IMLebanon

قوانين في أدراج الوزراء.. منذ 20 عامًا

كتبت صحيفة “الجمهورية”:

لا يترك رئيس لجنة متابعة تنفيذ القوانين النيابيّة النائب ياسين جابر أيَّ مناسبة إلّا ويرفع صوته فيها، مطالباً بتنفيذ القوانين غير المنفّذة التي أصدرها مجلس النوّاب على مدى سنوات طويلة. لكن بعد كل هذا الوقت، أيقن أن لا حياة لمَن تنادي، مشكِّكاً بإمكانية تحرّك الوزارات لإصدار المراسيم التطبيقيّة لبعض القوانين أو حتى متابعة تنفيذ أخرى صدرت بها المراسيم.

ويبدو تشاؤمُ جابر مفهوماً. إذ بدلاً من أن ينخفض عددُ هذه القوانين، فإنّ الرقم إلى ارتفاع دائم. وبدلاً من أن تجتمع اللجنة لمتابعة تنفيذ القوانين، صارت تجتمع لإجراء عمليّات تحديث على لائحة القوانين غير المنفّذة. هذا ما حصل في آذار الماضي، عندما أضافت اللجنة إلى لائحتها 7 قوانين جديدة غير منفّذة، لتكون الحصيلة النهائيّة اليوم 52 قانوناً. ولكنّ هذا الرقم مرشّح للإرتفاع بعد كلّ جلسة تشريعيّة، والتي كان آخرها أمس.

أكثر من ذلك، هناك قوانين ما زالت تنام في أدراج بعض الوزارات منذ أكثر من 19عاماً! صحيح أنّ إصرار بعض الوزراء على عدم إصدار المراسيم التطبيقيّة لبعض هذه القوانين سببه «التمنّع السياسي»، بحسب وصف جابر، ولكن تعاقُب الوزراء المنتمين إلى جهات سياسيّة مختلفة لم يحلّ هذه الأزمة.

والدليل الأكبر على ذلك، هو أنّ لوزارة الصحة حصّة الأسد في «تناسي» القوانين والتي يبلغ عددها 9، من بينها إثنان (أحدهما يتعلّق بحقوق الأشخاص المعوّقين وآخر يرمي إلى وضع نظام ضمان صحّي إختياري للمسنّين) تمّ إقرارُهما في مجلس النوّاب في العام 2000.

ولم تسعف عمليّة تعاقب الوزراء ومنهم إثنان من الكتلة النيابيّة نفسها التي ينتمي إليها جابر (محمّد جواد خليفة وعلي حسن خليل) بقيا على رأس الوزارة عشر سنوات متتالية من العام 2004 وحتى العام 2014.

ولذلك، لا يفرّق جابر بين وزير من فريقه السياسيّ وآخر من خصومه. إذ إنّ المشكلة هي في العقليّة والممارسة، والتي تكون نتيجتها عدم تطبيق القوانين، في مخالفة صريحة للدستور، وخصوصاً للمادتين 65 و66 منه، اللتين تحدّدان المهمات المنوطة بمجلس الوزراء مجتمعاً والوزراء كل على حدة من أجل تطبيق القوانين.

وإذا كانت وزارتا الصحّة والطاقة والمياه هما على رأس لائحة الوزارات في عدد القوانين غير المُنفّذة، إلّا أنّ المفارقة تكمن في بعض القوانين التي تُعنى بهيكلة قطاعات كاملة، ويطلق عليها جابر تسمية «القوانين التي تتعلّق بالإصلاح البنيوي بشكلٍ مباشر». ومنها قوانين: تنظيم قطاع الكهرباء، الإتصالات، إدارة قطاع الطيران المدني، السير، وحماية المستهلك…

ويعطي عضو كتلة «التنمية والتّحرير» مثالاً عن قطاع الكهرباء، الذي كان من المفترض تنظيمه بالقانون من خلال تقسيم القطاعات إلى ثلاثة: الإنتاج، النّقل والتوزيع، مع تشكيل هيئة ناظمة تكون مخصّصة لإعطاء التراخيص وتحديد الأسعار. وهذا أيضاً ما ينطبق على قوانين تنظيم الاتصالات والمياه والموارد النفطيّة..

كان يمكن هذه القوانين، لو طُبِّقت، بحسب ما يرى جابر، أن تُخفّف من الفساد وتُقفل بعض مزاريب الهدر، خصوصاً أنّنا في حال طوارئ اقتصاديّة لمنع ذهاب لبنان نحو الانهيار، «كما أنّنا أمام محاولة استعادة ثقة العالم بالقوانين والإصلاحات التي نُقرّها»، لافتاً إلى أنّ الوفود الأجنبيّة المعنيّة التي تأتي إلى لبنان تسأل بإلحاح عن الهيئات الناظمة، لنجيبها: لا يوجد!

لا ينكر جابر أنّ التّمادي في تجاهل تنفيذ هذه القوانين ناتج من «تمنُّع سياسي»، وتمسُّك بعض الوزراء بصلاحياتهم التي يمكن الهيئات النّاظمة أن «تأكلها» محوِّلةً الوزير المعني وزيراً وصيّاً، ما يحرم هؤلاء من إمكانيات الاستفادة والتوظيف وغيرها من مكامن القوّة، مستغرِباً كيف يمكن لبعض الوزراء القيام بما يُسمّى الإدارة التفصيلية أو الجزئية (Micromanagement) لوزاراتهم.

وعلى رغم من ذلك، يبدو جابر مُتعباً وخالي الوفاض، خصوصاً أنّه لا يملك أسلحةً تصل باللجنة التي يرأسها إلى مبتغاها. هو طَرَق كلّ الأبواب الرسميّة وجلس على مقاعد الاستقبال في القصر الجمهوري والسراي الحكومي. وعده الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري بمراسلة الوزراء والضغط عليهم لتطبيق هذه القوانين، ولكنّ النتيجة كانت واحدة: «لا عين ترى ولا قلب يوجع».