IMLebanon

مُبْعَدون… إلى متى؟

كتب سعيد مالك في صحيفة “الجمهورية”:

يعقد المجلس النيابي اليوم جلسة تشريعية، وعلى جدول أعماله سبعة وثلاثون بندًا، من ضمنها إقتراح القانون المُتعلّق بالعَفو العام.

في الجلسة التشريعية التي انعقدت بتاريخ /21/ و/22/ نيسان المُنصرم، تقدّم السّادة النوّاب بخمسة إقتراحات قوانين تتعلّق بالعَفو العام، أوّلها من النائبين «ياسين جابر وميشال موسى»، وثانيها من النائب «بهيّة الحريري» وثالثها من النائب «جميل السيّد» ورابعها من النائب «نجيب ميقاتي وآخرين» وخامسها من النائب «ميشال معوّض». صار ضمّها وإحالتها إلى اللجان النيابية المُشتركة، لِوَضع إقتراح قانون موحّد، يُعْرَض على الهيئة العامة للإقرار.

إجتمعت اللجان المُشتركة وَخَلُصَت إلى توحيد الإقتراحات، وخَرَجَتْ بإقتراح قانون، يُعرض اليوم على الهيئة العامة للتصويت عليه قانونًا.

تضمّن الإقتراح النهائي، والذي سيُناقش اليوم في الهيئة العامة، باقة متنوّعة من الإعفاءات، وسلّة تناولت غالبيّة الجرائم بما فيها جرائم المُخدّرات.

وبمُجرّد الإطّلاع على مواد هذا الإقتراح، يُستشم وبشكل فاضح، الصفقة المعقودة بين الثُّنائي الشيعي وتيّار «المُستقبل»، مع إستبعاد حقيقي لمصالح ومطالب الأحزاب المسيحية، والتي إستُبعِدَت أصلاً عن المطبخ التشريعي للقانون.

وبالعَوْدة إلى الأسباب الموجبة لإقتراح قانون العَفو العام، والذي سيُناقَش اليوم في الهيئة العامة، يتبيّن أنّها تكلّمت عن ضرورة مُعالجة الأوضاع العالقة منذ تحرير الجنوب عام /2000/. وأيضًا تضمّنت إعلاءً لمبدأ الصّفْح، والذي يُعزِّزُ السِّلم الأهلي ويُساهِمُ في إعادة اللُحْمة بين أبناء الوطن الواحد (سندًا لما جاء حرفيّاً في الأسباب الموجبة للقانون).

فَعَنْ أي مُعالجة للأوضاع العالقة منذ تحرير الجنوب عام /2000/ نتكلّم؟

وعن أي صَفْحٍ نتحدّث؟

وأيُّ تعزيزٍ للسِّلم الأهلي نقصد؟

وأين نحن مِنْ إعادة اللُحمة بين أبناء الوطن الواحد يا تُرى؟

مَنْ نَتَكَلَّمْ عنهم، هم مَنْ تَنَصّلَتْ الدولة عن واجباتها تجاههم.

مَنْ نتكلّم عنهم، هم مَنْ تخلّت الدولة عنهم، وتَرَكَتْهُم لمصيرهم.

مَنْ نتكلّم عنهم، هم مَنْ أُرْغِموا مُكْرَهين على الدّخول إلى الأراضي المُحتّلة، تحت وطأة الحاجة وتأثير الخوف.

مَنْ نتكلّم عنهم، هم أبناء هذا الوطن، هم إخواننا في المواطنية، ألا يستحّق الأمر لفتة من الدولة لَهُم؟

ولا نقصد بكلامنا العميل والمرتكب ومن خدم في جيش لبنان الجنوبي. حيث هؤلاء يجب ان يخضعوا للمحاكمة العادلة.

بتاريخ 18/11/2011 صَدَرَ القانون رقم 194 /2011، والذي نُشر في الجريدة الرسمية بالعدد رقم /55/ تاريخ 24/11/2011، حيث فرّق بين مَنْ خَدَموا في ميليشيا «جيش لبنان الجنوبي»، والذين فرّوا إلى الأراضي المُحتّلة، وبين المواطنين الذين لم ينضَووا عسكريًا وأمنيًا (بِمَنْ فيهم عائلات مَنْ خَدَمَ في ميليشيا جيش لبنان الجنوبي) ولجأوا إلى الأراضي المُحتّلة إثر التحرير. حيث سُمِحَ للفئة الثانية بالعودة، ضمن آليات تُحدّد بمراسيم تُتّخذ في مجلس الوزراء. وحتى تاريخه لم تصدُر هذه المراسيم، مما أبقى القانون حِبْرًا على ورق.

أمّا اليوم،

فلا سبيل لأي تعزيزٍ للسِّلم الأهلي، ولا مسار لإعادة اللُحمة بين أبناء الوطن الواحد، إلاّ عبر مُعالجة مسألة المُبْعَدين (وليس المقصود هنا العملاء على الاطلاق)، فالقانون رقم 194 /2011 لم يُبْصِر النور. وعشرات آلاف من اللبنانيين بإنتظار هذا القانون، فهل سيشملهم؟

وبقراءةٍ متأنّيةٍ لما تضمّنه نص الإقتراح، يتبيّن جليّاً أنّه تضمّن آلية لعودة هؤلاء، تعتريها العديد من الشوائب، يقتضي معالجتها قبل إقراره.

الكثير من الأسئلة تُطْرَح حول الآلية، فهل ستُعالَج قبل لحظة التصويت، أم ستمتنع كتل وتُصوّت ضد هذا القانون إعتراضًا على عدم تلبية مطالبها؟

مع الإشارة أيضًا، إلى أنّ القانون تضمّن تخفيضات في العقوبات، علماً أنّ قانون عفو عام لا يُمكِن أن يتضمّن تخفيضات في العقوبات، فإمّا هو قانون عفو عام، أم قانون تخفيض عقوبات.

وأكثر ما يُثير الدّهشة في إقتراح القانون، ما نصّت عليه المادة التاسعة منه، من إعفاء من كامل العقوبة لِمَنْ نفّذ ثلاثة أرباع مدّة عقوبته …..كذا….. .

فذلك يعني، أنّ مَنْ حُكِمَ عليه بِجُرْم غير مشمول بالعفو العام، بإستطاعته الخروج من سجنه بِمُجرّد تنفيذه ثلاثة أرباع مدّة عقوبته.

فهل ستُوافِق عليه الكتل النيابية، لا سيما مَنْ تُجاهر برَفْضها الإعفاء عن مَنْ تعرّض للجيش اللبناني؟

كذلك،

مَنْ نفّذ ثلاثة أرباع عقوبته يُخْلى سبيله. أليْسَتْ عقوبة الإبعاد لأبناء الجنوب (وطبعاً لا نتكلم عن العملاء) لمدة عشرين عامًا، كافية لإخلاء سبيلهم والعفو العام عنهم؟

لماذا لا يستفيد من العفو العام مَنْ صدرت بحقّهم أحكام غيابية منذ ما يزيد عن الخمسة عشر عامًا، ولم يتّم إلقاء القبض عليهم لغاية تاريخ نفاذ هذا القانون؟

كل ذلك لنؤكّد، أنّ إقتراح قانون العفو العام، أمام ساعات مفصليّة، إمّا أن يُشكّل خشبة الخلاص للوطن، وإمّا أن يكون على قياس مَنْ فصّله وعلى قياس المحظوظين من جماعته.

عندها، لا تتفاجأوا إن جاء القانون بِلًونٍ واحد، وبنكهةٍ واحدة.