IMLebanon

الداخل الإيراني بعد اغتيال سليماني

كتب رولان خاطر في صحيفة “الجمهورية”:

فيما كان متوقعاً أن تُحدث أي هجمات أميركية على ايران، في حال تطورت المواجهة، شرخاً كبيراً في الداخل الايراني نتيجة الخسائر التي ستحدثها هذه الهجمات، في ظل انهماك الايرانيين بالعقوبات الاقتصادية المفروضة، جاء الردّ الايراني أقل من المتوقع. لكن هل هذا يعني أنّ الداخل الايراني سليم ومعافى؟ وهل يخرج النزاع بين المعسكرين المتشدد والاصلاحي الى العلن في مرحلة ما بعد اغتيال سليماني؟ وهل يقوى الفريق الاصلاحي على «الحرس الثوري»، وما دور المعارضة مستقبلاً؟ وصولاً إلى علامات استفهام ترسم حول مدى صمود النظام في إيران؟

لا شك أنّ التطورات العسكرية الأخيرة في المنطقة، من استهداف قواعد «حزب الله» العراقي في سوريا، الى اغتيال سليماني، الى اللعبة الجيوسياسية والاستراتيجية التي تسعى طهران الى تغييرها لمصلحتها عبر الضغط لمغادرة القوات الأميركية المنطقة، كلّها تؤثر في الاتجاه التي تسير به ايران.

يقول المدير العام التنفيذي لمؤسسة «إينغما» الباحث في الشؤون الاستراتيجية رياض قهوجي لـ«الجمهورية» إنّ «الواقع يؤكد انّ «مكانة أميركا دولياً واقتصادياً لا تسمح لها بأن تتخذ قرار الانسحاب من الشرق الأوسط، وحديث الرئيس دونالد ترامب في هذا الإطار شعبوي يصبّ في خانة المصالح الانتخابية، ولا يعكس السياسة الخارجية الأميركية الحقيقية. وبالتالي، هناك مصالح كثيرة لواشنطن في المنطقة، في ضوء النزاع بينها وبين القوى العظمى مثل الصين وروسيا، ممّا يمنعها من ترك ساحة الخليج».

ويشير إلى أنّ «هناك وجهتي نظر داخل الإدارة الأميركية، واحدة تقول بضرورة تغيير سلوك النظام الايراني، في حين يريد الطرف المتشدد إسقاط النظام. لكن غالب الرأي يقول إنّ إسقاط النظام الايراني قد يحدث فوضى هائلة، خصوصاً أنها تضم طوائف وإتنيّات متعددة، وتحد مجموعة دول مهمة، اضافة الى أذرعها الأمنية والعسكرية المنتشرة في الدول المجاورة. وبالتالي، فإنّ سقوط النظام سيؤدي الى فوضى عابرة للحدود، وهذا أمر خطر في منطقة غنية بالنفط والموارد، والأميركيون لا يفضّلون أخذ هذا الخيار، لذا يسعون الى استعادة علاقاتهم التي كانت سائدة في أيام الشاه، ويحاولون إحداث تغيير في سلوك النظام الايراني، وهذا هو الهدف السياسي لأميركا منذ سنوات».

ويضيف قهوجي: «على خط مواز، يزداد الوضع صعوبة في الداخل الايراني نتيجة العقوبات الاقتصادية المتزايدة على البلد، وهي التي سبّبت التحركات المضادة للحكومة في الداخل. بالتوازي، الاستراتيجية الأميركية قائمة على زيادة العقوبات للحدّ من قدرة ايران الخارجية لأنّ العمل الايراني خارج ساحتها مُكلف نتيجة الدعم المالي والعسكري الذي تَمدّ به حلفاءها. هذا كله يرفع التحدي امام النظام الايراني الذي يواجه انقسامات بين الجهة التي تدعو الى التفاوض والعودة الى الحلول الديبلوماسية وبناء علاقات ودية وقوية مع دول الجوار، والطرف المتشدد الذي يمثله «الحرس الثوري» ويرى انّ التحركات العسكرية واعتماد منطق القوة هو الذي ساعد ايران على تحقيق نجاحاتها على الساحة الاقليمية وتفرض إرادتها وتصمد أمام الأطراف الدولية».

ويقول قهوجي: «اليوم، إنّ هذا الطرف أصابته ضربة كبرى باغتيال قائده قاسم سليماني. لذا، فإنّ التركيز سيكون على ما اذا كان رحيل سليماني سيؤدي الى إضعاف هذا التيار المتشدد في ايران لمصلحة تقوية التيار الديبلوماسي، علماً انّ ايران كانت امام حرب محتملة مدمّرة في المنطقة فقام الايرانيون بهذه «التخريجة» مع الأميركيين حفاظاً على ماء الوجه وتفادياً للحرب التي يعلم الايراني انها ستؤدي الى هلاكه. وبالتالي، فإنّ التطورات تسير بنحو مُتسارع، ولا يمكن التنبؤ بما تحمله الأيام المقبلة».

من جهته، يقول الخبير العسكري الاستراتيجي الياس حنا لـ«الجمهورية»: «هناك أفرقاء في الداخل الايراني، هناك المعارضة التي تَجلّت في الـ2009 ضد أحمدي نجاد، وما عرف بـ»الثورة الخضراء»، وهناك المتشددون والاصلاحيون في النظام، حيث لا يمكن أن يطغى الاصلاحيون على فريق الحرس الثوري المتشدّد المُمسِك بكل مفاصل السلطة العسكرية والاقتصادية في ايران». ويرى انّ «الاختلاف في الداخل الايراني هو على طريقة إدارة البلاد، وعلى كلفة المشروع الايراني في المنطقة، وعلى طريقة توزيع السلطة والثروة، وكأنّ ايران تتجه الى دولة عسكرية في المرحلة المقبلة».

ويضيف: «لا أحد ضد الثورة في الداخل الايراني لأنها ممسوكة داخلياً، وبالتالي من المُستبعد اليوم حصول تظاهرات كالتي حصلت في أيام الشاه، أو ثورات انقلابية كالتي حصلت في العام 1953 ضد رئيس الوزراء آنذاك محمد مصدّق، بل انّ مشكلة ايران اليوم هي العقوبات الأميركية والدور الاقليمي الذي يكلّفها غالياً بشرياً ومادياً. وأمس، كان هناك حديث عن انّ ايران أعطت للأسد نحو 20 مليار دولار، هذا الى جانب الخسائر البشرية التي تتكبّدها في ساحات المنطقة. فالمشروع الايراني كبير وكلفته ضخمة، وهي اليوم تعاني مأزقاً مالياً وعدم قدرة على صرف المبالغ التي كانت تُصرف في السابق بسبب العقوبات والفقر والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية في الداخل الايراني، وهذه القلاقل اذا استمرت من الممكن ان تؤدي مستقبلاً الى انتفاضات او تحركات معينة».

ورأى حنا انّ «اغتيال سليماني يساعد النظام ويضرّه في آن. يساعده بالمعنى القومي على شدّ العصب، لكنّ الخسارة كبيرة، لأنّ هذا الاغتيال

يُفقد الايرانيين مهندس المشروع الاقليمي ويؤدي الى رفع كلفتهم البشرية، خصوصاً انه على المستوى الجيوسياسي لا يمكن أن نرى ايران تتخلى عن المشروع الاقليمي الذي تجهد في سبيله منذ الثمانينات، أي منذ تشكيل منظمة «حزب الله» إثر الاجتياح الاسرائيلي».

وفي هذا الإطار، يوضح حنا «أنّ كل بلد من البلدان المجاورة له خصوصية معينة تجاه ايران. العراق هو أولوية ايرانية، في حين انّ سوريا التي استثمرت فيها غالياً تُعتبر ايران اليوم الأقل تأثيراً فيها. وبالتالي، لا يمكن التكهّن بكيف ستكون المرحلة ما بعد اغتيال سليماني». ويرى انه «في المرحلة المقبلة إذا أحسّ النظام في ايران انه مُستهدف، فقد يذهب الى حرب، ولا مشكلة عنده في ذلك، لكن هناك أسئلة مطروحة اليوم، هل سيكون هناك نزاع على السلطة؟ ومن سيخلف المرشد الأعلى بعد عمر طويل وكيف ستكون الاستراتيجيات من بعده؟ ومن هو البديل من سليماني خصوصاً أنه من الصعب على إيران أن تجد مثيلاً له؟».