IMLebanon

هل يرضى الشارع بحكومة عون الموعودة؟

كتبت راكيل عتيِّق في “الجمهورية”:

في وقتٍ ما زال اللبنانيون يحملون أحباءهم في النعوش ويلملمون ما حطّمه انفجار المرفأ في بيروت، من زجاج وبيوت وعائلات وأعمال وإنجازات عُمر، تُجري الطبقة السياسية المتمثّلة بالسلطة، في الموازاة، مشاورات لتأليف حكومة جديدة تتوافق ومعاييرها. كثيرون من اللبنانيين يرون أنّ هذا الحراك السياسي ضرب من الجنون واستخفاف بإرادة الشعب، خصوصاً بعد «انتفاضة 17 تشرين» وانفجار 4 آب، حيث تجلّى انعدام ثقة اللبنانيين بهذه الطبقة الحاكمة ومطالبتهم برحيلها كلّها وكَف يدها عن أي استحقاق دستوري.

على رغم اعتبار المنتفضين وبعض الأحزاب أنّ مجلس النواب الحالي فقد شرعيته الشعبية وهو غير مؤتمَن على منح أي حكومة «ثقة الشعب»، وعلى رغم اعتراف السياسيين الذين يتربّعون على كراسي السُلطة ويتمسّكون بالحُكم، بأنّهم لا يُمكنهم الوجود في الشارع وبين الناس أو حتى في مقهى إذ إنّهم سيُواجَهون بالطرد والشتائم، إلّا أنّهم يعتبرون أنّ واجبهم يحتّم عليهم العمل على تأليف حكومة جديدة، وأنّ مجلس النواب الذي ما زال قائماً، بالقوى السياسية المتمثّلة فيه، هو من يمنح الثقة للحكومة.

الحكومة الجديدة التي يسعى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى تأليفها، من خلال المشاورات التي يُجريها قبل تكليف رئيس للحكومة، هي حكومة «وحدة وطنية»، لكن ليس بمعناها التقليدي حصراً، أي حكومة تضمّ القوى السياسية التقليدية الأساسية.

عون ليس متمسّكاً بحكومة سياسيين أو أقطاب، وهو طرح تأليف حكومة تضمّ أقطاباً من ضمن مجموعة أفكار، فالأساس بالنسبة اليه أن تكون حكومة وحدة، أي أن تضمّ الجميع، لذلك يعتبر أنّ الحكومة إذا كانت ستضم الجميع فمن المُفضّل أن تكون على مستوى الأقطاب. وينطلق طرح عون هذا من أنّ المرحلة الراهنة تتطلّب أن يُشارك الجميع في عملية إنقاذ البلد الذي يحتاج الى تضافر كلّ الجهود.

«الوحدة الوطنية» هي الأساس بالنسبة الى عون، وطَرْح حكومة أقطاب لا يعني أن ليس هناك تركيبة وزارية بديلة. هو يرغب في ألا يكون أحد خارج التركيبة الحكومية المقبلة التي تنتظرها ملفات كبيرة وورشة الإصلاح ومكافحة الفساد. الوضع الاقتصادي الصعب، جائحة «كورونا» التي تفتك بالبلد، الإنفجار الذي زاد مصيبة على مصائب لبنان، وجود مليون ونصف مليون نازح سوري الذي لا يلتفت المجتمع الدولي الى تداعياته… كلّ هذه المشكلات تتطّلب، بحسب عون، تركيبة وزارية متينة لكي تتمكّن الحكومة المقبلة من مواجهة هذه الضربات.

وفي حين أنّ الشارع اللبناني المنتفض يرفض حكومة سياسيين يعتبر أنّهم مَن أوصَلوا البلد الى الحضيض ودمّروا مقدراته، ليس ضرورياً بالنسبة الى عون أن تكون حكومة الوحدة الوطنية حكومة سياسية، وإنّ تمثيل جميع الأطراف لا يعني حصراً أن يشارك فيها السياسيون، بل أن تمثّل كل مكونات البلد، وقد تكون حكومة اختصاصيين أو خبراء من داخل الأحزاب السياسية أو من خارجها، إنّما أن يكون كلّ الأطراف راضون عن هذه الحكومة، لكي تحظى بثقة مجلس النواب ولا تكون شبيهة بتجربة حكومة الرئيس حسان دياب. هذا الأمر يتطلّب موافقة الأحزاب السياسية المكوّنة لمجلس النواب، لذلك يجري عون المشاورات اللازمة قبل إجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس للحكومة.

هذه المشاورات، تحصل على أكثر من جبهة، حيث بحث رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس مع رئيس « التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل والوزير السابق علي حسن خليل والمعاون السياسي للامين العام لـ»حزب الله» الحاج حسين الخليل في شكل الحكومة المقبلة. وتشمل المشاورات كلّاً من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط مباشرةً أو من خلال قنوات تواصل، ومن المُرتقب أن يحصل تشاور في هذا الإطار مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي بات موقفه واضحاً فهو يرفض أيّ حكومة برعاية الفريق الحاكم ويطالب بإجراء انتخابات نيابية مبكرة.

ويبدو أنّ الأفرقاء الذين يعملون على خط التأليف قرأوا في كلام وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل الأربعاء المنصرم عن أنّ واشنطن تعاملت في السابق مع حكومات كان فيها «حزب الله»، وأنّها مستعدة لمساعدة حكومة لبنانية قادرة على تحقيق الإصلاحات بوجود «حزب الله» أو عدمه، ضوءاً أخضر أو عدم ممانعة أميركية لتأليف حكومة تضمّ كل القوى السياسية ومن بينها «الحزب»، الأمر الذي «أراح» أصحاب التأليف والتركيب.

وتعتبر المصادر المطلعة أنّ «هناك واقعاً، وكلام هيل ينطلق منه، وهو أنّه لا يُمكن إلغاء «حزب الله»، خصوصاً أنّه يملك مع حلفائه الغالبية النيابية». وإذ تشير الى أنّ الحريري سبق أن ترأس حكومات يُشارك فيها «حزب الله» وكان معلوماً أنّ المتهمين في قضية اغتيال والده من «الحزب»، تسأل: «لماذا سيكون هناك مشكلة لدى الحريري الآن في المشاركة في حكومة مع «الحزب»؟

وتُجرى مشاورات التأليف، المُعلنة منها وغير المُعلنة، بزَخم، انطلاقاً من أنّ البلد لا يملك ترف الوقت، وأنّ هناك مطلباً دولياً، خصوصاً أميركي وفرنسي، بالإسراع في تأليف حكومة. ويسعى العاملون على خط التكليف والتأليف، قبل عودة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى بيروت مطلع أيلول المقبل، الى أن يكون هناك رئيس حكومة مكّلف أقله إذا لم تكن أُلّفت الحكومة بعد.

وفي حين يشدّد المجتمع الدولي، وخصوصاً فرنسا وأميركا، على تنفيذ مطالب الشعب اللبناني، إلّا أنّ أيّاً من المسؤولين في هذه الدول طلب من المسؤولين في لبنان ترك السلطة امتثالاً لإرادة اللبنانيين، بل طُلب فقط أن يتمثّل المنتفضون في الحكومة الجديدة التي يجب أن تجري الإصلاحات اللازمة لاستعادة ثقة كلّ من الداخل والخارج.

في هذا الإطار، برزت أمس الأوّل «تغريدة» لعون، يكشف فيها عن أنّه يدعو ويسعى الى «مشاركة كفايات تمثّل صوت الشارع المنتفض في الحكومة الجديدة». وفي حين أنّ «انتفاضة 17 تشرين» لم تفرز قيادات، وأنّ الشعب ينتفض على السلطة بكاملها ويطالب برحيلها لا أن يجري اختيار ممثلين عنه ليشاركوا هذه الطبقة السلطة والحُكم، توضِح مصادر قريبة من عون أنّه «يسعى الى إشراك وجوه يرتاح إليها المنتفضون وليس أشخاصاً من المتظاهرين، وهذه الوجوه حيادية مثقفة لها إنجازات في ميدان عملها، خصوصاً في القانون والإقتصاد، إذ هناك ورشة كبيرة أمام الحكومة المقبلة».