IMLebanon

“كلّن يعني كلّن” ولكن…

كتب جورج حايك في صحيفة “الجمهورية”:

لا شيء يستفزّ الطبقة السياسية الحاكمة أكثر من شعار «كلّن يعني كلّن»، فهو شعار الانتفاضة بامتياز، شعار صدر من معاناة شعب أتعبه فساد هذه الأحزاب والتيارات السياسية التي استرسلت في المحاصصة وتقاسم قالب الجبنة، كما يعبّر المحتجون. لكن في المقابل، لا يقبل جميع السياسيين هذا الشعار ويعتبرونه ظالماً، بل يعمّم الفساد بصورة عشوائية، ويُبطل كلّ مفاعيل المحاسبة الحقيقية، ويشجّع الفاسدين على الاستمرار في فسادهم.

لا يميّز المتظاهرون بين سياسي وآخر. هم يصرخون بأعلى أصواتهم «كلّن يعني كلّن» ويقصدون بذلك سياسيّي الأحزاب والتيارات السياسية المعروفين والممثلين في الحكومة والمجلس النيابي.

هؤلاء السياسيون يحاولون التبرؤ من حالة الفساد، ولعلّ بعضهم لم ينخرط في منظومة الفساد، إلا أنّ مفهوم الانتفاضة يجرف الصالحين والفاسدين في آن واحد، ولا يميّز بينهم. والمطلوب من الجميع الاستقالة. كانت «القوات اللبنانية» السبّاقة في تلبية هذه الصرخة، إلّا أنّ ذلك لم ينقذها من اتهامات البعض وإن بخلفيّة سياسية انتقامية.

لم يستطع أحد النجاة من شعار «كلّن يعني كلّن» وأكملوها بـ»زعيمك واحد منن»، فيزداد غضب أنصار هذا الزعيم ويستمرّ الجدل والنقاش وأحياناً الاعتداء العنفي.

مطلقو هذا الشعار يعتبرون انّ «كلّن» تعني جميع المسؤولين الذين اثبتوا عدم كفاءتهم في تحمّل المسؤولية. فالانهيار الاقتصادي والمعيشي لم يبلغ هذا الحدّ لولا فشل هذه الطبقة السياسية المسؤولة عن الوضع. تفتّحت عيون الناس في لحظة انتفاضة، بعدما فقدوا الثقة بكلّ المسؤولين وبكلّ ورقة إصلاحية تقدّمت بها هذه السلطة، هم يطمحون إلى وجوه أخرى «تكنوقراط» تتمتع بكلّ مواصفات النزاهة والشفافية، ولا تنتمي إلى تلك الطبقة التي أهدرت الأموال العامة دون حسيب أو رقيب.

لكنّ الأحزاب والتيارات السياسية التي شاركت في السلطة لها رأيها في هذا الشعار الهجومي الانتقادي الشامل، ويتفاوت مستوى رفضها وقبولها له.

مصادر «التيّار الوطنيّ الحرّ» لا تعتبر أنّ هذا الشعار يطالها لأسباب عدّة أهمها أنّ «التيّار» محصّن ويُدرك طبيعة الحملات المحضّرة والمبرمجة، وتشير إلى عتبها على بعض الجماهير لأنّها تعرف اسلوب حياة وزراء «التيّار» ونوابه وحال بيوتهم، «فالسارق أو مستغلّ المال العام يظهر عليه بسرعة. لا شيء مخفياً وهناك قانون رفع السرية المصرفية سيكشف عن كلّ شيء. لذلك نعتب على الناس الذين يصدقون الشائعات».

وتضيف: «هذا التعميم خطأ وعندما يقولون «كلّن يعني كلّن»، وليس لديهم بدائل لا يمكنهم ان يحكموا علينا، وهذا ما يطرح علامات استفهام حول الشعار المتداول بين بعض الناس».

وتعتبر مصادر تيار «المستقبل» أنّ هذا الشعار يضعف الثورة، وخطورته انّ كلّ شخص يريد ممارسة الشأن العام صار يتردد من الآن فصاعداً على الانخراط فيه، لأنّ الناس سيشتمونه فيذهب «الصالح» بسبب «الطالح».

أما أوساط «حزب الله» فتؤكد أنّها تؤيد توصيف كل شخص فاسد حقيقي لكن من دون أن يكون هناك تعميم، «لأن التعميم يقود إلى تجهيل الفاعل. يجب أن تكون لدينا الجرأة في تسمية الفاسدين مع إبراز الأدلة».

وتلفت أوساط «الحزب» إلى أنّّه «كان من السبّاقين بفتح ملفات الفساد من خلال القضاء ولجنة التحقيق النيابية».

وتبدو مصادر الحزب التقدمي الاشتراكي أكثر تفهّماً لهذا الشعار ولا تنكر تورّط كلّ الطبقة السياسية بالفساد، وتقول: «نحن لا نعتبر أنفسنا حزباً فاسداً في السلطة، لكنّ الحراك لا يستثني احداً وهذا من حقه. نحن معنيون بأن نقدّم رؤية أو أداءً أو طرحاً متجدّداً في المرحلة المقبلة لنعيد الثقة بالقوى السياسية إلى الناس، ونعتبر أنّ الحراك شكّل حافزاً لنا بالذات لطرح رؤيتنا الإصلاحية بثبات أكبر».

لا تقبل مصادر حركة «أمل» التعميم في شعار «كلّن يعني كلّن»، «لأنه يشجع على عدم المحاسبة الحقيقية، لكننا نعترف بأنّ الفساد ينخر كلّ مفاصل الدولة وكلّ أجهزتها وإداراتها، لكن من غير المنطقي أن تكون كلّ السلطة فاسدة، وهذا التعميم يخدم الفاسدين، وربما يرفع المحتجون هذا الشعار من باب عاطفي انفعالي وشعبوي، لكنهم غير موفقين فيه».

وترى مصادر «أمل» أنّ المرتكب قد لا يتأثر بالشعار انّما الشريف والنزيه لا بدّ من أن تصدر عنه ردّة فعل، لأنّ هذا الشعار يجرحه. نحن مع رفع السرية المصرفية، بل مع نشر حسابات كلّ من يتعاطى الشأن العام على شاشات عملاقة في الطرق العامة، ونحن مع كلّ قانون يعزّز المساواة والمحاسبة».

وأخيراً تتفهم مصادر «القوات اللبنانية» نقمة الناس وأوجاعهم وغضبهم لما آلت اليه الأوضاع في الأعوام الأخيرة وصولاً إلى الانهيار، وهي تدرك أنّ الشعب لا يريد في لحظة غضب وجوع وكرامة أن يميّز بين طرف وآخر.

وترحّب «القوات» بالثورة التي أعادت توحيد الجسم اللبناني بعدما راهن البعض على بقائه مقطّعاً ومفكّك الأوصال، وتؤكّد انّ معظم القوى السياسية في لبنان تطرح الشعارات الكبرى وتدّعي الإصلاح والتغيير، لكنّها لا تمارس إلّا الفساد، بل تريد المحافظة على منظومة الفساد في الواقع السياسي اللبناني.

وتوضح مصادرها «أمّا نحن فقد تلمّسنا باكراً انّ المعركة ضدّ الفساد هي معركة كلّ مواطن في لبنان، واستشرفنا باكراً هذه المعركة، وكنّا رأس حربة في مواجهة الفساد ومكافحته في وزاراتنا والمجلس النيابي، لذلك لا نشعر انّنا مستهدفون بهذا الشعار، ونتفهّم كلّ هذا الواقع، وعملنا ولا نزال نعمل منذ وقت طويل على بناء الدولة في لبنان».