IMLebanon

الغارة الصوتية: أيّ رسالة وكيف تلقّاها “الحزب”؟

كتب عماد مرمل في صحيفة “الجمهورية”:

إنطوى الاستهداف الاسرائيلي لسيارة تابعة لـ»حزب الله» عند نقطة المصنع بالقرب من الحدود مع لبنان على تفسيرات عدة، فيما امتنع الطرفان المعنيّان به عن أي تعليق علني حتى الآن.

لم يَحل انشغال الكيان الاسرائيلي بفيروس كورونا الذي أصابه على نطاق واسع، دون أن تشنّ إحدى طائراته المسيّرة (درون)، قبل يومين، غارة على سيارة مدنية من نوع جيب شيروكي تخصّ «حزب الله»، عند الجهة السورية في منطقة المصنع، على الحدود مع لبنان، من دون تسجيل أي إصابات بشرية.

ويبدو واضحاً من مكان الاستهداف وطبيعته انّ الاسرائيلي يحاول اللعب فوق حافّة رفيعة وعدم تجاوزها الى الضرب تحت الزنّار، فاختار ان تكون ضربته على بُعد مسافة قصيرة من الاراضي اللبنانية، متجنّباً قصف السيارة في الجانب اللبناني من الحدود لمعرفته بأنّ ذلك يرتّب عليه حسابات أكثر تعقيداً، إضافة إلى أنه تعمّد على الأرجح عدم قتل من كان يستقلّ السيارة، مُكتفياً بـ»غارة صوتية» لإيصال رسالته التي لم تخرق قواعد الاشتباك المتعارف عليها.

ووفق استنتاجات المطّلعين، فإنّ «الغارة المدجّنة» لم تستهدف شخصاً محدداً او سيارة بعينها، بل هي كانت موجّهة الى أصل المهمة التي كان يؤديها مَن في السيارة، ضمن سياق التصويب الإسرائيلي على دور «حزب الله» في سوريا.

وما ساعَد في الوصول إلى هذه التقديرات انّ السيارة المستهدفة لم تكن تضم قياديين كباراً، وانّ الصاروخ الأول سقط على بُعد نحو 50 متراً منها، ما أوحى بأنّ المقصود إعطاء من يتواجَد فيها فرصة لإيقافها ومغادرتها، وهذا ما جرى عملياً، إذ انّ من كان يستقلّها، سارعَ الى الترجّل منها والاحتماء في داخل محلات الحيدري القريبة، قبل أن يسقط الصاروخ الثاني ويصيب السيارة.

امّا محتوى الرسالة الإسرائيلية إلى الحزب، وفق الخبراء في تفكيك شيفرتها، فهو الآتي: نحن نَراكم، ونعرف ماذا تفعلون في سوريا وأنشطتكم تحت مرمانا، وعليكم أن ترتدعوا، وما مِن شيء يمكن أن يوقفنا عن مراقبتكم لا كورونا ولا غيره.

ومن الواضح أنّ تل أبيب تسعى إلى استغلال كل فرصة سانحة لإبلاغ الحزب بأنها لن تتكيّف مع وجوده المُقلق في العمق السوري وصولاً الى تخوم الجولان، وانها لن تقبل بأن يصبح هذا التمدّد الذي يشكّل خطراً على أمنها ومصالحها كناية عن أمر واقع يجب أن تعتاد عليه.

لكنّ الاحتلال الاسرائيلي لا يزال يحرص في الوقت نفسه على الجمع في هذه المرحلة بين التعبير الناري عن رفضه لحضور الحزب النوعي على «خط الاستواء» الإقليمي في الداخل السوري، وبين رغبته في إبقاء جرعات الاعتراض مدروسة تفادياً للانزلاق الى مواجهة واسعة، قد تستدرجه نحو مغامرة غير محسوبة وغير مضمونة وليس مستعداً لخوضها، أقله الآن.

في المقابل، تعاطى الحزب ببرودة مع الاعتداء الاسرائيلي، ولم يصدر عنه أي بيان للتعليق عليه، وذلك على قاعدة انّ ما حصل لم يتجاوز قواعد الاشتباك التي سبق أن أرساها السيّد حسن نصرالله، وقوامها «إن قتلتم منّا في سوريا سنرد عليكم من لبنان». وبالتالي، ما دامت الغارة الإسرائيلية مندرجة تحت سقف الضوابط المحددة، فإنّ الحزب لا يجد نفسه مضطرّاً الى توجيه ضربة مضادة، على توقيت ساعة عدوّه، بل أفضل ردّ على الاعتداء وفق حساباته هو أن يستمر في تأدية دوره المزعج لإسرائيل في سوريا.

ومن دلالات الهجوم الاسرائيلي على هدف موضعي للحزب انّ «السجال» الأمني – الاستخباري مستمر بين الطرفين في كل الظروف، وله ساحته المنفصلة ورجاله المتفرغون، وهو لا يتأثر بأيّ عامل جانبي سواء كان سياسياً ام ميدانياً ام انتخابياً ام صحياً من وزن كورونا، وبالتالي فإنّ كلاً من الطرفين يهتم، مهما كانت انشغالاته، بإبقاء عينه مفتوحة على الآخر، ويده على الزناد.

وهذه ليست المرة الأولى التي توجّه فيها إسرائيل الى الحزب هذا النوع من الرسائل المضبوطة الإيقاع، لكنّ الفارق بالنسبة الى الهجوم الاخير انه حصل على طريق دولية وضمن محيط سكني، فاستحوذ على الاضواء الإعلامية، بينما كانت النوعية ذاتها من الرسائل تستهدف في السابق أهدافاً تقع في الارياف السورية، إنما من دون أن تخرج إلى العلن، كونها بقيت خاضعة الى قواعد الاشتباك المرسومة من قبل الحزب، ولم تكن تتسبّب في وقوع إصابات تستوجب الإعلان عنها والرد الفوري عليها.

والأكيد انّ «حزب الله» حاضر على طريقته، ومن دون ضجيج، في ساحة الحرب الأمنية – الاستخبارية مع الاحتلال الاسرائيلي، ولعل ما يخفيه على هذا الصعيد هو أشد وقعاً من أزيز المسيّرات.