IMLebanon

هذه حقائق جلية باتت تحكم المشهد السياسي!

ثمة حقائق جلية باتت تحكم المشهد السياسي، وصارت راسخة على خط التأليف:

اولى هذه الحقائق، انّ باريس مصرّة على إنجاح مبادرتها، وليست في وارد سحبها او تجميدها. فقد هالها انّ هذه المبادرة التي اعتبرتها انقاذية وفرصة وحيدة متاحة لإنقاذ لبنان، توشك ان تسقط بالضربة القاضية في الجولة الاولى لنزولها الى الحلبة اللبنانية. وفي سبيل انقاذ المبادرة، يندرج الدخول المباشر للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على خط الاتصالات خلال الساعات الماضية، ومحادثاته مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري وآخرين، لتسريع المساعي لإنضاج الملف الحكومي، وتأمين ولادة الحكومة في اقرب وقت ممكن.

على انّ الحقيقة الاساس هنا، هي انّ المبادرة الفرنسية، وحتى لو قيض لها ان تبقى على قيد الحياة، فإنّها فقدت الزخم الذي كانت عليه، حينما اطلقها الرئيس الفرنسي، وراهن بكل رصيده لتشكيل حكومة وفقاً لمندرجاتها، في مهلة لا تتجاوز الاسبوعين.

الثانية، انّ الرئيس المكلّف لا ناقة له ولا جمل في كل ما يجري، وحيّده فريق التأليف عن الصورة على قاعدة “اقعد واسترح انت ونحن نؤلف عنك”.

الثالثة، انّ فريق التأليف، الذي أوكل الى نفسه هذه المهمة بقيادة سعد الحريري، ارتفع في شروطه التأليفية الى حدود لم يعد قادراً التراجع عن اي منها. وهو ماض بتصلّبه مسلحاً بغطاء كامل على المستوى السنّي، وبغطاء مباشر من بعض الدول الصديقة، وهناك من يقول انّ هذا الغطاء اميركي، سعودي وفرنسي.

الرابعة، انّ الواقع الشيعي مستنفر على كل مستوياته السياسية والدينية والشعبية، وثمة شعور عارم بالاستهداف. وعلى ما تؤكّد اوساط الثنائي الشيعي لـ”الجمهورية”، فإنّ “المعركة التي يخوضها هي معركة شراكة، وعدم القبول بأي شكل من الأشكال بإهانة الطائفة ومحاولة عزلها، وخصوصاً انّ الحكومة، المُمثل فيها فريق التأليف، اي تيار “المستقبل” ورؤساء الحكومات بوزراء يختارونهم هم، كما انّ “التيار الوطني الحر”، الذي قال انّه لا يريد المشاركة، ممثل ايضاً برئيس الجمهورية الذي سيختار هو الوزراء الذين سيمثلونه، فيما الطرف الشيعي المتمثل بحركة “امل” و”حزب الله” يبقى وحده خارج اللعبة.

وتفيد اجواء الثنائي انّه، الى جانب رفضه القاطع للمنحى التفرّدي الناسف لمبدأ الشراكة الذي سلكه فريق التأليف الذي يتصدّره الرئيس سعد الحريري، والى جانب قراره بمواجهة هذا التفرّد، واحباط اي محاولة لاستبعاد الطائفة الشيعية عن الشراكة في ادارة الدولة، يشعر بـ”نقزة” من تقويل المبادرة الفرنسية ما لم تقله او تأتِ على ذكره، في ما خصّ المداورة وانتزاع الماليّة من الحصّة الشيعية.

والنقزة الكبرى لدى الرئيس نبيه بري تحديداً، ليست من نادي رؤساء الحكومات السابقين، بل تُضاف الى موقف من يُفترض انّه في موقع الحليف للثنائي، أو لأحدهما على الاقل، والمقصود هنا “التيار الوطني الحر”، الذي بادر رئيسه النائب جبران باسيل إلى رمي فتيل المداورة والغمز حول “المثالثة” من قناة وزارة المالية، وصولاً الى ما نقله مطلعون من انّه، اي باسيل، يحمّس رئيس الجمهورية للقبول بالتشكيلة الحكومية التي سيقدّمها مصطفى اديب.

وكذلك النقزة من موقف رئيس الجمهورية، الذي سُرِّب عنه انّه ليس متحمّساً لأن يسمّي بري وزير المالية، مع تأكيده على المداورة الشاملة، وهو ما تمّ تسريبه مجدداً في الساعات الماضية، عبر ما سُمّيت مصادر مطلعة، تشير الى “انّ رئيس الجمهورية ما زال يحبّذ عدم حصر المواقع الوزارية بأي طائفة او فئة. وانّه لن ينتظر ملف تأليف الحكومة الى ما لا نهاية، وانّ المشكلة ليست في القصر الجمهوري بل في مكان آخر، وهو لم يطلب شيئاً من الرئيس المكلّف”.

هذا الامر استدعى رداً من عين التينة في بيان مقتضب اكّدت فيه، “أنّ كل ما في لبنان ثابت لا يتحرّك منذ عشرات السنين، فإمّا ان يتحرّك الجميع عبر الدولة المدنية، واما يبقى كل شيء على وضعه، وهذا ما لا نتمناه. فتفضلوا الى الدولة المدنية. ولمن يقولون هذه مثالثة!! نقول اذا كانت هذه مثالثة فما هي المرابعة؟ الطاقة ؟”.

الحقيقة الخامسة، ولعلّها الاكثر ارباكاً، وهي انّ جبل الهواجس بدأ يكبر على مدار الساعة لدى المواطن اللبناني، حيث بدأ يعيش سلفاً اجواء مرحلة كارثية مقبل عليها لبنان جراء هذا الاشتباك. وترمي به في مهبّ انهيارات اقتصادية ومالية وربما ما هو اخطر من ذلك بكثير.