IMLebanon

ترسيم الحدود اليوم… ما الثمن؟

كتب جورج حرب في “الجمهورية”:

يمرّ قرار الموافقة على البدء بمفاوضات على ترسيم الحدود مع إسرائيل بسلاسة وقبول على الساحة اللبنانية، وجرى تسويقه وعرضه من قِبل رئيس مجلس النواب ببراعة مبسّطة، وكأنّه قرار قديم جرى تجديده وترميمه، وفيه للبنان مصلحة كبرى وأمل في حلحلة معوّقات استخراج الغاز والنفط من البلوك رقم 8 و9، ومن بعدهما من باقي البلوكات على طول الشاطئ اللبناني.

القصة أكثر تعقيداً من الطريقة التي يتناولها بها الإعلام اللبناني، وقضية ترسيم الحدود البحرية عمرها سنين. فما المتغيّرات التي طرأت على المشهد اللبناني حتى قبلت الدولة اليوم المباشرة بمفاوضات مع الإسرائيليين الآن؟ لا سيّما أنّ المواقف المعلنة من الوسيط الأميركي، باعتراف الداعين اليوم إلى الحوار، أنّه غير نزيه بكلّ ما يتعلق بالمصالح الإسرائيلية في لبنان والشرق الأوسط. والسؤال الآخر الذي يُطرح وبطريقة عفوية لا تحتاج تحليلاً: ما الفرق بين اتفاقات سابقة مع إسرائيل، كانت قد تغنّت قوى الممانعة في لبنان في إسقاطها؟

هل انّ المفاوضات الحالية قد تفضي إلى اتفاق سريع، في حين أنّ التحضيرات فقط التي سبقت مفاوضات مدريد للسلام سنة 1995 كانت قد أخذت أكثر من سنة ونصف؟

واليوم، ألا يهدف اتفاق ترسيم الحدود الى تسوية للنزاع التاريخي الذي كان قائمًا على أرض وماء؟ وألا يكون المجرى الطبيعي للأمور عند الإتفاق على الحدود، انتفاء أسباب النزاع وبالتالي توقفه؟

ما الثمن الذي ستحصّله بالمقابل، القوى الممانعة في لبنان، والتي دفعت كما دفع لبنان على مدى عقود، ثمنًا باهظًا في مقاومة الجيش الاسرائيلي؟

بعد تلك التساؤلات، يمكن فهم أهمية ما يجري بين الأميركي من جهة وطرفي النزاع من جهة ثانية، كما يمكننا أن نلاحظ الثغرات السياسية والمخابراتية التي افتقدت إليها المبادرة الفرنسية، رغم إيجابياتها التي كان من شأنها أن تختصر الوقت القاتل الذي يداهم اللبنانيين، لكنها وللأسف، دلّت الى عدم اضطلاع فاضح لخفايا اتفاقات، فضّلت أطراف لبنانية متعدّدة إبرامها مع الأميركي الأصيل عوض الفرنسي البديل.

يبقى الثمن، الذي لا شك أنّه سوف يكون نتيجةً سياسية طبيعيةً للإتفاق المزمع، والذي يبدأ بترسيم حدود، لكن مستتبعاته حتمية، وإلّا لما كان الإتفاق، كضمان أمن هذه الحدود، وبالتالي وقف النزاع القائم أصلاً بسببها، ثمّ تنفيذ الإتفاق بضمانة أميركية نعم، لكن ببقاء أطراف الإتفاق لحسن التنفيذ، وهذا أمر طبيعي وبديهي في عالم السياسة في لبنان.

من هنا، يمكن لنا أن ندرك تصريح ديفيد هيل في الكونغرس الأميركي منذ أيام حول التمويل الأميركي بـ10 مليارات دولار لمؤسسات غير حكومية في لبنان، ولو أنّه لم يحدّد عملها، ومن الممكن ان تكون كتلك المعنية باللاجئين والإغاثة وغيرها، لكنها مؤشر الى تغيير نمط في سلوك الأميركيين، إذا ما أضفنا إليها اجتماع شينكر مع المعارضة في لبنان خلال زيارته الأخيرة وتغييب برنامجه عن الإجتماع بأي مسؤول حكومي لبناني، مما يسبب إحراجًا للمعارضة، ويساهم في عملية كشف سياسي لهم، بعكس التفسير الذي اعطاه البعض، بأنّه اجتماع داعم لها، بالطبع إذا ما اضفنا إليها اجتماعه السرّي بمستشار الرئيس بري لشؤون النفط والغاز بحسب مصادر مطلعة.

أمام تلك المعطيات، تصبح خيوط التسوية المقبلة على لبنان أكثر وضوحًا، ولو أنّه ينقصها اليقين، بأنّ النظام السياسي اللبناني والعقد الحالي سوف يتبدلان، وبمؤشر انهيارهما المحتّم، حيث لا يمكن استنباطهما أو استنساخهما. كما أنّه من الصعب الجزم بتغيير الطبقة السياسية الموجودة، إذا ما عرفنا أنّ السياسة اللبنانية وحتى العالمية، طالما بُنيت على أثمان، يضعها اللاعبون ويتفاوضون، ويحصّلها مَن بيده أوراق قوّة، بدأت تلوح على طاولات من المرجح انعقادها في القريب العاجل، بعكس نتائجها التي تحتاج إلى وقت أكثر، خصوصاً حين نبدأ الحديث عن ترسيم الحدود البرية، التي سوف تكون نقطة ارتكاز في ترسيم الحدود البحرية، ونعود إلى الاشكالية التاريخية لمزارع شبعا، وكل مقتضياتها العسكرية والإقليمية، في وقت قاتل للبنانيين، ولدولتهم، التي اتجهت بمعظم مؤسساتها نحو الإنهيار، لترتبط بعدها صورة العقد الجديد بين اللبنانيين، بالتقدّم المفروض، أو عكسه، في المفاوضات غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي.