IMLebanon

لبنان بين حدّيْ الضغط الأقصى و”أوكسجين طوارئ”

7 آب 2020، تاريخٌ مفصلي انضمّ إلى رزمة الأحداث الكبرى في روزنامة الوطن الصغير الذي يسير على «جمْرِ» صراعٍ إقليمي طاحِنٍ انكشف على تشظياته وأزمة مالية – اقتصادية – معيشية هي الأعتى منذ نشأته ويعانِد السقوط في… «محرقتها».
فبعد 26 يوماً تُصْدِر المحكمة الدولية الخاصة بلبنان حكمها المنتظَر في جريمة اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري التي وقعت في 14 شباط 2005 والتي يُحاكَم فيها غيابياً أربعة مُتَّهَمين من «حزب الله» هم سليم عياش، حسين عنيسي، أسد صبرا وحسن مرعي.
ومع إعلان المحكمة الدولية (مقرها في لايتشندام – هولندا) عن الموعد الجديد للنُطق العلني بالحكم الذي كان مقرَّراً في منتصف أيار الماضي وتم إرجاؤه حينها «نظراً للظروف السائدة بسبب فيروس كوفيد – 19»، بدا لبنان على مَشارف محطة «فوق عادية» يُخشى أن تتحوّل «جاذبة صواعق»، محلّياً ودولياً، في ضوء الأبعاد الاستثنائية السياسية والقانونية التي سيكتسبها توثيق حُكْم «مذنب» في محكمةٍ أنشئت بموجب قرار صادرٍ عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع (1757 في 30 أيار 2007).
ولم تتوانَ أوساطٌ سياسية عن اعتبار أن الواقع اللبناني سيدخل بعد 7 آب منعطفاً جديداً مفتوحاً على فصول أكثر حدة من التدافع الخشن الذي تزداد مَظاهره على وهج المكاسرة في المنطقة، معتبرة أن الحُكْم في «زلزال 14 شباط 2005» الذي سرعان ما تَوَسَّعَ «الفالقُ» الاقليمي الذي وقَعَ عليه ليطال تباعاً المنطقة برمّتها، سيتحوّل معطى لا يمكن القفز فوقه لا داخلياً في «الحرب الباردة» مع «حزب الله» الذي بات يُمْسِك بكل مَفاصل السلطة وسط «انحناء» الخصوم تحت شعار «الواقعية»، ولا خارجياً وخصوصاً في المواجهة الأميركية – الإيرانية الطاحنة التي يشكّل الحزب هدفاً رئيساً فيها لواشنطن.
وفي رأي هذه الأوساط أن الحُكْمَ المرتقب في الجريمة التي فتحتْ البابَ أمام مسارِ تدجين متدرِّجٍ للتوازنات في لبنان بامتداداتها الاقليمية يطرح علامات استفهامٍ حول ارتداداته السياسية وسط غياب أي أرضية داخلية لاستيعاب مفاعيله في ظل تشابُك واقع «سلطة اللون الواحد» مع السقوط المالي المريع وآثاره الكارثية معيشياً واجتماعياً، ناهيك عن «التحفّز» الخارجي والأميركي تحديداً لإكمال «الإطباق» على «حزب الله» ربْطاً بدوره كرأس حربة للمشروع الإيراني في المنطقة.
وإذ لم يكن مفاجئاً كلام نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم تعليقاً على تحديد موعد صدور الحكم عن «ان هذا الموضوع خارج اهتمامنا، ولا علاقة لنا لا بالحكم ولا بالنتائج… ولا مفاعيل له في الداخل اللبناني… ولدينا قواسم مشتركة مع تيّار (المستقبل) والرئيس سعد الحريري»، استوقف الأوساط نفسها المناخ أو الخطوط التي توحي السلطة بفتْحها مع دول عربية ومساعي سكْب مياه باردة على العلاقة مع الولايات المتحدة في سياق محاولاتٍ متجددة لالتقاط طرف «حبْل نجاةٍ» من الانهيار الشامل.
ولاحظت الأوساط في هذا الإطار مجموعة من المحطات التي ارتسمت في الساعات الماضية وأبرزها:
• اللقاء الطويل الذي عقده رئيس الحكومة حسان دياب مع السفيرة الأميركية دوروثي شيا في السرايا والذي تخلله غداء، ولا سيما أن هذا الاجتماع جاء بعد انتقادات لاذعة وجّهها دياب للسفيرة من دون تسميتها، على خلفية ما اعتبره «تدخلات في الشؤون اللبنانية»، وسط تقارير أشارت إلى أن شيا سمعت من دياب «ان لبنان جسر بين الشرق والغرب وهو منفتح عليهما، وما يتوافر له من فرص لمشاريع ملحة لشعبه، كهربائية كانت او غيرها، سيلجأ اليها»، وأنه أبلغها «ان وزير الخارجية ناصيف حتي يعدّ رسالة لمخاطبة بلادها حول الاعفاءات المطلوبة من قانون قيصر»، وأن لبنان طلب مساعدة الولايات المتحدة في مختلف المجالات وخصوصاً مع صندوق النقد الدولي لجهة استعجال المفاوضات.
• ما نُقل عن دياب من «ان المشاورات مع الحكومة العراقية قطعتْ شوطاً مهماً، وأن حصول لبنان على نفط عراقي بأسعار مخفّضة، سيؤدي إلى تقليص فاتورة النفط بنحو ملياريْ دولار سنوياً»، وأن «تأكيدات تلقاها من الحكومة الكويتية حول إمكان مساعدة لبنان في وقت قريب جداً، فيما وجّهت قطر أكثر من رسالة ايجابية تعبّر عن رغبتها في مدّ يد المساعدة».
• رسالة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لرئيس الجمهورية ميشال عون والتي كشفت صحيفة «نداء الوطن» أنّها أتت بعد تلقي الأول قبل نحو شهرين رسالة من عون تمنى عليه فيها أن تلعب مصر دوراً في دعم لبنان ومساعدته في ظل الظروف السياسية والاقتصادية التي يمر بها، كاشفة أن الردّ المصري جاء على شكل «نصيحة» تتمحور في جوهرها حول التشديد على نقطتين أساسيتين لا يمكن التغاضي عنهما في معالجة الأزمة «وجوب قيام اللبنانيين أنفسهم بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة منهم والإسراع في التجاوب مع متطلبات صندوق النقد الدولي»، والنقطة الثانية تركّز على ضرورة التزام لبنان قرار «النأي بالنفس» عن صراعات المنطقة والمحاور.
وحرصت الأوساط السياسية على اعتبار أن من الصعوبة بمكان تَصَوُّر وجود قرار عربي – دولي في هذه اللحظة بمدّ يد المساعدة للبنان بمعزل عن معادلة الإصلاح والنأي بالنفس، لافتة إلى أن أقصى ما يمكن التفكير فيه هو كيفية تأمين صيغةٍ بدفْعٍ أميركي توفّق بين الحفاظ على ضغط الحدّ الأقصى على «حزب الله» وفي الوقت نفسه توفير «أوكسجين طوارئ» للبيئات الأكثر حاجةً في لبنان والإبقاء على دعم الجيش، ومتوقّفة في هذا الإطار عند ناقوس الخطر الذي قرعته المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليه حيال الوضع في لبنان «الذي يواجه أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، والذي يخرج بسرعة عن السيطرة)»، كاشفة أن بعض اللبنانيين الأكثر ضعفاً «يواجهون خطر الموت بسبب هذه الأزمة، وعلينا التحرك فورا قبل فوات الأوان».
واتخذ تذكير باشليه بأن «الأزمة الاقتصادية، مصحوبة بجائحة كوفيد – 19، طالت المجتمع بأسره» بُعداً أكثر خطورة ولا سيما في ضوء التمدُّد المخيف لفيروس كورونا المستجد في الأيام الأخيرة بعدما سجّل لبنان في 48 ساعة (الخميس والجمعة) 137 حالة جديدة (رقم قياسي) مع بروز بؤر في أكثر من منطقة.