IMLebanon

المسيحيّون وسوريا… الزيارات لا تمحو “لعنات” التاريخ والجغرافيا

كتب ألان سركيس في صحيفة نداء الوطن:

سواء اتّفقْتَ معه سياسياً أو اختلفْت، فإن “التيار الوطني الحرّ” وحلفاءه يشكّلون أكبر تكتل مسيحي نيابي، وهذا الأمر يُرتّب مسؤوليات مضاعفة خصوصاً تجاه الخطّ التاريخي للمسيحيين والذي دُفع الدم الغالي للحفاظ عليه.

لا تزال البلاد تعيش تردّدات كلام وزير الخارجية والمغتربين في الجامعة العربية ودعوته إلى إعادة النظام السوري إليها، ومن ثمّ كلامه في ذكرى 13 تشرين عن نيّته الذهاب إلى دمشق لإعادة النازحين “كما عاد جيشها”. وعند طرح كل استحقاق من هذا النوع، أو الحديث عن زيارة رئيس حزب مسيحي إلى دمشق تُطرح جملة من الهواجس المسيحية، خصوصاً أن المصالحة الحقيقية بينهم وبين الشام لم تتمّ بعد.ويبقى كلام البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير راسخاً في الأذهان، فعندما سُئل هل ستزور سوريا، قال بوضوح: “لا أذهب إلى سوريا ورعيتي ليست معي”، وذهب صفير بعيداً في هذا الأمر، حيث غاب عن المشاركة في زيارة البابا القديس يوحنا بولس الثاني إلى سوريا العام 2001.

وبالتالي، لا يستطيع أي زعيم مسيحي زيارة الشام ويوهم الجميع بأن الشعب المسيحي معه، وعلى الرغم من أن مار مارون هو من سوريا، إلا أنّ الموارنة يُظهرون تعلّقاً بلبنان، حيث أن سوريا لا تزال تمثّل بالنسبة إليهم ذاك “البعبع” الجغرافي الذي يريد أن يبتلع لبنان بغضّ النظر عن الحاكم هناك.

ولا يُعتبر الشعور المسيحي وليد اليوم، بل بدأ منذ ولادة لبنان الكبير حيث طالب عدد من أبنائه بالإنضمام إلى حكم الملك فيصل في دمشق، ومن ثمّ أتى مؤتمر الساحل العام 1934، وترافق كل ذلك مع إعلان الوحدة بين سوريا ومصر بعد 24 سنة تحت قيادة الرئيس جمال عبد الناصر، فالتفّ المسيحيون حول الرئيس كميل شمعون في وجه الثورة المدمّرة التي هبّت رياحها من سوريا مهددةً البلد الطريّ العود. ولم يكن الدخول السوري إلى لبنان تحت لواء قوات الردع العربية مرحّباً به كثيراً، إذ سرعان ما اشتعلت حرب المئة يوم في الأشرفية العام 1978 وانقسمت البلاد بين شرقية محرّرة من الوجود السوري، واحتلال يسرح ويمرح في كل أرجاء البلاد، إلى أن أتى 13 تشرين 1990 وسقطت الشرقية في يد الإحتلال وانقضّ الجيش السوري على الجيش اللبناني مرتكباً أفظع الجرائم في ذاك الحين.

زيارة قبل الاعتذارلكن المفارقة، أن يعلن باسيل في هذه الذكرى الأليمة نيّته التواصل مع من كان يحتلّ بلاده من دون الحصول على ضمانات لتحقيق الأهداف المرسومة لها، ومن دون أن يصدر إعتذار رسمي من النظام عما ارتكبه في ذلك اليوم المشؤوم.ويبقى الجرح المسيحي والوطني نازفاً من جرّاء الإرتكابات السورية، ومن أبرز تلك الجروح ملف الأسرى والمخفيين قسراً في سجون النظام السوري، حيث يرى البعض أن النظام السوري منح “التيار العوني” كل شيء، لدرجة أن الرئيس بشار الأسد عطّل وصول صديقه رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية إلى سدّة الرئاسة كرمى لعيون عون، فهل يصعب عليه كشف مصير المعتقلين، وتقديمه هدية دسمة لحليفه المسيحي؟وليس جديداً أن يزور رئيس “التيار الوطني الحرّ” سوريا، ففي العام 2008 قصد العماد ميشال عون الشام والتقى الرئيس بشار الأسد والقيادات هناك في زيارة مصالحة لم تنل رضى كل الشعب المسيحي، ودفع ثمنها في الإنتخابات النيابية العام 2009، حيث انخفضت نسبة الأصوات المسيحية التي حصدها من نحو 70 في المئة في إنتخابات 2005 إلى أقل من 50 في المئة في إنتخابات 2009.

وأمام كل هذه الوقائع، لا يوجد أي مسيحي أو لبناني يعارض إعادة النازحين إلى بلادهم، لكن الأساس يبقى بالنتيجة وليس بالخطابات الرنانة، فالمسيحي دفع الثمن الأكبر من الإحتلال السوري للبنان، وعانى الإضطهاد بعد العام 1990، في حين أن غالبية المكوّنات كانت مرتمية في الحضن السوري، وأي خطوة ناقصة سيدفع المسيحي ثمناً باهظاً لها وسط العزلة الدولية المفروضة على النظام السوري.ومهما حاول الوزير باسيل إقناع المسيحيين بخطواته، إلاّ أن “النقزة” المسيحية لا تزال موجودة تجاه النظام السوري، فلا الجمهور المؤيد لـ”القوات” وأحزاب اليمين تبدّدت هواجسه تجاه هذا النظام على رغم اندلاع الثورة، ولا الجمهور البرتقالي نسي ما ارتكبه الجيش السوري في لبنان على رغم كل التحالفات المصلحية التي نشأت بين قيادته وأركان النظام، وبالتالي فإن شعوراً عمره عشرات السنوات لا يمكن أن يُنسى بزيارات مهما كانت الغاية منها.

يذهب باسيل إلى دمشق والشعب المسيحي ليس معه، خصوصاً وأن تلك الزيارة لن تُعيد الأسرى والمعتقلين من السجون السورية، ولن توقف أطماع سوريا في لبنان، ولن تدفع سوريا إلى ترسيم الحدود مع لبنان، وسط تشكيك بنجاحها في إعادة النازحين السوريين الذين يتمّ استعمالهم كورقة ضغط على لبنان بدل العمل على عودتهم اليوم قبل الغد.