IMLebanon

لا ثقة بِلا الشفافية المطلقة

كتب فادي عبود في “الجمهورية”:

إنّ الخطوات التي تتخذها الحكومة مشجّعة، ويبدو انّ هناك نيّة حقيقية للعمل الجدّي، ولكن المشكلة انّ الثقة مفقودة اليوم، بعد ان عانى اللبنانيون الأمرّين من فساد المسؤولين، والغموض الذي أدّى الى انفجار الوضع الاقتصادي وتكبيدهم خسائر قد تودي بجنى عمرهم.

أي خطة اقتصادية مطروحة اليوم لن تنجح اذا لم تُستعاد الثقة، ثقة المواطن والمستثمر والمغترب والمودع، هذه الثقة هي المحرّك الحقيقي لأي نمو اقتصادي في المرحلة المقبلة .

انّ استعادة الثقة لن تتمّ إذا لم يتمّ إقرار وتطبيق قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة، ليعرف الناس خطوة بخطوة ما تقوم به الحكومة من إجراءات واتفاقات. مثلاً، بدأ لبنان بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي، هذه المفاوضات يجب ان تكون مفتوحة وعلنية للشعب، ليعرف ما يتمّ الاتفاق عليه، لأنّ فيها مصير شعب بكامله.

لا نعرف ما الذي يمنع الحكومة حتى الآن من الإعلان أنّها ستطبّق الشفافية المطلقة في كل مجالات عملها، إذا كانت فعلاً تريد ان تبدأ عهداً جديداً من الإصلاح؟ وكيف تستبعد حتى الآن قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة، وهو الحلّ الاسرع لاستعادة ثقة الناس واثبات انّ هذه الحكومة مختلفة عن غيرها؟

 

كذلك يجب ان تعمل الحكومة بالتعاون مع المصارف على استعادة ثقة المودعين وتعويضهم ما خسروه، واعتماد شفافية مطلقة في التعامل مع المودع في المرحلة المقبلة. مثلاً، تقوم المصارف حالياً بإعطاء الدولار للمودعين بأقل من قيمته الحقيقية، وذلك لتستعيد بعض الخسائر التي تقول انّها تحمّلتها بسبب المصرف المركزي. هذا الإجراء غير مقبول ويؤدي الى استنزاف الودائع وخسارة المودعين والأهم، تضييع الثقة.

من الضروري ان تحافظ المصارف على الثقة حتى لو تكبّدت الخسائر، فهذا القطاع يجب ان يستمر، لأنّ انهياره هو انهيار للاقتصاد اللبناني.

ولذلك ايضاً، يجب ان تضغط المصارف مع من يضغطون، في اتجاه تحصيل مداخيل يتمّ توجيهها لتسديد الدين العام حصراً وهي :

– بيع الدولة اراضٍ تملكها بشفافية مطلقة.

– مداخيل اخرى يجب ان تستعيدها الحكومة من اتفاقيات سابقة مجحفة بحق الدولة، ويمكن ان يُطعن بها ومحاسبة من كان وراءها.

– مداخيل للدولة من مخالفات الاملاك البحرية، حيث بدأت أخيراً عملية ملاحقة المخالفين في ملف الاملاك البحرية، وهذه يجب ان تتمّ بشفافية كاملة عبر:

– اولاً، اعلان الممتلكات التي تمّ الاستحواذ عليها، وقيمة الغرامات المدفوعة، والتأكّد من أنّ الغرامات منطقية وليست غرامات مخففة بضغط سياسي.

– ثانياً، الإعلان عن كافة التسويات التي تمّت سابقاً وتفاصيلها، والتأكّد من انّها عادلة ولم تتمّ عبر احتيال لمصلحة المتعدّي، وحرمان الدولة من واردات مهمة.

اما بالنسبة الى المتخوفين من بيع وخسارة الدولة لأملاكها وعدم قدرتها على توريث الاجيال المقبلة، فإنّ بيع الاراضي في لبنان هو عملية تبادل مستمرة، بين البيع والشراء، وبالتالي عندما تتحسّن اوضاع الدولة وتسيطر على الدين العام، يمكنها ان تشتري اراضي معينة مجدداً، إذا تبيّن انّ لها مصلحة في ذلك، أي اراضٍ ذات قيمة اقتصادية واستراتيجية، ويمكن ان تتحول مشاريع مهمة تخدم اجيال المستقبل، فتبيع اليوم لأنّها في ضيق مادي، وتشتري غداً عندما يزدهر الاقتصاد .

هنالك كثير من الافكار عند كثيرين، لمشاريع حيوية ومهمة حالياً ومستقبلاً. ولكن، تبقى الأولوية هي قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة. فمن دونه للأسف ستكون كل الخطط والمشاريع مهدّدة بالفشل. وسأتطرق في المقال المقبل الى الاتفاقات المجحفة..