IMLebanon

طرابلس.. المرجعية لمن؟

كتبت مرلين وهبة في صحيفة “الجمهورية”:

«نيسان طرابلس» لا يشبه «نيسان» باقي المناطق اللبنانية، فهو «كذبة» بامتياز. اذ لا يمكن مقارنة مشهد هذه المدينة التي تكلّلت بأبهى الصور الحضارية ابّان ثورة 17 تشرين الفائت، بمشهد طرابلس اليوم، الذي رأيناه بدهشة خلال تظاهرة شعبية عفوية جائعة، تطالب بلقمة العيش لتستمر بالمواجهة. وصدق القول، انّ هذا المشهد يشكّل «الكذبة الاكبر» في نيسان، التي لا يمكن تصديقها وتخيّلها. فبعدما تصدّت لكل محاولات القمع والإلغاء، ماذا يحصل اليوم لعروس الثورة وأبنائها؟ وهل صحيح انّ الوباء قضى على امل المدينة بالتغيير الكبير؟ والسؤال الأهم، من يُمسك بزمام الأمور فعلياً في المدينة، ومن «يمون» على شعبها أمام هذا التحدّي الكبير للطبيعة وللسلطة، الذي يواجهه ابناء المدينة بأجسادهم وليس بعقولهم! وأمام هذه الأزمة، المرجعية لمن في طرابلس؟

يقول احد المواطنين من سكان المدينة «الأكثر فقراً» بشهادة الاحصائيات الاخيرة، انّ تبرعات المحسنين والاموال الطائلة التي سُمع بها من خلال كلام الناس وشاشات التلفزة، لم ينالوا شيئاً منها، وهي لم تعرف حتى الساعة طريقها الى جيوب الأكثر فقراً بينهم من اهل المدينة. معلقاً: «سمعنا بها فقط في التلفزيون، لكننا حتى الساعة لم نرَ منها شيئاً»، موضحاً انّ الأزمة المعيشية هي التي دفعته وأبناء مدينته الى خرق التعبئة العامة والنزول الى الشارع، غير آبهين بالأزمة الصحية، لأنّ «وباء الجوع ايضاً قاتل»، بحسب تعبيره. إلّا انّ القاصي والداني يعلم ايضاً انّ حجة المواطنين الطرابلسيين الذين خرقوا قرار التعبئة العامة ليس منطقياً، إن لم نقل ليس حكيماً. اذ انّه يعرّض سلامة ابناء الوطن بأكمله للخطر، كما يعرّضه الى كارثة كبرى لا يمكن احتواؤها.

على من تقع المسؤولية؟

وزير الشؤون الاجتماعية السابق وإبن المدينة المحامي رشيد درباس، يوضح لـ«الجمهورية» اهم الاسباب التي دفعت بالمواطنين للنزول الى الشارع. فيقول، انّه عندما انتشر الوباء في لبنان كان معدّل الإصابات في مدينة طرابلس هو الأقل نسبياً، الأمر الذي برأيه، خلق اطمئناناً لدى الغالبية من المواطنين، فلم يحتاطوا ويتعظوا من بقية المناطق التي ارتفعت فيها تدريجيا أعداد الاصابات.

اما الأهم بنظر درباس، هو الحل الجذري لأزمة طرابلس برّمتها، التي «تبدأ بالسياسة وتنتهي بالسياسة»، لأنّ المدينة حتى الساعة لم تجد لها مرجعية سياسية قوية تمثلها او باختصار، ليس لطرابلس مرجعية.

 

ويشير درباس، ان ليس هناك من يسطّر للمواطنين بيانات يومية للحالة الحقيقية، ولا من يتولّى المسؤولية في المدينة ويتابع مشاكلها، بدءاً من محافظ الشمال، الذي يقول لنا «لا تشكيلي ببكيلك»، وصولاً الى رئيس بلديتها ونوابها. لافتاً الى انّ طرابلس بحاجة الى بيان اجتماعي يومي ممن يديرها، وايضاً بحاجة الى بيان سياسي قوي ممن يمثلها أي من نوابها، لافتاً الى انّ طرابلس يمثلها 8 نواب، لم يجتمعوا سوياً ويتّحدوا لإصدار بيان يومي او سياسي قاسي اللهجة، لإنقاذ المدينة من حالة التمرّد. واصفاً صمت هؤلاء بالمخزي.

وفي السياق، يتساءل درباس عن مبلغ الـ3 مليارات ليرة، الذي خُصّص لبلدية طرابلس، مطالباً بمعرفة آلية صرف المبلغ وكيف وصل الى الناس، فيما في كل مرة يطلّ فيها رئيس بلدية طرابلس على الناس ويتكلم عن عجزه هو ايضاً أمام الأزمة! ولذلك يُطرح السؤال، كيف تأخذ البلدية قراراتها؟

تجدر الإشارة، انّ بلدية الميناء المستقيلة، التي تُعتبر ثاني اكبر بلدية في الشمال وتأتي مباشرة بعد مدينة طرابلس، تعيش اليوم حالة تخبّط بسبب عدم قدرتها على تصريف الأعمال والأموال. وعنها يعلّق درباس بالقول، انّه لن يسامح المعنيين على استقالاتهم. ومن المؤسف ان تصبح بلدية الميناء اليوم «فارغة وسايبة» بحسب تعبيره.

تبدأ بالسياسة وتنتهي بالسياسة

وشبّه الوزير درباس مدينة طرابلس بسيارة تجوب الشوارع «على كيفها»، لأن «ليس لديها شرطي سير يسيّرها». وعند سؤال المعنيين وحتى القوى الأمنية يكون الجواب «ما العمل.. لا نستطيع فعل شيء، لأنّ العالم تريد ان تأكل»؟ فيتساءل: «كيف يمكن لهؤلاء المواطنين الذين جابوا الشوارع ان يقولوا انّهم يريدون ان يعتاشوا، اذا لم يكن هناك مواطن في المدينة قادراً على الشراء! فمن الذي سيشتري اذا كان ابناء المدينة جائعين؟».

ويكشف درباس، انّ اقتراحات عدة وضعت، ومنها صندوق المساعدات للأُسر الأكثر فقراً، إلّا انّه لم يتمّ السير به حتى الآن، لأنّ الدولة لم تنتقل بعد الى مرحلة التنفيذ، فيما السرعة هي المطلوبة اليوم في المدينة.

في المقابل يكشف انّ العائلات الأكثر فقراً يصلها يوميا حوالى الـ 300 او 400 حصة من قِبل جهات تتحفّظ عن ذكر اسمها، لأنّها لا تريد «الدعاية». اما بالنسبة الى خرق قرار التعبئة العامة فيرده درباس الى غياب التشدّد في التنفيذ.

وعليه، فإنّ التراخي هو سيّد الموقف في طرابلس، وذلك مرده برأي البعض من اهل المدينة، الى عدم جدّية الحكومة وتشدّدها بالقرار والتنفيذ، ولأنّها لم تفرض على جهازها الامني التنفيذ، ولذلك تنتشر الفوضى في شوارع المدينة. ويلفت درباس، الى انّ «فرض منع التجول الصارم من قِبل الحكومة ونزول الجيش على الأرض ليومين متتاليين، ولاسيما في الساحات المكتظة، من شأنهما ان يحدثا فرقاً، لأن ليس هناك قبضة قابضة في المدينة، في وقت تقع المسؤولية مداورة على الحكومة، المحافظ والسلطات، نواب طرابلس، البلديات. فالمواطن، الذي ينزل الى الشارع إما جهلاً وإما فقراً، لا يعلم انّ ما يقوم به يشكّل كارثة صحية ووطنية كبيرة».

في الخلاصة، عروسة الثورة طرابلس هي اليوم بحاجة الى مرجعية سياسية صارمة طرابلسياً تمون على ابناء المدينة، وفي الوقت نفسه، تكون قادرة على مواجهة السلطة السياسية لصالح اهل المدينة وليس لمصالحها الخاصة، فتأخذ قراراً سياسيا صارماً تجاه كل ما يحدث من تجاوزات في المدينة وبحق المدينة، مرجعية تُظهر صرامة في الموقف السياسي والداخلي التي تحتاجه المدينة وأبناؤها.

في رأي المخضرمين من أبناء المدينة، ومن بينهم الوزير درباس، ان لا وجود في المدينة للإثنين معاً…مكرراً بأنّ الحل يبدأ بالسياسة وينتهي بالسياسة، أي بقرارات سياسية اقتصادية امنية تعبوية واعلامية. موضحاً، انّ «السياسة هي ان تقود الناس، وعندما يكون الراعي مستقيلاً وقانعاً بعجزه ويفبرك مبررات فكيف ستنجو المدينة؟ فالأزمة بدأت بالسياسة ولا تُعالج الّا بالسياسة».