IMLebanon

حماية البيئة العسكرية أولوية للجبهة الداخـلية

كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:

ما بين ترك الأوضاع على غاربها أو الوصول الى مرحلة إعلان «حال الطوارئ» إختارت الحكومة إعلان «التعبئة العامة» الواقعة بين المنزلتين. وجاءت الخطوة لتعزيز مناعة «الجبهة الداخلية» في مواجهة وباء «كورونا» وتداعياته، التي لم تقف عند الصحية والبيئية منها، بل تعدّتها الى السياسية. فلماذا كانت هذه التدابير في مواجهة الوباءين الصحي والسياسي معاً؟

بمعزل عن الدوافع القانونية والدستورية التي تتحكّم بالخطوات الكبرى المماثلة لإعلان حال الطوارئ، أو التعبئة العامة التي يمكن أن تلجأ اليها أي دولة في العالم لمواجهة أي حدث إستثنائي، فإنّ الإعتراف واجب بأنّ لبنان يعيش أوضاعاً إستثنائية اختلط ما فيها من إقتصادي ومالي وإجتماعي بما هو سياسي. وهو أمر ثابت لا يمكن تجاهله عند الدخول في كواليس المعالجات الجارية لمجموعة الأزمات التي تشابكت في ما بينها الى الحدود القصوى.

فالشعور المدمن بالإستهداف، الذي لا ينفك رئيس الحكومة التعبير عنه في أي مناسبة أو إطلالة إعلامية أو بيان أو مذكرة إدارية، منذ تولّيه المسؤولية، له ما يبرّره في جوانب محدّدة ومحدودة، ولكنه غير منطقي في أخرى. وإن استعارَ بعض الوزراء هذا المنطق – على طَرق النفس – فإنّ الإعتراف العلني والصادق بوجود مجموعة من المصاعب المختلفة المالية منها والنقدية كما السياسية، التي تعوق بعض الخطوات الكبرى التي يرغبون في تحقيقها، هو من شيم المسؤولين الكبار. فبعض التواضع مطلوب بإلحاح من بعض ممن يشغلون المواقع الحسّاسة والمكلّفين المهمات الجسام التي أُلقيت على عواتقهم. وهو أمر مفيد الى درجة كبيرة، ويمكن للمواطنين عندها أن يتفهموها، فيبرّرون بعضاً من التقصير القائم. فاستمرار «النق» اليومي يمكن أن يأتي بالعكس من ردّات الفعل المرغوب بها، لا بل هو يعززها ويُحرّف إهتمامات الناس في اتجاهات أخرى لا يرغب أحدٌ بها، فيقعون ضحيتها عن قصد أو غير قصد.

وبعيداً من هذا المنطق، فإنّ الحكومة اللبنانية لا يمكنها ارتجال الخطوات، خصوصاً في ظل الحاجة الماسة الى إجراءات إستثنائية لحصر انتشار وباء «كورونا» والحدّ من خطورته الشاملة. وإذ بدأ البحث عن القوانين والمراسيم التي تنظّم هذه العملية، لتكون متكاملة وشاملة ولتأتي بالنتائج المطلوبة، كان الإقتراح بالبحث عن إعلان شكل من أشكال «حال الطوارئ»، عندما اكتشفوا أنّ ما هو قائم لا يدعو الى بلوغ هذه المرحلة، والتي دونها أسباب سياسية وأمنية ومادية باهظة الكلفة، وأنّ هناك إجراءات أولية يمكن اللجوء اليها دون بلوغها.

ولما كان الموضوع يحتاج الى قرار لمجلس الوزراء بثلثي أعضائه، فإنّ الوصول الى مرحلة الطوارئ أو أي بديل منها وبحجمها، يحدّده الدستور من بين 14 قضية لا يمكن التوصل الى الإعلان عنها من دون هذه الموافقة. وبعد المراجعة القانونية والدستورية التي أجرتها خلية الأزمة بالتنسيق بين السراي الحكومي والقصر الجمهوري، ارتؤي إعلان «التعبئة العامة»، لأنّها الأقرب الى ما يمكن أن تنتهي اليه حال الطوارئ، باستثناء بعض الخطوات العسكرية والأمنية، كمثل منع التجوّل ووضع البلاد ومؤسساتها الأمنية في عهدة قيادة الجيش.

وباعتراف مطلعين، فإنّ دون ذلك محاذير سياسية تتصل بمواقف البعض المتوجس من أي دور متعاظم للمؤسسة العسكرية في مثل الظروف التي تعيشها البلاد. فالبلد لا يعيش أزمة تشبه ما هو ناتج من إنقلاب أو حرب أو كارثة طبيعية أو زلزال. فالوزارات والمؤسسات الإدارية والخدماتية والصحية موجودة وقادرة على القيام بمهمات محدّدة للمساهمة في تعزيز الجبهة الداخلية لتجاوز المحنة الوبائية. وعليه كان لا بدّ من تقديم إجتماع المجلس الأعلى للدفاع على اجتماع مجلس الوزراء، فهو الجهة الصالحة لإقتراح الخطوات الإستثنائية بموجب قانون الدفاع والمادة 65 من الدستور وإحالتها الى مجلس الوزراء للبت بها نهائياً والإعلان عنها. فالوضع لا يستلزم اللجوء الى المرسوم الإشتراعي الرقم 52/1967 وتقديم الإجراءات التي تنفذها القيادة العسكرية متقدّمة على السلطة السياسية المناطة بمجلس الوزراء ورئيس الجمهورية.

وفي منأى عن كثير مما هو قائم من تمايز بين أدوار السلطات العسكرية والسياسية، فإنّ إعلان «التعبئة العامة» لا يقلّ شأناً عن «حال الطوارئ». فقد منحت الخطوة القيادات العسكرية مهمات واسعة، قد تضطر الى تجاوز أدوار المؤسسات والإدارات السياسية في حال الفشل أو التقصير معاً. وذلك استناداً الى مضمون المادة الثانية من المرسوم الإشتراعي الرقم 102/1983، التي قالت بالتدابير التي تُنفّذ في حال «تعرّض الوطن أو جزء من أراضيه أو قطاع من قطاعاته العامة أو مجموعة من السكان للخطر». ويمكن عندها اللجوء الى بعض الخطوات ومنها «إعلان حال التأهّب الكلّي أو الجزئي للحدّ من تعرّض السكان والمنشآت الحيوية للخطر، ولتأمين عمليات التعبئة واستخدام القوى المسلحة». وهي حالة يمكن الإعلان عنها في شكل «عام» أو «جزئي» وصولاً الى أحكام خاصة تقول بـ «فرض الرقابة على مصادر الطاقة وتنظيم توزيعها». وفرض «الرقابة على المواد الأولية والإنتاج الصناعي والمواد التموينية وتنظيم استيرادها وخزنها وتصديرها وتوزيعها» و»تنظيم ومراقبة النقل والإنتقال والمواصلات والإتصالات»، بالإضافة الى «مصادرة الأشخاص والأموال وفرض الخدمات على الأشخاص المعنويين والحقيقيين»، وفي هذه الحالة يجب أن تُراعى «الأحكام الدستورية والقانونية المتعلقة بإعلان حال الطوارئ».

وإلى هذه الإجراءات، تجدر الإشارة إلى انّ الأجهزة العسكرية باشرت باتخاذ الترتيبات التي تحمي بيئتها «الداخلية». وهي طالبت ببعض الإجراءات الهادفة الى إبقاء ضباطها وعناصرها في منأى عن مدار «الوباء». ولتحقيق ذلك فقد باشرت هذه الأجهزة سلسلة من التدابير التي تعزّز الخطوات «الفردية» التي تحول دون تجمّع العسكريين في «دوريات جامعة» قد تقود الى تبادل الفيروس، وحماية مقارها من إمكان تسلّل صاحب حاجة مصاب اليها. وأُعيد تنظيم دوام العسكريين بعزلهم عن مهماتهم وزملائهم أربعة أيام متتالية بين «الخدمة الفعلية» و»العزلة»، كما فعل أحد الأجهزة. ولجأ جهاز آخر الى تنظيم الدوام بـ «يومي عمل» مقابل «يومي عزل». وهي إجراءات ثبت أنّها كانت ناجحة حتى اليوم من إجل إبعاد الوباء عن الجسم الأمني والعسكري.

والى هذه الإجراءات الإدارية، يعترف المطلعون أنّه لا يمكن تجاهُل أهمية الترتيبات الحدودية وفي المرافئ البرية والبحرية والجوية ومداخل المخيمات الفلسطينية وتلك الخاصة بالنازحين السوريين، فهي من باب المواجهة الشاملة للوباءين الصحي والسياسي معاً.