديه استعداد مسبق. في حديث لـ«الجمهورية»، شرحت الدكتورة هنا عازار حج شهين، بروفسورة في الجامعة اليسوعية وطبيبة في LAU Medical Center – Rizk Hospital، وطبيبة نفسية للأطفال والراشدين، أنَّ «ضحايا الإدمان هم مَن يملكون تركيبة نفسية مرضية، أي ما يُعرَف بالإنكليزية بـ«border line personality».

وأضافت: «المدمن ليس مدمناً على المخدرات فحسب، بل لديه استعداد بيولوجي ونفسي للإصابة بهذه الحالة المرَضية وهي التعلق بمادة أو شيء ما بحدّة (لعبة، أكل، ماديات، شخص ما…). تركبية شخصيته المرَضية هي إذاً اضطراب في الشخصية. لذا، لا يصبح كل مَن يجرّب المخدرات مدمناً، بل مَن لديه أساساً استعداد على الإدمان يقع ضحية تعاطي المخدرات».

خلفية التركيبة النفسية المرَضية

في بداية حياة الإنسان، يعتمد الرضيع على الآخَر في كل شيء، وهذا أمر طبيعي (dependance). ولكن يبدأ الإدمان بحسب د. عازار «عندما يستبدل المرء شخص «الأم» أو «المربية» بمادة يدمن عليها مع التقدم في العمر. وترتبط التركيبة النفسية المرضية بمرحلة تعلّق الطفل بأمه في البداية، حيث يكون قد تعرض للكثير من حالات فسخ الروابط العاطفية في العامين الأوَّلين من حياته. في الواقع، يبدأ الإدمان بشكله العاطفي، ثم تستبدل المادة (كحول، مخدرات، إلخ) الأشخاص.

وفي حالة الإدمان على المخدرات تحديداً، يدخل عامل إضافي إلى المعادلة. فالمخدرات (على أنواعها، الشديدة الإدمان بيولوجياً والمدمنة نفسياً) تسبّب للمدمن اضطرابات بيولوجية. حتى مَن يدخن السجائر بكثرة مدمن على السجائر بدلاً من المخدرات. إذاً يبدأ الإدمان نفسياً، ثم يتحوّل إلى بيولوجي بسبب المادة التي يصبح الجسم بحاجة إليها، فيعاني الفرد من عوارض عند عدم تناولها».

متلازمة الامتناع

شرحت د. عازار: «عند تعاطي المخدرات، يشعر المدمن براحة نفسية وجسدية. لذا، عندما لا يتناول المادة المدمن عليها، يشعر بالنقص والانزعاج. فسبب الإدمان الأساسي هو الشعور بالفراغ والإنزعاج. لذا في مركز إعادة التأهيل، يشعر المريض بالحاجة إلى المادة للشعور بالراحة. نعطي مثلاً على ذلك الهيروين، المادة الأكثر إدماناً، بيولوجياً ونفسياً. في حال عدم تناول هذه المادة، يعاني المدمن من رجفان وأوجاع قوية وتعرّق وغثيان وفقدان الشهية وطرقة في القلب، واضطرابات نفسية وعصبية، إلى حدّ قد يدفعه للسرقة أو حتى القتل من أجل الحصول على المخدرات».

العلاج

يشمل علاج الإدمان على المخدرات جانباً نفسياً وجانباً بيولوجياً. وأفادت د. هنا أنه «في حالة الإدمان على الهيروين، يوضع المريض في المستشفى لفترة أسبوع إلى 10 أيام، لإخراجه من حالة الإدمان الكيميائي. ونعطيه مواد تخفف من عوارض الامتناع عن الهيروين.

ثم يوضع في مركز إعادة تأهيل، كي لا يعود إلى الإدمان. ويترافق مع ذلك علاج اجتماعي ونفسي – تعليمي. فنفرض على المريض عزلة تامة عن المجتمع، ونعلمه كيف يجب أن يتصرف عند الشعور بالحاجة للتعاطي، كممارسة التمارين الرياضية، والروحية، والقيام بأعمال يدوية وغيرها من النشاطات».

علامات الإدمان

من علامات وجود استعداد مسبق لوقوع الفرد ضحية الإدمان على المخدرات، ذكرت د. عازار «الاضطرابات السلوكية والنفسية في فترة المراهقة، والتصرفات المبالغ بها وغير المعتدلة، مثل التعلق الشديد بالحبيب والرغبة في قضاء كل أوقاته معه بشكل مبالغ، فضلاً عن الاعتماد (dependence)، وهو دليل على التركيبة المرَضية في الشخصية والنفسية. وقد يصبّ الأمر في أذيّة النفس، وممارسة طقوس مشبوهة، واتّباع حمية غذائية مبالغ بها، والقيام بتصرفات غير طبيعية، والانعزال، والهروب من المنزل، والاضطرابات المزاجية، والحاجة الدائمة إلى الانتماء إلى مجموعة ما كي لا يشعر بالنقص العاطفي».

وسلطت عازار الضوء على «أهمية وعي الأهل في هذا المجال. فور ملاحظة هذه الدلائل على الولد أو المراهق، يجب استشارة أخصائي لتقييم حالته، لمباشرة العلاج فوراً، في حال حاجته إلى ذلك. نبدأ بالعلاج النفسي، وقد نحتاج إلى أدوية في بعض الحالات، كي لا يتعرض المراهق للإدمان لاحقاً. ففي حال لم ينتبه الأهل إلى الاضطرابات عند ولدهم، أو في حال استخفّوا بها لظنّهم أنّ كل مراهق يمرّ بهذه الظروف، يصبح الوضع خطيراً. فاضطرابات المراهقة الطبيعية لا تبلغ هذه الحدة».

الفارق بين المخدرات والمهدّئات الطبّية

في الآونة الأخيرة، دارت أخبار عن احتمال تشريع المخدرات في لبنان، لاستعمالات طبية بالطبع. فما الفرق بين تعاطي المخدرات، واستعمال المخدرات لغايات طبية؟

أوضحت د. هنا أنَّ «مادة المورفين نوع من الهيرويين، وهي مادة نستعملها كثيراً في الطب لتخفيف آلام المرضى عند الحاجة. والحشيشة مادة تُستَعمل أيضاً في مجال الطب لحاجات طبية. وما يبعد المريض عن مخاطر الإدمان عليها هو إعطاؤه كميات مدروسة علمياً، وعند انتهاء حاجته إلى المادة، نخفف الكمية تدريجاً، كي لا يدمن المريض على المادة، وكي لا يعاني من عوارض الامتناع».

ختاماً، اقترحت د. عازار بعض النصائح التي قد تفيد المراهقين في محيط المدرسة والإطار التعليمي فقالت: «برأيي الشخصي، يجب تزويد التلاميذ بمساحات استماع في المدارس، وبأطباء نفسيين مدرسيّين يستطيعون التكلّم معهم عن مصاعبهم أيّاً تكن. وعلينا تفادي السماح للعقاب والذنب بالسيطرة على معالجتنا لحالات الإدمان لدى المراهقين، بل علينا اعتماد الانفتاح والاستماع والتوعية، كي نساعد من جهة مَن هم عرضة للإدمان على مشاركة مصاعبهم والشعور بالأمان وليس بالوحدة، فقد نجنّبهم مشقة الوقوع ضحايا الإدمان. ومن جهة أخرى، نؤمّن لمَن وقع ضحية الإدمان مساحة تفهّم ودعم لا مشروطة».