IMLebanon

المسؤول يسأل: “أما لهذا الليل من آخر”؟

كتب نبيل هيثم في صحيفة “الجمهورية”:

«أما لهذا الليل من آخر»؟ بهذه الكلمات يعبّر أحد كبار المسؤولين عن عتمة أزمة حادة السوداوية أفلتت من أيدي الجميع، ولا يمتلك أحد زمام الأمور فيها، ولا تُرى فيها طاقة فرج أو ثغرة نور!.

تلك الكلمات تعكس حالاً من اليأس، أوردها المسؤول المذكور، في معرض توصيفه لحال «بلد سقط وكثر سَلّاخوه، سقط بإرادات متعدّدة الأبعاد، متداخل فيها الداخل والخارج في آن معاً»، وطاقة الفرج التي لا تُرى، يعبّر عنها بيت الشعر القائل:

«أنا إليك اليوم يا حَسرتي       أحوج من أعمى إلى ناظر».

تلك الكلمات، أوردها المسؤول لشعوره أنّ اللبنانيّين حُكم عليهم بالسجن داخل فيلم رعب لا نهاية له، يصارعون أشباح الافقار والتجويع وشياطين الفتنة، السّاعين لإيقاظها، وفي الساعات الماضية نجا لبنان من كارثة كادت ان تحصل على طريق الجنوب وتَتمدّد الى مناطق أخرى، لو لم يتم تداركها في آخر لحظة!

قال المسؤول تلك الكلمات «لأنّ الكآبة صارت عنوان بلد ينهار، وسلطته الحاكمة في غربة، مأخوذة فقط بنشوة الموقع والكرسي واللقب، والمواطن صار يتيم السلطة، سلطة أثبتت بجدارة وامتياز أنّها سلطة اللاشيء، تقود البلد الى لا شيء، وجَرّدته بالفعل من كلّ شيء».

سؤال يفرض نفسه هنا: عندما تثبت السلطة عدم أهليتها وتخسر نفسها بتخلّيها عن أبسط واجباتها البديهيّة، هل يُعوّل عليها، وهل فيها أصلاً من يُعوّل عليه؟ لا بل هل ينفع معها ترقيع؟

في الجانب السياسي المباشر على هذا الجواب، يتبدّى الآتي:

أولاً، حال البلد مع الحكومة كحال من سَلّم سيّارته الى «شوفير ما بيعرف يسوق»، فإن حاول ان يقلّع بها تتعطّل «وكلّ شْوَيّ تحتاج الى دَفش»، وإن بذل مجهوداً لكي يتقدّم بها ولو قليلاً، فلا تنال منه سوى «المَنتعة» والانحراف بها تارة نحو اليمين وتارة أخرى نحو اليسار، ويأخذها من مهوار الى مهوار. فما الحلّ في هذه الحالة هل تتغيّر السيارة أم يتغيّر «الشوفير»؟ بالتأكيد الجواب هنا لا يحتاج الى ذكاء او حك الدماغ»!

ثانياً، لا خلاف على أنّ الحكومة بلغت مرحلة الشيخوخة الكاملة، لكنّ احتمال تغييرها ليس ناضجاً. اولاً، لأنّ رئيسها لن يتخلى عن موقعه، وكما يقول زعيم وسطي: «لن يستقيل تحت ايّ ظرف، حتى ولو ربطته وحاولت ان تسحبه من السرايا بشاحنة «سيكسويل» فلن يتزحزح من مكانه. وثانياً، لعدم توفّر بديل، او بالأحرى «الفدائي» الذي يمكن ان يقبل بتَولّي رئاسة الحكومة في هذه المرحلة. وبالتالي، الحكومة على عِلّاتها، تبقى أقل ضرراً من الفراغ الذي يمكن ان يترتّب على أي خطوة غير مدروسة في هذا المجال. وثالثاً، لأنّ سعد الحريري بوَصفه الممثل الاكبر للحالة السنية في لبنان، والأوفر حظاً لتسميته رئيساً لحكومة جديدة، مُستنكف، وينتظر اللحظة التي يعود فيها على حصان أبيض الى رئاسة الحكومة. ثمّة من يقول في هذا المجال انّ رئيس الجمهوريّة يرفض عودة الحريري، لكن هذه العودة او عدمها، تقرّرهما الاستشارات النيابية الملزمة.

ثانياً، طالما انّ الحكومة باتت حكومة أمر واقع إلى أجل غير مسمّى، فالمطلوب ان نشتغل بالموجود، بما يسمّى «تلازم المسارين»، بين ضرورة لجم ارتفاع الدولار، وبين الشروع فوراً بإصلاحات جذرية. اللجوء الى صندوق النقد الدولي كان خطوة ضرورية، لكن لا يجب التوقف هنا، وليس من الحكمة على الاطلاق ان نضع كل أغراضنا في سلة صندوق النقد، فقرار الصندوق في شأن لبنان سيتأخّر لبضعة اشهر، والأهم انه مهما سلّفنا صندوق النقد من أموال، هذا اذا أعطانا، لن يكون كافياً، او بالأحرى سيكون نقطة في بحر ما نحتاجه، فالأساس هو محاولة تقليل الخسائر، ومع صندوق النقد او من دون صندوق النقد، هناك ما يجب ان تقوم به الحكومة، كلّ الناس في الداخل والخارج نصحوها بالاصلاحات باعتبارها باب وصول المساعدات، وهي نفسها قد وعدت وألزمت نفسها بذلك، وعليها أن توفي، ولا تستطيع ان تستمر في موقع المتفرّج والغائب عن ساحة الانجاز.

 

ثالثاً، لن يكون مفاجئاً إذا بادرَ الاوروبيون الى رفع الغطاء عن حكومة حسان دياب، هذا ما نسمعه من الديبلوماسيين. والاميركيون ليسوا مقتنعين بها، ويعتبرون انها فشلت، و»قاطعين» الأمل منها ومن اي خطوة اصلاحية يمكن ان تقوم بها. (مثل هذا الكلام سمعته شخصيات لبنانية التقت بالأميركيين منذ ايام قليلة).

رابعاً، أزمة لبنان باتت مفتوحة، صحيح انّ لبنان مقصّر في حق نفسه، ولكن صحيح ايضاً انه متروك لا يلتفت اليه احد لا من الاصدقاء في الغرب ولا حتى من الاشقّاء.

خامساً، هناك قرار بمنع دخول دولار الى لبنان، والاميركيون ليسوا بعيدين عنه. وهم لا يخفون هدفهم بخلق معادلة جديدة في لبنان جوهرها الاساس خَنق «حزب الله»، وهنا ينبغي رصد الحضور الاميركي المكثّف في هذه المرحلة، إن عبر وزير الخارجية مايك بومبيو ودعوته اللبنانيين الى فك الارتباط مع «حزب الله»، او عبر مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط دايفيد شينكر او عبر السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا. كل ذلك يوحي وكأنّهم قرروا أن يدخلوا مباشرة، ومن دون وسيط، على خط الازمة، وطبعاً لخدمة هدفهم المُعلن. وإن صحّ ذلك، فالباب اللبناني يصبح مفتوحاً على ضغوطات أكبر، وعلى احتمالات أصعب.

ماذا عن «حزب الله»؟

«حزب الله» يشعر بحجم الضغط عليه، ثمة مَن افترض انه قد يبادر الى خطوة نوعية مثل الخروج من الحكومة وعدم المشاركة في الحكومات اللاحقة، كمبادرة منه لتخفيف وطأة الازمة، إلّا انّ موقف الحزب يتلخّص بالآتي: «لا نقبل أن نتحاصَر في لبنان او في المنطقة تحت اي عنوان، وكل ما قمنا به على مدى سنوات طويلة لكي يكون لنا حضور سياسي وشراكة وموقع في هذا البلد، لن نسمح بأن يأتي أحد من الداخل او من الخارج ويعيدنا الى الوراء، فهذه مسألة وجودية بالنسبة إلينا».

امام هذه السخونة والاحتمالات السوداوية، يكشف زعيم وسطي بأنّ معلومات تواتَرت إليه حول مفاوضات اميركية إيرانية تجري في عُمان، ويقول: حتى الآن لا أستطيع تأكيد هذه المفاوضات، مع انني لا أستبعدها، وإنْ صحّت المعلومات فإنّ هذه المفاوضات، سيُحدّد إيجابياتها أو سلبياتها، اتجاه الرياح في لبنان.