IMLebanon

الوصفة “الإصلاحية” لشراء الدواء: مناقصة واحدة سنوياً

كتبت ماريا منصور في “الجمهورية”:

حاولت الحكومة من خلال الورقة الاصلاحية التي قدّمتها قبل استقالتها تهدئة غضب الشعب الثائر على «مرض» الفساد الذي تفشّى في الادارات العامة وهدّد حياة اللبنانيين. ولكن، من أين استوحت الحكومة تلك الوعود التي طاولت ملف الدواء؟ وهل يمكن ترجمة مثل هذه الوعود على أرض الواقع؟

قطاع الدواء في لبنان علاج للمافيات وداء للمواطن. الفساد في هذا القطاع مرض مزمن على صحة اللبنانيين وجيوبهم. وليس مستغرباً أن يرد ملف الادوية في الورقة التي طرحتها الحكومة لتهدئة الشعب. ففي بندها الحادي عشر، الداعي الى توحيد شراء الادوية، أمسكت الحكومة الشعب من اليد التي توجعه، صحته، أغلى ما يملك.

نصّ البند الحادي عشر المرتبط بتوحيد الادوية على: «تكليف لجنة التنسيق للجهات الضامنة الرسمية إعداد تصور لإجراء مناقصة موحّدة لشراء الادوية للادارات والمؤسسات والاجهزة العسكرية والامنية وتعاونية موظفي الدولة وصندوق الضمان الاجتماعي ورفع توصياتها الى مجلس الوزراء خلال مهلة شهرين من تاريخه، مع اعطاء الاولوية للأدوية المُصنّعة محلياً والجينيريك اذا كان السعر أرخص».

تتألف لجنة التنسيق هذه من وزارة الصحة، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، تعاونية موظفي الدولة، الطبابة العسكرية في الجيش وقوى الامن والامن العام وأمن الدولة. وصدر مرسوم تأسيسها عام 2007 ولكن العمل بها بقي معلقاً الى أن عقدت اول اجتماع لها هذه السنة.

ومن أهدافها «اعتماد مركزية موحّدة لتأمين مشتريات الصناديق العامة ومؤسساتها من الادوية واللوازم الطبية»، و«اعتماد سياسة دوائية واضحة ومحددة وموحّدة بين الصناديق في مجالات الاستشفاء وخارجه».

الجهات الضامنة في لبنان نوعان: واحدة تملك مراكز استشفائية وصيدليات خاصة بها كالجيش، وثانية لا تملك مستشفيات وانما تقدّم تعويضات عن تكلفة الاستشفاء للمنتسبين، كالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وذلك بمساهمة من الدولة.

وتختلف التقديمات ونسبة التعويضات بين الصناديق الضامنة التي تشكّل مساهمة الدولة الجزء الاكبر من وارداتها. هذه المساهمة مكلفة جداً بالنسبة للدولة ولكي تخفض حصّة هذا القطاع من ميزانيتها طرحت مسألة التوحيد، وهذا الطرح ليس جديداً ولكنه تعطّل كالمعتاد.

وهناك من انتقد فكرة توحيد الصناديق واعتبرها نسجاً من الخيال نظراً للتعقيدات والاختلافات بين الصناديق الضامنة. لنعتبر ان الامر واقعي في الوضع الحالي، ماذا عن توحيد شراء الادوية ؟

من خلال المناقصة الموحّدة، يمكن للدولة ان تحصر نفقاتها وان تحصل على السعر الافضل، مستفيدة من الحسومات على الكميات الكبيرة. واذا أُعطيت الادوية المصنّعة محلياً والجينيريك الاولوية، تنخفض كلفة الدواء على الدولة ويتمّ دعم صناعة الادوية في لبنان. هذه الصناعة التي تفتقر الى المختبرات ومراكز الابحاث المتطورة والتي تعاني من منافسة الادوية المستوردة.

لا شك في أنّ تعزيز صناعة الأدوية من خلال زيادة الطلب على انتاجها مفيد، فهو من ناحية يوفّر على المواطن كلفة العلاج، ومن ناحية اخرى ينشّط قطاعاً اقتصادياً لا ينقصه سوى الدعم. ولكن، في ظل الهشاشة الادارية والفوضى، الى اي مدى يمكن للجنة التنسيق بين الجهات الضامنة المتعددة والتي تختلف حصتها من موازنة الدولة؟

أُلزمت اللجنة رفع توصياتها الى مجلس الوزراء خلال شهرين. وفي حال تأخّرت جهة من الجهات في تقديم طلبها للجنة، كيف ترفع الاخيرة توصياتها الى مجلس الوزراء؟ فيما شدّد بند التوحيد على «اعطاء الاولوية للأدوية المُصنّعة محلياً والجينيريك اذا كان السعر أرخص».

والتركيز على السعر الارخص بعد الادوية المحلية نقطة اساسية، لأنّ تسعير الادوية بات سرقة علنية في عمليات البيع بالجملة (كما تشتري الدولة)، وهو كذلك في «المفرّق» (الصيدليات).

بالمقارنة بين الاسعار في لبنان والاسعار في الخارج نلاحظ انّ التفاوت يصل الى حدّ الضعف او الضعفين احيانا، ما دفع بعض اللبنانيين الى شراء ادويتهم خلال سفرهم، أو الطلب من ذويهم المسافرين احضارها. صحيح انّ وزارة الصحة أعلنت سابقاً عن ورشة إعادة تسعير الادوية، لكن الاسعار لا تزال مرتفعة.

طفح كيل الفساد في لبنان وطفح معه كيل الوعود الكاذبة، والسرقة باتت «على عينك يا مواطن». انّ بند توحيد شراء الادوية او اي اصلاح آخر ضروري لهذا القطاع وللبنانيين ولكن، تبقى العبرة في التنفيذ