IMLebanon

الكارثة حرّكت الصندوق والبنك الدولي: مساعدات لا علاقة لها بالإصلاحات

كتبت رنى سعرتي في جريدة الجمهورية:

قد يشكّل انفجار بيروت فرصة أمام لبنان للحصول على دعم مالي خارجي غير مشروط بالاصلاحات، على عكس ما كان يصرّ عليه المجتمع الدولي، خصوصاً صندوق النقد الدولي، خلال المفاوضات التي كان يخوضها مع الحكومة اللبنانية بعد تخلّفها في آذار عن سداد ديونها بالعملة الأجنبية، والتي تعطّلت في ظل تقاعس الحكومة عن تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، ووسط خلافاتها مع مصرف لبنان والمصارف حيال الخسائر المالية الضخمة التي ستتحمّلها البلاد.

هَبّ المجتمع الدولي بعد انفجار بيروت الضخم الى مساعدة لبنان لانتشاله من الكارثة الانسانية التي أصابت شعبه، وأرسلت مختلف الدول تباعاً جميع أنواع المساعدات، متغاضية عن الشروط التي سبق وأن وضعها المجتمع الدولي لحصول لبنان على أي دعم كان. إلّا انّ نافذة الامل الأبرز ستكون عبر إمكانية حصول لبنان على دعم مالي، هو في أمسّ الحاجة إليه، من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. فقد أعلن الصندوق، في بيان، انه «يستطلع جميع السبل الممكنة لدعم الشعب اللبناني عقب الانفجار المروع الذي هزّ العاصمة بيروت»، رغم انه حَثّ السلطات على المضيّ في الإصلاحات. كما حثّت مديرة الصندوق كريستالينا جورجيفا المجتمع الدولي أيضاً وأصدقاء لبنان على «تقديم يد العون». واكدت انّ «صندوق النقد يستكشف جميع السبل الممكنة لدعم الشعب اللبناني.. من الضروري كسر الجمود في المناقشات المتعلقة بالإصلاحات اللازمة ووضع برنامج جاد لانتشال الاقتصاد من عثرته، وإرساء أسس المساءلة والثقة في مستقبل البلاد».

كذلك أكد البنك الدولي استعداده لتوفير خبراته في إجراء تقييم سريع للأضرار والاحتياجات بناءً على الخبرة العالمية في التعامل مع البلدان المنكوبة بالكوارث، وفي وضع خطة إعادة إعمار وفق المعايير الدولية. كما اكد البنك الدولي استعداده لتوفير الخبراء من جميع أنحاء العالم في إدارة عمليات التعافي وإعادة الإعمار التي تلي الكوارث.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ مجموعة البنك الدولي مستعدة للمشاركة الفاعلة من خلال منصّة تضم شركاء لبنان من أجل تأمين الدعم المالي العام والخاص لإعادة الإعمار. كما أنها على استعداد أيضاً لإعادة برمجة الموارد المخصصة حالياً للبنان، والنظر في إمكانية تخصيص تمويل إضافي لمساعدة الأشخاص المتضررين من هذه الكارثة في إعادة بناء حياتهم وأرزاقهم.

في هذا الاطار، أوضح رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية والاقتصادي السابق في صندوق النقد الدولي منير راشد انّ مجموعة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تمنح تسهيلات للدول التي تحلّ بها كوارث ضمن برنامج التمويل الطارئ الذي يقدّم مساعدات مالية في حالات الطوارئ للبلدان الأعضاء من دون الحاجة إلى وجود برنامج كامل مع البلد العضو، يكون جزء من تلك التسهيلات عبارة عن هِبات مالية والجزء الآخر قروض مالية بفوائد منخفضة جدّاً، على غرار التسهيلات التي قدمتها تلك المؤسسات مؤخراً للأردن للتعامل مع تداعيات فيروس «كورونا».

واكد راشد لـ«الجمهورية» انّ حجم الكارثة التي حلّت بلبنان سيخوّله الحصول على دعم مالي كبير من مؤسسات دولية عدّة مثل، البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، البنك الاوروبي، المجموعة الاوروبية وغيرها، «لأنه عند حصول كوارث من هذا النوع في أي بلد في العالم، لا يمكن لتلك المؤسسات ان تترك الدول المنكوبة تعالج أضرارها بنفسها، «خصوصاً انّ انفجار المرفأ هو أكبر انفجار غير نووي في العالم». وبالتالي، فإنّ «نسبة الحماسة لمساعدة لبنان ستكون كبيرة، وسيأتي حجم الدعم على قدر حجم الكارثة».

وذكّر راشد بأنّ صندوق النقد الدولي منح لبنان بعد حرب تموز 2006 ما قيمته 76.7 مليون دولار، في إطار برنامج المساعدة الطارئة لِما بعد الكوارث والحروب the Emergency Post Conflict Assistance (EPCA) على شكل قروض منخفضة الفوائد ومن دون أي شروط او إصلاحات مسبقة.

ورأى راشد انّ المؤسسات الدولية ستغضّ النظر في المرحلة الاولى عن الاصلاحات التي كانت تطالب بها الدولة اللبنانية كشرط أساسي للحصول على اي دعم مالي، «نظراً لحجم الكارثة التي ألمّت بالبلاد وحجم الدمار الذي خلّفته، والذي يتطلب مليارات الدولارات من اجل اعادة تأهيل البنى التحتية واعادة إعمار مرفأ بيروت، بالاضافة الى ترميم الابنية والمؤسسات والشقق السكنية والتعويض عن المتضررين». لكنه شدّد على انّ الدول والمؤسسات المانحة، في حال غَضّت النظر عن الاصلاحات حالياً، فإنها في المقابل ستركّز على عدم حصول سوء استخدام او اي نوع من الفساد في عملية صرف اموال المساعدات، وبالتالي ستحرص على عدم إرسالها عبر القنوات الحكومية المعهودة بسبب فقدانها الثقة بالدولة، وذلك بهدف التأكيد على وصولها الى الافراد او المؤسسات المتضررة من الانفجار.

وفقاً لذلك، قال راشد انّ لبنان سيحصل بالتأكيد على دعم مالي خارجي بعيداً من أي برنامج إنقاذ كان يتم التفاوض حوله مع صندوق النقد الدولي وخارج إطار خطة الحكومة الاصلاحية، ومن دون اي شروط او اجراءات إصلاحية مسبقة «لأنّ أزمة لبنان لم تعد أزمة سياسية بل إنسانية، ولأنّ الاولوية اليوم هي لبناء المرفأ وتأهيل البنى التحتية وترميم منازل الناس والتعويض عليهم مالياً».

وبالنسبة لإمكانية ان يؤدي اي دعم مالي خارجي الى نوع من الانتعاش الاقتصادي والمالي محليّاً في ظلّ أزمة شحّ العملة الاجنبية، أشار راشد الى انّ التأثير سيكون محدوداً لأنّ معظم الدعم المالي سيتم استخدامه لاستيراد السلع والمواد والمعدات المطلوبة في عملية إعادة الاعمار، لافتاً الى انّ اعادة تأهيل البنى التحتية وإعمار ما تمّ تدميره سيتطلب وقتاً طويلاً، حتّى في حال حصول لبنان على الدعم المالي المطلوب.