IMLebanon

السنيورة: هل يدرك نصر الله أن المصلحة هي في المشاركة بإنقاذ لبنان؟

علّق رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة على حكم المحكمة الخاصة بلبنان في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه قائلًا: “كنت قد دعيت كشاهد في هذه المحكمة التي طالب اللبنانيون بإنشائها لمعرفة الحقيقة، وتحقيقا للعدالة. وها قد صدر الحكم اليوم الذي أصبح الآن ملك الشعب اللبناني”.

وأضاف، في حديث إلى “الإخبارية السعودية”: “بداية أريد أن أبين أمرا ربما يكون قد سها عن بال الكثيرين، وهو أن هذه المحكمة التي طالب بها اللبنانيون حتى لا يستمر لبنان مرتعا للمجرمين الذين يرتكبون العمليات الارهابية وعمليات الاغتيال السياسي ويفلتون من العقاب. وهي الاغتيالات العديدة التي تعرض لها عدد من اللبنانيين على مدى عدة عقود: رئيسان من رؤساء الجمهورية وثلاثة من رؤساء الحكومة وعدد من الوزراء والنواب والقضاة ورجال الفكر والصحافة ورجال الدين والعسكريين. لقد طالب اللبنانيون بإنشاء هذه المحكمة الدولية الخاصة من أجل لبنان، وهي التي أقرت بموجب القرار الدولي 1757 الصادر عن مجلس الأمن الدولي. وهي قد جاءت بالفعل نتيجة تسوية بين الاعضاء الدائمين في مجلس الامن، وتحديدا بين الاتحاد الروسي من جهة، وباقي الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن من جهة أخرى. وبالتالي، فقد نص قانون هذه المحكمة على أنه ليس من مهمتها أن تتهم او تحاكم أنظمة أو منظمات”.

وتابع: “يتضح من هذه القواعد السقف الذي عملت بموجبه هذه المحكمة. بدأت المحكمة أعمالها بعد انتهاك مسرح الجريمة، والذي كان قد جرى العبث به مباشرة بعد حادث التفجير. والحقيقة أن المحكمة قد استندت في تحقيقاتها على الاختراق النوعي الذي حققه ضابط في قوى الأمن الداخلي في تحليله لداتا الاتصالات الهاتفية. وهو الشهيد وسام عيد، الذي تم اغتياله بسبب ذلك. ولقد تمكن هذا الضابط من كشف العلاقة الجهنمية التي تربط بين أعضاء تلك الشبكة. وعلى أي حال، فقد كان لدى المحكمة خمسة متهمين. وهي قد أصدرت الحكم على أحدهم وهو سليم عياش. إذ إن هناك ثلاثة آخرين من الذين لم تتوفر الادلة بشكل كاف لإدانتهم، وهناك شخص رابع لو كان ما زال حيا لربما كان نصيبه مثل سليم عياش”.

وقال: “في حيثيات القرار الذي أصدرته المحكمة، أكدت على أن هذه الجريمة هي جريمة اغتيال سياسي وأنها نفذت من أجل تحقيق هدف سياسي أراد مرتكبوه إزاحة رفيق الحريري من الوجود لكي يحققوا ذلك الهدف السياسي. وهذا الهدف هو بالفعل إبقاء جيش النظام السوري مسيطرا في لبنان ومتسلطا على لبنان. هذا الجيش اضطر إلى الانسحاب من لبنان بعد اغتيال الحريري. وذلك كله كان في أوج مشكلة تتعلق بموضوع التمديد للرئيس لحود الذي حدث بشأنه خلاف بين الرئيس الحريري والرئيس الأسد. وكان الرئيس الأسد في حينها قد هدد الرئيس الحريري بأنه “سيكسر لبنان على رأسه ومن معه”.

ورأى أن “المهم أن الدافع الأساسي لاغتيال الحريري كان من النظام السوري، وذلك كما أشار إليه رئيس المحكمة، وذلك ضمن القيود التي تعمل المحكمة على أساس منها. وهو قد أشار أيضا إلى أن القرار قد اتخذ باغتيال الرئيس الحريري بعد زيارة سريعة قام بها الوزير السوري وليد المعلم إلى لبنان، وعقب أن أكد الرئيس الحريري على أنه يؤيد انسحاب جيش النظام السوري من لبنان. الامر الثاني، ويتعلق بأداة التنفيذ. ليس مصادفة ان يجتمع خمسة من القياديين في حزب الله متهمون بتنفيذ هذه الجريمة الإرهابية أو بالتدخل بها. وان يصار إلى إدانة أحدهم وهو سليم عياش القيادي في حزب الله، والحكم بإدانته أصبحت واضحة وثابتة. من جهة أخرى، فإن هذا العمل الإرهابي لا يمكن أن يكون قد تم بفعل رجل واحد. وليس بين جميع أولئك الأشخاص الخمسة وبين الشهيد رفيق الحريري ثأر أرادوا بسببه أن يقتصوا منه. على العكس من ذلك، فإن هذا العمل هو عمل سياسي بحت وتم بقرار سياسي. ولذلك، فإن الإشارة تصبح واضحة على مسؤولية حزب الله”.

وإذا كان الحريري دفع ثمنا من أجل لبنان، قال السنيورة: “نعم، لقد دفع رفيق الحريري حياته ثمنا من أجل الدفاع عن سيادة لبنان وحريته واستقلاله. وفي قراءة متأنية لهذا الحكم، يتبين وبوضوح أنه يؤشر وبشكل غير مباشر إلى ما لا يستطيع الحكم القضائي ان يوجهه كاتهام مباشر بسبب تلك القيود الموضوعة على المحكمة بموجب تأسيسها من قبل مجلس الامن الدولي”.

وردا على سؤال إذا كان “حزب الله” سيتعاون في تسليم عياش، أجاب: “إن لعنة اغتيال الحريري قد طالت على الأقل وحتى الآن ثمانية أشخاص، وهم الذين جرى اغتيالهم بظروف مريبة. بعضهم ينتمي إلى حزب الله، والبعض الآخر ينتمي إلى النظام السوري، وهم جميعا قتلوا بظروف مريبة، والذي يبدو أنهم ربما كانوا الى حد ما، بشكل او بآخر، كانت لهم علاقة او معرفة بجريمة الاغتيال التي تعرض لها رفيق الحريري. الآن صدر القرار وحق الدفاع محفوظ للشخص الذي أدين. أي أن سليم عياش بإمكانه ان يستأنف القرار وهذا من حقه، علما ان السيد حسن نصر الله قال أكثر من مرة ان هذه المحكمة لا تعنينا، ونحن ليس لنا اي علاقة بها، وأن أي حكم يمكن أن يصدر على اي من هؤلاء الأشخاص المنتمين إلى حزب الله، فنحن نعتبرهم قديسين ولا يمكن لأحد أن يطالهم ولا حتى بعد 300 سنة”.

وأردف قائلا: “برأيي الآن، إن التحدي الكبير هو لدى السيد حسن نصر الله. هل سيتبصر ويدرك أن المصلحة هي في المشاركة بإنقاذ لبنان، وفي ذات الوقت إنقاذ حزب الله وبما يؤدي إلى تعزيز اللحمة التي تجمع بين اللبنانيين في عيشهم المشترك، وأن يقوم بما يجنب لبنان الفتنة. هذا هو التحدي الكبير أمامه. هل سيقرر السيد حسن نصر الله ان من الصالح العام أن يعود إلى لبنان بشروط الدستور اللبناني؟ هل سيتبصر السيد حسن نصر الله ويجيب بحكمة وروية على هذه الأسئلة الكبيرة؟ ماذا سيقوم به؟ لا أدري. حتى الآن ليس هناك من إشارات على أنه سيتجاوب مع هذه الدعوة”.

وعن وضع لبنان ما بين آب 2006 وآب 2020، قال: “في آب 2006 صدر القرار الدولي 1701 بوقف الأعمال العدوانية بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان. وفي آب 2020 كانت هذه الجريمة التي ارتكبت بحق مدينة بيروت ولبنان وبحق اللبنانيين. أنا اعتقد انه بعد هذه الجريمة الهائلة التي يمكن اعتبارها جريمة القرن وجريمة ضد الإنسانية، فإن هناك عطفا عربيا ودوليا على لبنان وعلى اللبنانيين لأن لبنان قد أصيب بكارثة رهيبة، وهو يتحمل ما لا تستطيع أي دولة تحمله. لذلك كان هذا العطف الذي تتم ترجمته بتقديم المساعدات الاغاثية العاجلة، وجميع الأشقاء والأصدقاء مشكورون على ذلك”.

وتابع: “المشكلة الأساس أن لبنان كان ولا يزال يعاني من مشكلات كبيرة جدا، وأصبح واضحا أنه لا يمكن إخراجه من أزماته الا بأن يقرر لبنان ويسلك طريق الإصلاح ويعمد إلى تصويب البوصلة لديه. وهذا الكلام قيل للبنانيين وللسياسيين اللبنانيين مرات عديدة، وقيل لهم من قبل العديد من الأشقاء العرب والأصدقاء في العالم وبكل صراحة، وذلك بأن الطريقة التي يعتمدها السياسيون اللبنانيون في إدارة شؤونهم العامة لم تعد قابلة للاستمرار. وبعبارة أخرى، ليس هناك من طريقة بديلة لاستعادة نهوض لبنان إلا بأن يصوب بوصلته المالية والنقدية والقطاعية والإدارية. كذلك بأن يصوب بوصلته السياسية التي اختلت، ولا سيما خلال العقدين الماضيين، فقد حصل اختلال كبير في التوازنات الداخلية وفي التوازنات الخارجية، ولا سيما في علاقات لبنان مع محيطه العربي ومع العالم، بحيث أصبح في عزلة عن أشقائه وأصدقائه. وهذا كان نتيجة لتراكم استعصاء كبير وطويل ومزمن في الامتناع عن مباشرة الاصلاح الذي كان يحتاجه لبنان على مدى السنوات الماضية من أجل ان تتلاءم أوضاعه السياسية والاقتصادية والمالية والنقدية والادارية مع المتغيرات والتحولات الجارية في العالم”.

ومضى قائلا: “لذلك، ولكي نكون واضحين وحتى لا يكون هناك المزيد من الانكار والبعد عن الحقيقة من قبل فخامة رئيس الجمهورية ومن قبل حزب الله ومن قبل العديد من السياسيين اللبنانيين، فإن العطف الحالي يتم ترجمته بمساعدات إغاثية. ولكن هذا الدعم، وكما عبر عنه أولئك الأشقاء والأصدقاء، لا يمكن ان يتحول الى تقديم المساعدات الضخمة التي يحتاجها لبنان ليتمكن من استعادة نهوضه، وبالتالي للتغلب على مآزقه المتكاثرة من حوله، ما لم يحصل تغيير وتصويب في الأداء الحكومي للبنان وفي الأداء من قبل فخامة الرئيس ومن قبل حزب الله، وذلك بما يتيح للبنان أن يستعيد احترامه لاتفاق الطائف وللدستور ولتعزيز سلطة الدولة اللبنانية التي يجب ألا ينازعها في سلطتها أحد في لبنان. كما وأن يبادر لبنان إلى القيام بإجراء الإصلاحات التي لم تعد خافية على أحد، وهي الإصلاحات التي طال انتظارها بعد أن استعصى لبنان وتمنع عن القيام بها”.

وأوضح أن “هذه الإصلاحات ليست مفروضة على لبنان من قبل صندوق النقد الدولي او من قبل أصدقائه في العالم او من قبل أشقائه، بل هي الإصلاحات التي بالفعل التي يحتاجها لبنان، ولا سيما بعد أن تأخر وتقاعس عن القيام بها منذ سنوات طويلة. أقول هذا لأن هناك من يحاول أن يصور تلك الإصلاحات وكأنها إملاءات على لبنان وهي بالفعل كانت مطلوبة وملحوظة في كل الخطط الإصلاحية التي تعهد لبنان بالقيام بها منذ عشرين عاما وهي استمرت مطلوبة وما زالت حتى الآن”.

وعما إذا كان ما زال مصرا على هيئة دولية للتحقيق في انفجار بيروت خاصة بعد نتائج المحكمة الدولية، قال السنيورة: “لو لم تنشأ المحكمة الدولية للتحقيق والحكم في اغتيال رفيق الحريري لربما حصلت في لبنان فتنة كبيرة بين اللبنانيين. وهنا أود أن أؤكد أن تحقيق العدالة في المحصلة هو الذي يرضي جميع المواطنين على اختلاف فئاتهم”.

وأضاف: “من جانب آخر، يكفي النظر إلى ملفات جميع عمليات الاغتيال التي حصلت في لبنان، فإن المفاجأة في ذلك أن ليس فيها شيئا يبين حصول أي تقدم حقيقي أدى أو قد يؤدي إلى تحديد من ارتكب تلك الجرائم. وذلك أن الأجهزة الأمنية والقضائية في لبنان لم تستطع أن تحقق في هذه الاغتيالات. الآن لدينا هذه الجريمة النكراء الذي تعرض لها لبنان، والتي أدت إلى تدمير مرفأ بيروت وجزء كبير من مدينة بيروت. والمذهل أنه في كل يوم تظهر معلومات تبين بشكل كبير خطورة تلك الملابسات والشكوك التي تحيط بهذه العملية منذ أن جرى تحويل وجهة تلك السفينة الى لبنان، وكذلك في ما حصل بعدها حتى يوم الانفجار. ويبدو ان الجهة صاحبة هذه الكميات من المواد الخطرة وكأنها كانت، وعلى مدى تلك السنوات الستة، على بينة كاملة من المجريات في ما يتعلق بإدارة هذه الامور وكأنها مطلعة على كل ما يتعلق بتلك المراسلات بين الجهات الإدارية والقضائية والأجهزة العسكرية والأمنية المعنية في المرفأ، بحيث أنه في المحصلة بقيت تلك الكميات في مرفأ بيروت. ولا ندري إذا كان قد جرى إخراج قسم كبير من تلك الكميات بطريقة او بأخرى، إذ يقال وحسب الخبراء ان الانفجار الحاصل لا يتعدى كميته 300 طن فقط. فأين ذهبت باقي الكميات؟”.

وختم قائلا: “باختصار، إن الحاجة ماسة للاتفاق بين اللبنانيين لاعتماد لجنة لتقصي الحقائق في هذه الجريمة الكبرى التي تعرض لها لبنان”.