IMLebanon

“الحزب” القوي عسكريًا مكبّل اليديَن بعد الانتفاضة

كتب جورج حايك في صحيفة الجمهورية:

يشعر كثيرون من اللبنانيين بالتغييرات التي طرأت على “حزب الله”، التنظيم الحديدي والمسلّح الوحيد في لبنان. واللافت انّ الحزب مرّ في ثلاث مراحل: الأولى قتال اسرائيل، الثانية المشاركة في حرب سوريا واليمن والعراق والثالثة الانغماس في وحول السياسة اللبنانية.

ترى شخصية شيعية مستقلة أنّ «الحزب» بعد الانتفاضة الشعبية لن يكون كما قبلها نظراً لاعتبارات عدة:

أولاً، صُدِمَ «الحزب» بنقمة شعبية من داخل بيئته وأنصاره الذين تجمعهم مع بقية اللبنانيين هواجس الفساد في الدولة اللبنانية والنقص في الخدمات.

ثانياً، برزت في الانتفاضة احتجاجات ضخمة ضد النظام السياسي القائم، الذي صار «حزب الله» يؤدي فيه دوراً مؤثراً، بل يشكّل غطاء له إن لم يكن حامياً لمنظومة الفساد من خلال تمسّكه بحكومة يشارك فيها سياسيون ينتمون إلى أحزاب السلطة المشبوهة بتورّطها بالفساد.

ثالثاً، يبدو «حزب الله» بعد الانتفاضة، ونتيجة العقوبات الأميركية عليه وعلى حاضنته ايران، مأزوماً من الناحيتين الاقتصادية والمالية ما أدّى إلى نقص في المساعدات والخدمات الاجتماعية والصحية التي يقدّمها لأنصاره من أبناء الطائفة الشيعيّة، والأجر الشهري الذي لا يتجاوز 600 دولار لكل عنصر مقاتل لم يعد كافياً، فيما يرى مقاتلوه بعض القادة والمسؤولين في الحزب يقودون السيارات الفخمة ويتمتعون بالثراء، ما يشكّل عاملاً استفزازياً لشريحة كبيرة من المحازبين الذين يضعون حياتهم على كف عفريت في معارك جهادية في سوريا والعراق واليمن.

وتُعدد الشخصية الشيعية المستقلة مظاهر الضعف التي كشفتها الانتفاضة لدى «حزب الله»، وأهمها:

الأولى، إطلالات مكثّفة للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، وقد تجاوزت الأربع خلال شهر واحد في محاولات لتهدئة المنتفضين حيناً وتهديدهم أحياناً أخرى، وقد ظهر خلفه العلم اللبناني، وهذا ما يعتبر تغييراً كبيراً في أدبيات «الحزب» الذي اعتاد استعراض رايته وشعائره الجهادية والدينيّة.

الثانية، لا يختلف اثنان على انّ مشروع «الحزب» الحقيقي كان ولا يزال هو الدولة الاسلامية، وكل أدائه الاستراتيجي يهدف إلى التقدم خطوات نحو دولة من هذا النوع، إلّا انّ التظاهرات في مختلف المناطق اللبنانية طالبت بالدولة المدنية، وها هو «الحزب» يتنازل ويقبل بحكومة يشارك فيها ممثلون عن هذه الانتفاضة يرفعون شعار الدولة المدنية عكس أهدافه.

الثالثة، يشعر أبناء الطائفة الشيعية بأنّ «الحزب» الذي كان يُمقت السياسة الداخلية والمشاركة في الحكومات بين عامي 1990 و2005 صار لاهثاً وراء الحقائب والمشاركة في الحكومات، منغمساً بالمحاصصة الطائفية بين المسيحيين والمسلمين، ولم يعد هناك فرق بينه وبين الأحزاب الأخرى، بل يُجري الاتفاقات خلف الأبواب المغلقة مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الذي تصاعدت النقمة الشعبية عليه في الآونة الأخيرة، وبات «الحزب» القوي بحاجة إلى غطاء سعد الحريري مؤيداً لتولّيه رئاسة الحكومة أو من ينوب عنه كالنائب السابق محمد الصفدي، لأنه لا يستطيع الذهاب إلى حكومة أكثرية تعجّل الانهيار، وهذه الوضعية تجعل «الحزب» في موقع الضعيف للمحافظة على تركيبة سياسية تحميه من استفراد أميركي أو خليجيّ، أي أنه أصبح بحاجة إلى حماية الآخرين، وإن كانوا خصوماً له من حيث العقيدة.

الرابعة، يبدو «الحزب» القوي عسكرياً مكبّل اليدين، ورغم بعض «الطحشات» لأنصاره على المتظاهرين في ساحة الشهداء وغيرها، لم يستطع التعامل بالقوة مع انتفاضة اتهم الأميركيين بدعمها وتحريكها. لذلك نراه يقف مذهولاً أمام تحرر بيئته وأكثرية اللبنانيين من عقدة الخوف، وصار مقتنعاً أنه في مواجهة انتفاضة حقيقية لا يستطيع الاقدام على قمعها بقوته العسكرية خوفاً من جرّ البلد إلى حرب أهلية لن تكون لمصلحته، إذ سيفقد صفة «المقاومة» نهائياً من جهة، ولا يستطيع البقاء مستسلماً وراضخاً لهذه الانتفاضة، من جهة أخرى.

هكذا تخلص الشخصية الشيعية المستقلة إلى الاستنتاج بأنّ الحزب الذي نجح في المعارك العسكرية على الحدود وفي الخارج ليس بارعاً في إدارة الأزمة السياسية والاقتصادية الداخلية، بل كشفت الانتفاضة ضعف هذه التركيبة السياسية والنموذج التوافقي الهَشّ فيها، و«حزب الله» جعل نفسه إرادياً عضواً فيها وينطبق عليه ما ينطبق على كل الطبقة السياسية «المتحاصِصة»، ومن الصعب عليه أن يواجه هذا «التسونامي» الرافض للنظام القائم بينما هو يسعى إلى الحفاظ عليه في الوقت الحاضر.