IMLebanon

يوم كانت الكتائب “الحزب”

كتب جوزيف الهاشم في صحيفة “الجمهورية”:

… سمعوا الشيخ سامي الجميل يتحدّث في الشأن العام فسمعناهُم يوجّهون الإتهام الحادّ إلى حزب سامي الجميّل، كمثل مَـنْ يكره صلاة الكاهن فتتحّول المشاعر ضـدَّه إلى عداوةٍ للدين.

وحزب سامي الجميل، قبل الذين تناوبوا عليه بعد المؤسِّـس، كان هو: حزب الله والوطن والعائلة.

أكبر حـزبٍ في لبنان كان، وأكاد أقول من أكبر أحزاب منطقة الشرق الأوسط… ومع أنّ المناطق المسيحية بمعظمها كانت مواليةً له، وقد اشتهر بخطباء العربية المتفوّقين يوم كان لسان الخطيب يقمع الساجدين أمام أمراء الخليج… فلم تبلغ كتلة الكتائب البرلمانية في أعلى أيام العـزّ أكثر من تسعة نواب.

يومها… كانت المواجهات في الساحات تستنهض الرجال، وحين تقلَّصتْ خصائص الرجولة، وجَـفَّ الخِصْـبُ في الأرحام، أصبحت الكتل البرلمانية حصيلةَ شبكةٍ تُلقى في اليـمِّ فتصطاد من السمك ما هـبَّ ومن الزواحف ما دبَّ.

بالعودة إلى سامي الجميل، ومع أنَّ الإِرث كان أثقل من منكبَيْـهِ، إلاّ أن المؤسسة طبَعَـتْ فيه ميزتين:

– ميزة الثوابت السيادية وعدم الإشراك الوطني بما هو وطـنُ ظـلّ.

– وميزة تعقيم اليدين عند ملامسة المال العام.

ولا شأن لي هنا، في تحليل الشخص الطبيعي فيه أو الشخص المعنوي على قاعدة اصطلاح المنطقيّيـن.

مثلما اكتسب سمير جعجع مثلاً من المؤسسة النزعة الكيانيَّـة ودقّـة التنظيم الحزبي، وليس من شأني أنْ أحلّـل الشخصانية فيه، من حيث هي مذهبٌ ومفاهيم وسلوكيات.

هـمْ يسمعون… ونحن نسمع بعضَهم يعتلي المنابر، يحدِّثنا من فوق، يُطلق التصاريح الوطنية كالتسابيح، وتنظر بفراسةٍ إلي، فترى أنّ الغَـزلَ دجَـل، وأنّ الآلـة اللّسانية تتحرك بواسطة البطّاريات المعدنية لا بواسطة بطّارية القلب.

لعلّ المصيبة الكبرى التي دحرجَت لبنان في مهاوي الإنهيار، ليست في المطلق، بسبب خفّـة القامات والهامات وقلّـة المعرفة والذكاء، بقدر ما كانت ببراعة التكاذب الوطني وازدواجية الولاء.

إزدواجية الولاء تـؤول إلى إزدواجية الأرض وازدواجية الحكم، وازدواجية المؤسَّسات وازدواجية الحدود، وفي الإزدواجيّات والثنائيات تكون السلطة الأقوى للجانب الثنائي الأقوى، وعلى الأضعف أن يتحمّل مغبَّـةَ الخطايا.

التسوية الميثاقية سنة 1943 سقطت وهي تـترنّح بين اللبنانية واللَّبْـنَنة، التي يطرحها بعض العقائديّين.

اللبْـنَنة بمعناها القاموسي، هي التحـوُّل من اللاّلبنانية إلى اللبنانية، وهذا التحوّل منذ سنة 1943 لا يزال يتخبّـط في المخاض.

والمصيبة الأخرى، هي أننا درَجْنا منذ الإستقلال على ممارسة تعتَـبر، أنّ المخادعة والكذب نـوع من الثقافة الدبلوماسية، وأنَّ الكذب في السياسة كالكذب في الحـبّ مسموحٌ ومغفور، وأنّ «لا ملائكة في السياسة» على ما يقول العالِم السياسي «هارولد لاسكي».

سياسةُ: لا ملائكة في السياسة، جعلت السياسة الوطنية عندنا محكومة بالشياطين فأنتـجتْ كفـراً، فيما «حـبّ الوطن من الإيمان»، ومخادعـةُ الوطن كمخادعة الله… «إنّ المنافقين يخادعون اللهَ وهو خادِعُهم» – «سورة النساء».

الإتحاد السوفياتي سقط، لأنّ القيمة الروحية فيه إغتالها النظام، والقيمة المادية التي هي أساس النظام إغتالتها الشيطنة، وحين كانت أميركا الشيطان الأكبر إضطرّ إلى الإستعانة بهذا الشيطان لدفع الرواتب في الدولة.

المسيرةُ التاريخية عِبـرةٌ للأمـم… والأمم تنتهي عندما ترقص حولها الشياطين وأهلها يتشاجرون حول أجناس الملائكة.