IMLebanon

من المسؤول عن الانهيار؟

كتب جوزف طوق في “الجمهورية”:

 

هل من المعقول أن يكون الحراك الشعبي أو الانتفاضة أو الثورة على مَقاس حسابات بعض السياسيين؟ هل من المعقول أن ينتفض الشعب ومن ثم يهدأ عندما يريد السياسيون؟ هل من المعقول أن يثور الشعب على الظلم اللاحق به على كلّ المستويات ومن ثمّ يعود إلى منزله عندما ينزعج السياسيون؟

لا أحد في لبنان يريد انهيار البلد، ولا أحد يريد الفراغ الذي يمكن أن يؤدي إلى دم وخراب، وبالتحديد الشعب اللبناني الذي لم يعد يملك القدرة على تحمّل الحروب والدموع والتوابيت البيضاء… ولكن لا بدّ للسياسيين أن يأخذوا هذا الشعب على قَدّ عقله، فهو بالطبع لا يفهم بالحسابات الإقليمية والدولية، وجُلّ ما يريده هو قليل من الكرامة ليمضي بها بعض السنوات المتبقيّة له في هذا الوطن.

وإذا كان القادة في هذا البلد متأكّدين من أنّ هذه الانتفاضة السلمية التي لا ترفع سوى العلم اللبناني ستؤدي إلى خراب البلد إذا لم تتوقّف الآن، فمن الطبيعي أن يبادر العقلاء في موقع المسؤولية إلى حماية البلد وشعبه من العواقب المريرة التي يتخوّفون منها.

الشعب المندفع إلى حريّته لا يمكن أن يتحمّل بأي منطق مسؤولية الانهيار الاقتصادي والمالي في البلد، فهؤلاء إن كانوا يتظاهرون فمن أجل رغيف نظيف، من أجل مدير نزيه، من أجل مسؤول مسؤول، ومن أجل حكومة حكيمة.

هؤلاء إن كانوا يتظاهرون فليس من أجل حزب أو سفارة أو دولة خارجية كما تزعمون، بل لأنهم لم يعودوا يثقون بالطبقة السياسية، ولا بقراراتها المَمجوجة فساداً واستهتاراً على مدى أكثر من 30 عاماً.

هؤلاء إن كانوا يتظاهرون، فأكيد ليس من أجل دمار البلد الذي فَدوه بصحتهم وتعبهم وعمرهم، والذي تحمّلوا تلوّثه ونفاياته وقلّة خدماته، وليس من أجل انهيار وطن وهبوه دمهم وروحهم… يتظاهرون من أجل حسابات منازلهم التي أصبحت تفوق قدرتهم الشرائية، ومن أجل فواتيرهم التي تكسر ظهر ربّ العائلة ولو كان يعمل فوق طاقته… يتظاهرون من أجل سرير في مستشفى، من أجل ثمن دواء في الضمان، من أجل هواء نقي وبحر نظيف، من أجل طرقات وبنى تحتية، من أجل فاتورة كهرباء وفاتورة مياه واحدة، من أجل تعليم رسمي يضاهي الخاص، من أجل أمن واستقرار، من أجل سياحة وزراعة وصناعة ومهن تملأ معداتهم الخاوية، من أجل مسؤول يثقون به وبقراراته، ومن أجل نائب يحبّهم أكثر مما يحبّ كرسيه.

لا شكّ في أنّ الناس نزلت بشكل عفوي بعدما شبعت وعوداً كاذبة من الحكومة، وبعدما اختنقت من الضرائب ومن الهدر والاستهتار، وبعدما طفح كيلها من الوساطات وتقبيل الأيادي للحصول على خدمات مفروض أن لا تكون كلفتها من كرامتهم.

ولا شكّ أيضاً في أنّ الكثير من الأحزاب المتهاوية والأطراف السياسية المخطئة في حساباتها تريد امتطاء جواد الانتفاضة لأخذ نَفس سياسي يمكن أن يخلّصها من الغرق الأبدي… ولا جدال في أنّ سفارات وأجهزة مخابرات ودول إقليمية وأجنبية تريد الاستفادة من النزوح اللبناني إلى الساحات لتنفيذ أجندات عالقة، أو تسهيل مخطّطات تخدم مصالحها… كل ذلك ممكن ووارد، ومن الممكن أنهم بدأوا تنفيذه على الأرض، لكن ما دَخل الناس الغاضبة والجائعة بكل ذلك؟ ما دخل الأمهات والفتيات والآباء والأولاد والمحرومين والمحتاجين بكلّ ذلك؟ وكيف يمكنهم مجابهته أو تفاديه؟

إذا كانت الدولة عارِفة بكل هذه التفاصيل ولم تتحرّك، فهي بالتأكيد مقصّرة في حماية شعبها من المؤامرات والمخططات التهديمية. إذا كانت الدولة عارفة ولم تتحرّك لإرضاء الشعب والإجابة عن مخاوفه، فهي تتحمّل مسؤولية الانهيار أو الفراغ أو لا سمح الله الحرب الأهلية؟

إذا كانت الدولة اليوم ترى أنّ تسكير الطرقات وشَلّ البلد سيؤديان إلى انهيار البلد، فهي التي تملك القدرة على فتح هذه الطرقات، ليس بقوة الجيش ولا بقوة الجرّافات… بل بقوّة إزاحة الفاسدين ومحاسبة المقصّرين، ومعاقبة الزعران… هي القادرة على فتح الطرقات بقوّة القرارات الجريئة والخطوات الجديّة التي ترضي الشعب الغاضب وتعيده إلى منزله مطمئناً إلى مستقبله.

حرام عليكم أن تحمّلوا الشعب مسؤولية تعبه وجوعه… عيب عليكم أن تحمّلوا الناس مسؤولية جشعكم وفسادكم… إستحوا من مواصلة أكل لحم الدولة ورمي عظام المديونية والتبعية والقهر للشعب.

ساعة تقولون: هناك تمويل خارجي، وساعة تقولون: مؤامرة… والناس الغافلة عن معلوماتكم السريّة تتظاهر من لحم أكتافها، ومن خير منازلها، ومن رزق أولادها.

الناس لا تريد رشوة، ولا تريد المشاركة في مؤامرة… الناس تريد وطناً وليس مزارع تتناهَش الوطن… اكشفوا الأحزاب المُخرّبة لنحاربها عنكم ونحفط انتفاضتنا، إفضحوا المُتموّلين بالأسماء حتى نقاطعهم، قولوا لنا من هي أجهزة المخابرات والسفارات حتى نعتصم ضدها ونقفل أبوابها ونرحّلها… سمّوا الفاسدين بأسمائهم حتى نحاكمهم.

إفتحوا الطرقات ليس بعودة الناس إلى منازلها، إفتحوا الطرقات بفتح عقليتكم على التغيير وسياساتكم على المشاركة… أو تحمّلوا المسؤولية منفردين. هل من المعقول أن تحمّلوا الشعب مسؤولية اقتصاد بلد واستقراره المالي وهو لا يستطيع سداد فاتورة أول الشهر؟!