IMLebanon

هذه هي الأيام المجيدة (بقلم رولا حداد)

ما يحصل في ساحات لبنان وشوارعه يفوق الخيال. لطالما كان اللبنانيون يشككون بأنفسهم وبقدرتهم على التغيير. لطالما ظنّوا أن قدرهم أن يبقوا مرتهنين لمجموعات أدمنت على نهب البلد وتقاسم خيراته على طريقة “أكلة الجبنة”.

لكن ما حصل اعتباراً من 17 تشرين الأول 2019 أن اللبنانيين تفوقوا على أنفسهم، وتغلّبوا على انتماءات السياسية والحزبية والطائفية والمذهبية.

ما حصل في الساحات اللبنانية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب مروراً بصور المنتفضة بوجه التحديات والنبطية البطلة، وبيروت عروس الحريات البهية المشرقة دائماً وأبداً، وطرابلس الأبية إلى كل المدن والمناطق اللبنانية من دون استثناء.

إنه لبنان الحلم الذي تحدّى فيه الشيعة الثنائية الحزبية التي حكمتهم بيد من حديد ونار وتكليف شرعي لأكثر من 3 عقود وسمّوا قيادات هذا الثنائي بين الفاسدين من دون تردد، لبنان الذي تحدى فيه السُنّة كل زعاماتهم من دون استثناء في طرابلس وبيروت وصيدا ولم يأبهوا لعناوين صلاحيات باتت لا قيمة لها في ظل حكم “المرشد الأعلى”، لبنان الذي تجرّأ المسيحيون فيه على المطالبة للمرة الأولى بإسقاط العهد الذي أعلنه السيد حسن نصرالله خطاً أحمر، لبنان الذي تخطى فيه الموحدون الدروز زعاماتهم التقليدية وتخاذل وليد جنبلاط وسبقوه للانضمام إلى جميع المواطنين من دون حسابات مذهبية وأقلوية!

المشكلة أن السياسيين لم يقرأوا بعد ما يحصل في الشارع، أو لا يريدون الاعتراف به. يستمرون بالتصرف كالنعامة، ولكن لا يمكن أن تستمر الأمور على ما هي عليه في ظل اندلاع الثورة.

هؤلاء السياسيون لم يدركوا بعد أن الشارع سبق الإصلاحات، وأن أي قرارات لم تعد تنفع لأنها تأخرت كثيراً ولم يعد من ثقة بهم نهائيا، لا بل إن الورقة التي أعدوها، على هشاشتها، تدينهم لأنها توجب محاسبتهم بسبب عدم إقدامهم على فعل أي شيء خلال الأعوام الماضية.

صحيح أن الوضع الاقتصادي كارثي، لكن للتذكير فإن الكارثة وقعت قبل الثورة، لا بل إن الكارثة الاقتصادية أشعلت نار الثورة. كارثة فقدان الدولار وارتفاع سعره، وكوارث أزمات البنزين والخبز وغيرها. وبالتالي لم يعد للبنانيين ما يخسرونه، ولم يعد من خيار أمامهم غير البقاء في الشوارع والساحات!

ولكن ثمة واقع يجب أن يتنبّه الجميع إليه، وخصوصاً الثوار في الشارع: حذارِ الإنزلاق إلى حيث يسعى البعض إلى أخذ الثورة. عظمة هذه الثورة تكمن في وحدة اللبنانيين وفي سلميتها. ممنوع الإنزلاق إلى المحظور مهما كان الثمن لأنها ستكون نهاية لبنان لا سمح الله. وعليهم أن يتنبّهوا من كل محاولات الاختراق من أكثر من جهة لمحاولة حرف الثورة عن أهدافها.

المطلوب وبكل وضوح الحفاظ على الحد الأدنى من المؤسسات والشرعية لتأمين انتقال هادئ للسلطة وتفادي كل السيناريوهات المرعبة الأخرى.

المطلوب أن يبقى الجيش اللبناني ممسكاً بزمام الأمن بقبضة حديد، فيقمع أي محاولة للشغب كما أي محاولة تحرّك ميليشيوية في وجه المتظاهرين المسالمين.

والمطلوب أولاً وأخيراً من جميع اللبنانيين أن يحفظوا جيداً أن لبنان وطنهم ويجب أن يحافظوا عليه لا أن يسمحوا بتدميره، لأنه يجب أن يبقى لأولادهم وأحفادهم.

تحية إلى الذين صنعوا هذه الأيام المجيدة بحق، لأن أيام هذه الثورة وحدها من تستحق لقب “المجيدة”!