IMLebanon

هذه خطة بديلة وواقعية لحماية المستهلك مقابل خطة الحكومة التجويعية

كتب زكريا حمودان في صحيفة “الجمهورية”:

أطلقت الحكومة اللبنانية خطتها الإقتصادية التي تحتوي على 20 % من الإصلاح العلمي المقبول منطقياً و80 % من الفرضيات والتنظير والاقتطاع من راتب هنا وتعويض تقاعدي هناك، ونسف للسياسة الإجتماعية التي ورثتها عن الحكومة التي سبقتها، وتجاهل لما يحصل في الشارع اليوم.

لم تقدّم خطة هذه الحكومة شيئاً جديداً عن باقي الحكومات سوى أنها كانت واقعية في توصيفها لسعر صرف الدولار الكارثي على الواقع المعيشي، ولكنها تغاضَت عن هذا الأمر فطرحت في عشرات الصفحات ديباجات مالية تجسّد الصراع السياسي-المالي الذي أثاره رئيس الحكومة عندما صرّح بأنَّ حاكم مصرف لبنان لا ينسّق مع الحكومة في التعاميم التي يصدرها.

إنطلاقاً من فقدان الخطة الإصلاحية للحكومة للحلول التي كان يجب أن تقدمها للمواطن على المدى القصير، ومن ثم تطرح خطها على المدى المتوسط، نقدّم هذه الخطة الواقعية لحماية المستهلك، كبديل عن صفحات التنظير التي خَطّتها الحكومة في خطتها التجويعية.

لا ينتظر المواطن اللبناني اليوم سوى أن تقدّم له الحكومة خطة تخرجه فيها من غلاء المعيشة الذي أفقده توازنه بالتزامن مع الخسائر التي ترتبت على العديد من القطاعات منذ 17 تشرين الأول 2019 وصولاً إلى أزمة وباء كورونا، وارتفاع الأسعار الجنوني في المواد الاستهلاكية الأساسية والتي تخطّت نسبة 233 % من أسعارها الحقيقة، فنسفت قوت يوم الطبقة المتوسطة من جهة، ونسفت الفقراء من جهة أخرى. لذلك، لا بد أن نبحث في كيفية الخروج من هذه الأزمة، وعودة التوازن إلى المواطن اللبناني، لكي يستطيع أن يثق بهذه الحكومة قبل أن نحدثه عن إعادة التوازن في العام 2024 إلى المالية العامة، لأنّ هذا الأمر لا يعنيه طالما أنه لا يستطيع أن يؤمّن قوت يومه ويكفي أولاده وعائلته.

إنطلاقاً منه، لا بد من توصيف العلاقة المترابطة بين مختلف المسؤولين عن هذه الأزمة، لنقدّم بعدها الحل المناسب لها.

نظراً لأننا نعتمد كثيراً على الإستهلاك، لذلك نحن نحتاج إلى عملة أجنبية لاستيراد المواد الاستهلاكية. وبما أنّ عملتنا الوطنية هي الليرة اللبنانية، لا بد من التوجّه نحو مصرف لبنان للاستيراد بالعملات الأجنبية، بالتالي فقد ذكرنا في الرسم التوضيحي رقم 1 دور مصرف لبنان للاستيراد من الخارج.

وبما أنّ القانون لم يوجد علاقة بين المواطن ومصرف لبنان، توجّهنا نحو الحكومة التي تمثل العلاقة بين المواطن ومصرف لبنان، وهي المسؤولة عن ثبات الاستقرار في السوق الإستهلاكية، وعن كل ما يخصّ المواطن. ولكي تكون العلاقة أكثر تنظيماً في الاستهلاك من الخارج، نقترح على الحكومة إنشاء نقابة أو عدة نقابات (منها ما هو موجود ومنها ما يجب استحداثه) من أجل استيراد المواد الإستهلاكية الأساسية، ضمن نظام تجاري يحمي الصناعة الوطنية من جهة، ويضمن رقابة الحكومة على الاستيراد من جهة أخرى.

بعد هذا التوصيف للعلاقة بين مختلف الأطراف التي تم ذكرها في الرسم التوضيحي الأول، نتّجه الآن نحو الخطوات التنفيذية لهذا المخطط الذي يضمن استقرار أسعار السلع الأساسية، وأهم هذه الخطوات:

1 – تنظيم عملية استيراد المواد الإستهلاكية الأساسية من قِبَل الحكومة ممثلة بوزارة الإقتصاد والتجارة كوسيط بين السلطة المالية المتمثلة بمصرف لبنان، ومراكز توزيع معتمدة للتجارة العامة في المواد الإستهلاكية ضمن نقابة تُستحدث لهذه الغاية.

2 – يقوم مصرف لبنان بتغطية الإستيراد بالعملة الصعبة بناءً لمعايير تحددها وزارة الإقتصاد والتجارة مع هذه النقابة المستحدثة.

3 – تصل السلع إلى المستهلك بأسعار محددة ضمن هوامش محدودة تتناسَب مع مختلف الطبقات الإجتماعية خاصة الطبقة الأكثر فقراً والطبقة المتوسطة، حيث يجب دراسة الحد الأدنى للأجور ليتناسب وواقع الاستيراد الذي يفرضه الواقع السياسي المحلي والإقليمي.

ولكي تتماشى هذه الخطة التي نقدمها مع الخطة الإصلاحية المالية التي تطرحها الحكومة، بالإضافة إلى القدرة الشرائية للمواطن اللبناني، يجب اعتماد مبادئ أساسية في الإستيراد، وعلى رأسها سعر صرف الدولار. ولهذه الغاية نستعرض الرسم التوضيحي رقم 2.

ما أغفلته هذه الحكومة في خطتها الإفتراضية أنها تستند إلى سعر صرف دولار يساوي 3500 ل.ل. أي ما يوازي قرابة 233 % من سعر صرف القدرة الشرائية للمواطن اللبناني، ونفس الأمر بالنسبة لمصرف لبنان الذي يعتمد سعر صرف 1507 ل.ل. للدولار الواحد. بالتالي، على الحكومة، والتي تمثّل الوسيط بين مصرف لبنان والمواطن اللبناني، أن تقوم باعتماد سعر صرف يتناسب والقدرة الشرائية للمواطن اللبناني في كل ما يخصّ السلع الإستهلاكية الأساسية أي سعر 1507، وإلّا فماذا ستكون فاعلة في هذه الحالة؟

إذا لم تَتنبّه الحكومة اليوم قبل الغد إلى ما تم ذكره، فهي ستكون متّجهة وبتسارع كبير جداً نحو استمرار سياسة إغراق المواطن في الهاوية، ليصبح الحد الأدنى للأجور قرابة الـ200 $، بالتالي سيتحول تقدير الحكومة في خطتها بالنسبة لنسبة الفقر في لبنان من 48 % إلى قرابة 75 % من اللبنانيين برأينا، بحيث برّرت الحكومة الزيادة في نسبة الفقر بسبب تنفيذها لخطتها الإقتصادية.

اليوم، ما قدمته الحكومة في خطتها الإصلاحية يتضمن الكثير من الفرضيات والنظريات التي تستند إلى ركائز صعبة المنال، كربط المساعدات للعائلات الأكثر فقراً ببرنامج دعم دولي، واستناد بعض بنود نجاح الخطة إلى عودة الأموال المنهوبة، والاقتراض من الخارج، وجدولة الدين العام، مقابل إغفالها العديد من النقاط المفصلية التي لم تغص في تفاصيلها، كخطة استنهاض الإنتاج المحلي، والتصنيع المحلي، والزراعة المحلية، والتصنيع الزراعي، وخَصخصة الكهرباء بدل الاستناد إلى الفشل المتوارث منذ عقود.