IMLebanon

المجلس الدستوري والموازنة

كتب سعيد مالك في الجمهورية:

بين الرقابة على دستورية القوانين أمام كل من المجلس الدستوري اللبناني والمجلس الدستوري الفرنسي، أوْجُه اختلاف عدّة، وأوْجُه شَبه متعددة.

 

فالرقابة أمام المجلس الدستوري الفرنسي هي رقابة مُسْبَقة (a PRIORI) فيما أمام المجلس الدستوري اللبناني رقابة مؤخّرة (a POSTERIORI).

 

مع الإشارة إلى أنّ الرقابة على دستورية القوانين أمام المجلس الدستوري اللبناني، هي رقابة إختيارية، متروكة لتقدير الأشخاص الذين منحهم الدستور صلاحية الطعن، والمعدّدين حصراً في المادة /19/ من الدستور.

 

وتكون الرقابة المؤخّرة، عندما تقدّم مراجعة الطعن أمام المجلس الدستوري، بعد إصدار القانون المطعون فيه (PROMULGATION) ونشره (PUBLICATION) في الجريدة الرسمية، أي بعد أن يكون قد أصبح هذا القانون جزءاً من تشريعات الدولة ونافذاً.

 

وينجم عن كون الرقابة مؤخّرة أنّه، إذا قرر المجلس الدستوري أن النصّ موضوع الطعن مشوب كلّياً أو جزئيّاً، بعيب عدم الدستورية، فإنّه يقضي بإبطاله كلّياً أم جزئيّاً، بقرار مُعلّل.

 

أقرّ مجلس النوّاب هذا الأسبوع، قانون الموازنة العامة لسنة /2020/ من دون أن يصادق على حسابات الإدارة المالية النهائية لعام /2018/ وما سبق، كما توجب المادة /87/ من الدستور، متلطّياً بالبند والذي صار دسّه في موازنة عام /2019/، والذي منح الحكومة مهلة ستة أشهر لإنجاز قطوعات الحسابات السابقة. علماً أنّ موازنة عام /2019/ صُدّقت ونُشرت في شهر تمّوز من العام المُنصرم، أي أن مهلة الستّة أشهر لم تزل حتى تاريخه سارية المفعول.

 

وبالتالي، الطعن بعدم التصديق المُسْبَق على قطوعات الحسابات، لن يُجدي نفعاً، كون قانون موازنة عام /2019/ قد صدّق على هذا البند، ولا يُمكن الطعن به راهناً.

 

وعلى هذا الأساس، لن يكون من باب للطعن في قانون موازنة /2020/ إلّا إذا خالف المبادئ التي تخضع لها الموازنة العامة بمقتضى الدستور (لاسيما المادتين /83/ و/87/ منه) وهي: مبدأ سنوية الموازنة، ومبدأ الشمول، ومبدأ الشيوع.

 

مبدأ سنوية الموازنة هدفه، تمكين مجلس النوّاب من ممارسة رقابة دورية خلال مدة من الزمن قصيرة نسبيّاً على المالية العامة وعلى أعمال الحكومة في السنة المنصرمة.

 

ومبدأ الشمول يعني أنه يجب أن تتضمّن الموازنة كل الواردات وكل النفقات لسنة مالية.

 

ومبدأ الشيوع يقضي بعدم تخصيص واردات معيّنة لتغطية نفقات معيّنة. إلّا أنّ هذا المبدأ يمكن الخروج عنه في حالات استثنائية، وضمن شروط وضوابط، يقتضي التقيّد بها.

 

مع الإشارة إلى وجوب ألّا يكون قانون الموازنة متضمّناً فرساناً للموازنة (CAVALIERS BUDGETAIRES) أي مواد لا علاقة لها بقانون الموازنة، إنما مفترض أن تأتي في شكل تعديلات على القوانين المتّصلة بها، حيث لا يجوز أن تُدسّ في قانون الموازنة العامة. لاسيما أنّ قانون الموازنة يختلف بطبيعته عن القوانين العادية، ولا يجوز بالتالي أن تُعدّل هذه القوانين من ضمنه، لأنّ في ذلك خروجاً على أصول التشريع.

 

مع الإشارة إلى أنّ المجلس الدستوري اللبناني قد استقرّ في اتجاه إبطال هذه المواد، فيما لو وَردَت في قانون الموازنة العامة. (قرار رقم 2/2018 تاريخ 14/5/2018).

 

وبالتالي، لرئيس الجمهورية ولرئيس مجلس النوّاب ولرئيس مجلس الوزراء، ولأعضاء المجلس النيابي (10 على الأقل) الحق في الطعن في هذا القانون، ضمن مهلة /15/ يوماً من تاريخ نشره (المادة /19/ من قانون إنشاء المجلس الدستوري الرقم 250 / 1993 المعدّل. والمادة /31/ من النظام الداخلي للمجلس الدستوري الرقم 243 / 2000 المعدّل) بحال وَجدوا في القانون ما يُتيح الطعن.

 

مع الإشارة إلى وجوب الوثوق بالمجلس الدستوري الحالي، وعدم التسليم بعدم جدوى الطعن، لعلّة مقولة تبعية هذا المجلس للمرجعيات السياسية… كذا… إنما يجب علينا أن نُراهن على صدقيته وشفافيته، لاسيما أنّ العدل هو أساس المُلْك وبه يستقيم، فإذا ندُرَ أو اختفى، إنهارت الشعوب والدول وأصبحت تاريخاً، وإذا وُجِد العدل قويت الدول واستمرّت.