IMLebanon

حقوق النائب في الإستشارات المُلزِمة

كتب الخبير الدستوري سعيد مالك في “الجمهورية”:

نصّت الفقرة /2/ من المادة /53/ من الدستور على ما يأتي:

«يُسمّي رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة المُكلّف، بالتشاور مع رئيس مجلس النوّاب، إستنادًا إلى إستشارات نيابية مُلزمة، يُطلعه رسميّاً على نتائجها».

ممّا يُفيد، أنّ عملية تسمية رئيس الحكومة المُكلّف تمُّر في مراحل أربع، وتستوجب من رئيس الجمهورية القيام بعدد من الإجراءات المُلزمة، وفقاً للتسلسل الآتي:

  1. أن يُجري إستشارات نيابية للوقوف على آراء النوّاب.
  2. أن يُطلِع رئيس مجلس النوّاب رسميّاً على نتائج الإستشارات.
  3. أن يتشاور مع رئيس مجلس النوّاب في نتائج تلك الإستشارات.
  4. أن يُسمّي إثر التشاور مع رئيس مجلس النوّاب، رئيس الحكومة المُكّلف.

علماً، أنّ مرسوم تسمية رئيس الحكومة المُكلّف، يُصدره رئيس الجمهورية مُنفردًا، ولا يحمل إلاّ توقيعه، سندًا لأحكام الفقرة الثالثة من نصّ المادة /53/ والفقرة الرابعة من نصّ المادة /64/ من الدستور.

باقة من الأسئلة تُطرَح حول حقوق النائب في الإستشارات المُلزِمة، وما يُمكِن له أن يُقدِم عليه، وما يُحَظِّره الدستور بالمُقابل.

  1. فهلّ يَحّق للنائب، أو الكتلة النيابية، الإمتناع عن تلبية دعوة رئيس الجمهورية للإستشارات المُلزِمة؟.
  2. وهل يَحّق للنائب، أو الكتلة النيابية، وفي حال تلبية الدعوة، رفض تسمية أي مُرشّح مُحدّد، والإكتفاء ببيان المواصفات للرئيس المَنوي تكليفه؟.

III. هل يَحّق للنائب، أو الكتلة النيابية، تسمية أكثر من مُرشّح لهذا المَوقِع؟.

  1. وأخيرًا، هل يَحّق للنائب، أو الكتلة النيابية، تَرك الخَيار لرئيس الجمهورية بالتّسمية، وتفويضه بذلك؟.

بالعودة إلى أحكام الدستور، يتبيّن جليّاً أن المادة /27/ منه، نَصّت حرفيّاً على ما يأتي:

«عضو مجلس النوّاب يُمّثِل الأُمّة جَمعاء، ولا يَجوز أن تُربَط وكالته بِقَيدٍ أو شَرط من قِبَل مُنتَخبيه».

وبالتالي، وبالنسبة الى السؤال الأول، عمّا إذا كان يحّق للنائب أو الكتلة النيابية، مُقاطعة الإستشارات، والإمتناع عن المُشاركة في الإستشارات المُلزِمة، فالجواب عن ذلك يَستَنِدُ إلى كَون النائب المُنتَخَب، يُمَثِّل الأُمّة جمعاء، ولا يجوز أن تُربَط وكالته بقَيدٍ أو بشرط. وبالخُلاصة، فإنّ قرار مُشاركته في الإستشارات، وتلبية دعوة رئيس الجمهورية، مِن عَدَمِهِا، يعودان له. فَكَما يجب دعوته للإستشارات المُلزِمة، له حُرّية القرار بالتلبية من عَدَمِها.

أمّا لجهة ما إذا كان يحّق له رفض التسمية في حال الحضور، والإكتفاء ببيان المواصفات… كذا…. . فإنّ ذلك جائزاً أيضًا. فَلَيسَ من موجب يُلزمه التسمية، ومِن حقّه الإكتفاء بِعَرض المواصفات المطلوبة لرئاسة الحكومة.

أما بخصوص ما إذا كان يحّق له تسمية أكثر من مُرّشح، فَلَيسَ هناك أي حائل أو مانع يَحول دون ذلك. فَلَه الحق الدستوري بتسمية أكثر من مُرشّح.

أمّا لناحية ما إذا كان يحّق للنائب، أو الكتلة النيابية، تَرك الخَيار لرئيس الجمهورية بالتسمية، وتفويضه بذلك. فذلك يَستَوجِب دراسة مُستقِلّة.

نصّت المادة /45/ من الدستور على ما يأتي:

«ليس لأعضاء المجلس حقّ الإقتراع ما لم يكونوا حاضرين في الجلسة، ولا يجوز التصويت وكالةً».

وبالتالي، لا يحّق للنائب توكيل سواه في ممارسة مهماته، لا من قريب أو بعيد على الإطلاق.

بتاريخ 24/11/1998 انتُخب العماد إميل لحّود رئيسًا للجمهورية، فأصدر عصر ذاك اليوم، بياناً إعتَبَرَ بِموجَبِهِ حكومة الرئيس رفيق الحريري مُستقيلة حُكمًا (عَمَلاً بنّص الفقرة «د» من أحكام المادة /69/ من الدستور) ودَعا بخُلاصته إلى إستشارات نيابية مُلزِمة يَوميّ 26/11/1998 و27/11/1998.

ومساء يوم الجمعة 27/11/1998 دُعي الحريري إلى قصر بعبدا، مِن قِبَل رئيس الجمهورية الذي تشاور مع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي. حيث أَبلَغَ لحود الى الحريري بنتائج الإستشارات النيابية المُلزِمة، التي أتت على الشكل الآتي /83/ نائباً سمّوا الحريري، و/31/ نائباً فوّضوا الى لحّود أمر التسمية، رَفَضَ الرئيس الحريري ذلك، مُعتَبِراً أنّ الإستشارات وما آلت إليه مخالفة للدستور، بحّجة أنّ الدستور لا يُجيز للنائب حق التفويض عملاً بأحكام المادتين /27/ و/45/ منه.

جاء موقف الرئيس الحريري يومها في موقعه الدستوري الصحيح، كون التفويض مُخالف للدستور، بالتالي لا يُحسَب صوت النائب الذي يَترُك الخَيار لرئيس الجمهورية، قياسًا على النائب الذي يَمتَنِع عن التسمية أو يُقاطع الإستشارات.

مما يُفيد أنّ مِن حقّ النائب المُشاركة في الإستشارات أو العزوف، كما يحّق له التسمية أو عَدَمِها، كذلك تسمية أكثر مِن مُرّشح، إنما لا يجوز له تفويض رئيس الجمهورية بالتسمية، كون ذلك مُخالفاً للدستور ومُناقضاً له.