IMLebanon

هل ستنجح تجربة الوسطيّة من بغداد الى بيروت؟!

كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:

ترجمت الاستشارات النيابية «بَصماً» بلا مواربة اقتراح رؤساء الحكومات السابقين اختيار السفير مصطفى أديب رئيساً مكلفاً لتشكيل الحكومة الجديدة، فأنهى الاستشارات النيابية قبل إجرائها، من دون تجاهل الأجواء التي ظللتها المبادرة الفرنسية. وان توقّف البعض عند «وسطية» الرئيس المكلف، فقد تقدمت عليها ظاهرة «تقمّص» «بيت الوسط» دور الرابية في تجربة تشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري من الرابية عام 2009. وعليه، ما الذي يقود الى هذه القراءة؟

تكثفت الصور التي راودت الكثير من اللبنانيين عند متابعة المراحل التي قطعتها الخطوات الدستورية منذ الدعوة الى الاستشارات النيابية الملزمة الجمعة الماضي حتى تسمية السفير مصطفى اديب رئيساً مكلفاً لتشكيل الحكومة من «بيت الوسط» قبل بدء الاستشارات بساعات قليلة، فحسمتها المواقف المتتالية الى أن نال أكثرية نيابية من 90 صوتاً من اصل 114 نائباً استشيروا من بين 120 نائباً، في ظل استقالة 8 نواب من المجلس النيابي في 13 من الشهر الماضي.

وبمعزل عن هذه المرحلة بما شهدته من مواقف وتسريبات متعددة، توقف المراقبون امام سلسلة من الملاحظات التي رافقت هذه العملية ابتداء من تلك التي تحكّمت بالعلاقة بين الرابية و»بيت الوسط» قبل ان تنتقل بتعرّجاتها المختلفة ما بين بعبدا و«بيت الوسط»، كما بالنسبة الى تلك التي جاءت بالرئيس حسان دياب في مطلع السنة الجارية الى السرايا الحكومية فرصدت متغيّرات كثيرة في الشكل والمضمون لتميّز بين المحطتين والرجلين.

وبدءاً من الظروف التي حكمت العلاقات بين «بيت الوسط» و«الرابية» التي كان يقطنها العماد ميشال عون قبل «التسوية السياسية» التي انخرط فيها سيّد «بيت الوسط» الرئيس سعد الحريري وقادَته الى قصر بعبدا في خريف العام 2016، استذكَر اللبنانيون التجربة التي شكّل فيها العماد عون في 9 تشرين الثاني 2009 حكومة الرئيس سعد الحريري قبل تلاوة مراسيمها من قصر بعبدا. فأعلن عن لائحة وزراء «كتلة الإصلاح والتغيير» في الحكومة اللبنانية الجديدة مع حقائبهم قبل ساعات قليلة من إعلان تشكيلها من قصر بعبدا. ولمَن خانَته الذاكرة، فقد أعلن عون يومها وزراءه في الحكومة من دون ان ينتظر المرسوم الجمهوري. فعدّد خماسيته: جبران باسيل للطاقة، فادي عبود للسياحة، شربل نحاس للاتصالات، إبراهام دديان للصناعة ويوسف سعادة وزير دولة. ما أدى الى أزمة عابرة لِخَرق الخطوة ما يقول به الدستور. وها هو التاريخ يعيد نفسه في شكل من الأشكال، بعدما استنسخت الخطوة الحكومية عندما أعلن من «بيت الوسط» اسم الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة السفير مصطفى اديب قبل 18 ساعة من اعلان مرسوم التكليف من قصر بعبدا، فعَطّلت الخطوة الاستشارات النيابية وجعلتها مناسبة عادية جداً لم يكن ينتظر منها سوى إحصاء الأصوات التي انضَمّت الى تسميته وتلك التي عبّرت بطريقة من الطرق عن اعتراضها بتسمية آخرين كانت التوقعات قد تحدثت عنهم.

ولمَن يُجري جردة مقارنة بين تكليف الدكتور حسان دياب في 19 كانون الاول 2019 وتكليف اديب في الأمس، تبدو الفوارق كبيرة جداً في الشكل والمضمون، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

– في الشكل توقف المراقبون أمام ما برزَ عند إعطاء «العصمة» لـ»بيت الوسط» في تسمية من يشكّل الحكومة، وهو ما لم يتحقق من قبل، طالما انّ سيد البيت لا يريد العودة الى السرايا الحكومية، وعبره الى رؤساء الحكومات السابقين المتضامنين في المواجهة المفتوحة منذ فترة مع قصر بعبدا، وهو ما افتقده الرئيس حسان دياب الذي لم يحظَ بمثل هذه التسمية.

– وإن غابت دار الفتوى عن المشاورات التي سبقت التكليف، فقد ظهرت بصماتها في التفويض المُسبق الذي أعطاه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان للحريري ومعه رؤساء الحكومات السابقين، وهو ما افتقده دياب الذي لم ينجح على مدى الاشهر السبعة التي أمضاها في السرايا الحكومية من ان يحصل على رعايتها وموافقتها رغم دعوته يوماً الى المشاركة في اجتماع المجلس الاسلامي الشرعي الاعلى في اعتباره عضواً حكمياً في المجلس لا نقاش حوله بروتوكولاً ولكنه لم يحضر في حينه.

امّا في المضمون فقد تبدو الفوراق بين التجربتين واسعة ومتعددة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

– يصل أديب الى السرايا الحكومية بموجب مبادرة فرنسية عقب انفجار المرفأ والنكبة التي حلّت باللبنانيين. وراعت قبَيل إطلاقها نتائج وحصيلة مشاورات واسعة أجرتها باريس مع مجموعة العواصم المؤثرة في الحياة اللبنانية من واشنطن الى طهران والرياض، من دون تجاهل الدور الذي لعبته القاهرة في هذه الطبخة الديبلوماسية المتعددة الجنسيات التي قادت الى اكتشاف أديب صاحب الهوية الفرنسية المزدوجة الى جانب هويته الاصلية اللبنانية من دون تجاهل كون عقيلته فرنسية ايضاً.

– لم يحظَ دياب بأيّ مستشار قديم في السرايا الحكومية – وقيل يومها تندّراً – لولا وجود الأمين العام لمجلس الوزراء في هذه السرايا منذ ايام الحريري لكان عليه ان يختار أميناً عاماً جديداً. فكل المتمرّسين من مستشارين وكبار المعاونين الذين كسبوا كثيراً من الخبرات في مختلف الاختصاصات الذين عملوا الى جانب الحريري غابوا عن السرايا قبل دخول دياب إليها ـ فاضطر الى جمع عشرات المستشارين الجدد من كل حدب وصوب، ومنهم من أمضى اسابيع او أشهراً قليلة قبل مغادرة مكاتبهم، وهو ما أدى الى افتقاد ذلك الفريق المعاون الذي يمكنه ان يرشده الى الخطوات الضرورية، فتعددت الأخطاء الى ان بلغ بعضها مرحلة «القاتلة»، كما حصل عندما نَصحه بعضهم بعدم تفقّد العنبر الرقم 12 قبل الانفجار بأيام، كانت كافية لربما لتجنّب «النكبة» التي حلّت بالعاصمة.

والى هذه الملاحظات، لا يمكن تجاهل الظروف الاقليمية والدولية التي كانت قد سبقت وصول دياب الى السرايا، فشمله الحصار الديبلوماسي والسياسي والاقتصادي والمالي الذي كانت السلطة قد سقطت ضحيته. فلم يتمكن أبرز وزراء الخارجية الذين دخلوا الى قصر بسترس، السفير العتيق والمتمرس ناصيف حتي، من ترتيب اي زيارة لدياب ولو الى عاصمة عربية او غربية واحدة.

وبعيداً من مسلسل الملاحظات هذه والتي يمكن اضافة كثير اليها في مجالات مختلفة، تجدر الإشارة الى انه وفي حال استمرار الرعاية الدولية لحكومة «المهمة» التي سيشكّلها اديب لربما تكون قادرة على إدارة المرحلة فتشكّل جسر عبور الى مرحلة فكفكة الحصار المضروب على لبنان. وهو أمر لا يتوقف على أداء الرئيس المكلف بل هي مهمة الفريق بأطرافه التي شاركت في التسوية التي قادتها باريس، وهو امر لا يمكن الحسم به من اليوم. فعلى أداء اهل السلطة، ومن بينهم اديب وداعميه، واجب التمعّن في طريقة إدارة الازمة للتثبت من قدرة لبنان على تجاوز المحنة من باب «الوسطية» التي جاءت بأديب الى السرايا كما جاءت بـ»مصطفى» عراقي آخر الى بغداد قبل فترة. وفي حال الفشل ستسقط كل هذه الملاحظات، ولن يبقى منها سوى ما كان حلماً بعيد المنال.