IMLebanon

صندوق دعم الأمن الاجتماعي لمتضرّري الأزمات في لبنان

كتب فيصل أبو زكي في صحيفة “الجمهورية”:

أدّت الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان إلى تراجع كبير في المداخيل والقوة الشرائية للبنانيين، من موظفي القطاعين العام والخاص والمتقاعدين والمزارعين والعمال المياومين واصحاب المهن الحرة. وأضيفت إلى معاناة اللبنانيين بدءاً من مطلع العام 2020 ، النتائج الاقتصادية لانتشار وباء «الكورونا» وإعلان حالة التعبئة العامة، والتي أدّت إلى شلل في مختلف القطاعات وتراجع حاد في الحركة الاقتصادية، وموجة إضافية من البطالة، خصوصاً بين صفوف الشباب والفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة.

أولاً: تعطيل عملية الإصلاح

يُتوقع أن تُسهم هذه العوامل مجتمعة وبصورة غير مسبوقة في تدهور مستويات المعيشة لدى ما لا يقلّ عن 40 – 50 % من المواطنين، وأن يشهد لبنان ارتفاعاً تاريخياً في معدلات البطالة والعوز الحقيقي والعيش تحت خط الفقر. ومثل هذا الوضع، لا يعطّل فقط إمكانية إستعادة الاستقرار الاقتصادي والمالي والنمو، بل قد يتحوّل في وقت قريب إلى عامل عدم استقرار للوضعين السياسي والاجتماعي، ما يُسهم بدوره في تعطيل عملية الإصلاح المطلوبة للحصول على مساعدة الدول المانحة وصناديق التمويل التنموي الدولية والعربية.

ثانياً: السوابق العالمية

إنّ توفير دخل محدود ثابت ومستمر لمن فقدوا وظائفهم وللشرائح الاجتماعية الأكثر فقراً ولهؤلاء غير القادرين بوسائلهم، وفي ظرف اقتصادي معين، على تأمين القوت والأساسيات لأنفسهم، أصبح توجّهاً عالمياً معتمداً في عدد من البلدان المتقدّمة أو النامية، وبات جزءاً من برامج الحكومات الوطنية، وبنداً من بنود المساعدة الدولية أو مبادرات المسؤولية الاجتماعية للشركات. وقد استخدمته سابقاً بلدان عديدة، مثل الهند والبرازيل، ويجري استخدامه حالياً في حِزم التحفيز الاقتصادي التي أطلقتها دول عدة مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وكندا وغيرها، لمواجهة التبعات الكارثية لتفشي فيروس «كورونا».

ثالثاً: الخيار اللبناني

إنّ لبنان يمكنه في نطاق معالجة أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية العمل على توفير دخل محدود ومضمون للشريحة الأضعف من المواطنين لمدة محددة من الزمن. لكن ذلك يقتضي قيام كيان متخصّص بتنسيق مع الجهات المانحة من دول وصناديق تنمية وافراد ومؤسسات خاصة وجمعيات. إنّ إطلاق صندوق دعم الأمن الاجتماعي، او ما يمكن تسميته بصندوق الدخل المضمون، يجب أن يبدأ بتعيين مجلس تأسيسي، وإدارة متخصصة، وأن يكون له قانون تأسيسي ونظام مفصّل لتلقّي المساهمات وتحديد التقديمات وتعيين المستفيدين والإدارة المالية، وينبغي لهذه المؤسسة أن تعمل وفق أعلى معايير الشفافية في الإدارة، والإفصاح ونشر التقارير الدورية، وأن تخضع لتدقيق خارجي من شركة تدقيق ذات مصداقية عالية، وان تعمل بأقل حدّ من التكاليف.

إنّ العنصر الأهم في نجاح مبادرة الصندوق هو استقلاليتها عن السياسة والمحاصصة وتوافر الثقة الدولية والعربية بتكوينها وبمؤسسيها ومديريها، وبالأسلوب الشفاف لعملها. وبالطبع، فإنّ الحصول على الأموال المطلوبة لتغذية الصندوق يُعتبر هدفاً قابلاً للتحقيق، ولا سيما انّ هناك مصادر عديدة يمكن التركيز عليها، ومنها: تخصيص الحكومة اللبنانية مثلاً لجزء بسيط من دخل قطاع الاتصالات، المساعدات المالية من الدول العربية والاجنبية المانحة، تبرعات اللبنانيين المقيمين والمهاجرين، ومساهمات رجال الاعمال والمستثمرين العرب، الذين يكن الكثير منهم مودة كبيرة للبنان. إضافة إلى إمكانية الحصول على جزء من موارد التمويل العاجل التي خصّصتها مؤسسات التمويل التنموي، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لدعم جهود البلدان النامية في احتواء انتشار فيروس «الكورونا».

رابعاً: خصائص الدخل المضمون

وفق التجارب الدولية المتنوعة التي تمّت، أو هي قيد التطبيق، في مناطق معينة ـ أو في مجتمعات مشمولة – فإنّ الدخل المضمون للفئات الفقيرة يمكن أن يتخذ أشكالاً عدة أو يتمّ توفيره لمدد محدّدة أو متوسطة أو طويلة، وهو عادة يتميّز بالتالي:

1. إنه ليس دخلاً تاماً بل دعم لسدّ الحاجات الأساسية بحدّها الأدنى

2. إنه دخل نقدي، مخصّص للأفراد

3. يُدفع لمستحق محتاج

4. إنّه دخل منتظم قد يمتد لسنة أو لسنوات عدة

5. إنّه حق للمستفيد غير مشروط.

خامساً: الأولويات والتمويلات

إنّ أي برنامج لتوفير الدخل المضمون لأصحاب الحاجات في لبنان يحتاج إلى تحديد الآليات والمعايير وعمليات التحقق التي سيتمّ على أساسها بناء قاعدة البيانات وتحديد المستفيدين ومعدلات الدخول والمدّد. كما ينبغي للبرنامج أن يحدّد التمويلات التي يحتاجها ومصادرها. وبناء على ذلك يتمّ تحديد المبالغ التي ستُخصّص للمستفيدين الأكثر حاجة وكيفية الدفع.

سادساً: المعايير

إن من أهم الأمور في نجاح المبادرة هو تبنيها لمعايير كمية ونوعية موضوعية يمكن التحقق منها. وتضع الهيئة الإدارية بالاتفاق مع الجهات المانحة لائحة بمؤسسات المجتمع المدني والجمعيات المتخصصة المستقلة لتوفير المعلومات والمشورة في وضع جداول المستفيدين وتحديد المراحل التنفيذية. ويمكن التعاون مع بعض الأجهزة الحكومية والجمعيات الخيرية التي تتوفر لديها البيانات المطلوبة للمستفيدين المحتملين ولديها تجارب في العون الاجتماعي.

تعمل مجموعة الاقتصاد والأعمال مع فريق من الخبراء على تطوير هذه المبادرة وطرحها على الجهات المعنية في الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني وممثلي المجتمع الدولي، من أجل الحصول على ملاحظاتهم والتعاون في وضع صيغة نهائية للمشروع.