IMLebanon

“تمنيات الجو” تمحوها “تباينات الأرض”!

كتب نبيل هيثم في صحيفة “الجمهورية”:

 

الكلام الجوّي بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري أشبه ما يكون بتمنيات «جو – أرض» تبادلها الرئيسان على حلبة الاستحقاق الحكومي، خلاصتها: «انّ الحكومة هي الملاذ الاخير للبلد، ويجب تأليفها على وجه السرعة، وليس من الجائز ابداً ابقاء البلد معلّقاً في ظلّ هذا الفراغ الحكومي».

هذا الكلام الجوّي، وحتى لا يمحوه الكلام الأرضي، لا يريده الرئيسان أن يبقى كلاماً سابحاً في مدار التمنيات المحلّقة في الفضاء، بل يريدان له أن يخرق جدار الصوت المعارض او المانع او الكابح، ويصيب الهدف مباشرة، أيّ تشكيل الحكومة وانطلاقها بمهمتها الانقاذية. إلاّ أنّ السؤال الذي يواجه تمنّيات الرئيسين: كيف سيتمّ تسييلها؟ وماذا لو لم يجد الكلام الرئاسي في الجوّ ترجمة له على الأرض؟

«بالتأكيد أنّ لكلّ طرف دوره في اصابة الهدف الذي حدّده الرئيسان، ولكن كيف ستأتي بهم الى لعبة الحل، طالما أنّ لكل منهم هدفه، وانّ الحاكم بينهم الآن هو التباعد والافتراق، وانعدام ارادة التواصل في ما بينهم وتعطّل لغة التخاطب والكلام»؟ يسأل معنيون بالملف الحكومي.

المحايدون يعتبرون «أنّ الكرة في يد رئيس الجمهورية وحده حالياً، باعتباره صاحب الصلاحية الدستورية لفتح باب تكليف الرئيس العتيد للحكومة عبر الاستشارات الملزمة، وباعتباره ايضاً يملك زمام المبادرة الى بناء الجسر التوافقي الموصل الى استشارات توافقية، من موقعه كشريك للرئيس المكلّف في تأليف الحكومة، سواء استلزم بناء هذا الجسر مشاورات سياسية، أو حواراً، أو أيّ إطار آخر، يوصل الى الهدف المنشود».

مكوّنات الأكثرية النيابيّة مع هذا الرأي، ولكنها تعتبر أنّ نجاح اي خطوة يبادر اليها رئيس الجمهورية، وحتى ممارسته لصلاحيته الدستورية في مجال الاستشارات الملزمة، مرتبط بمسألة وحيدة، وهي تجاوب المكوّن السياسي السنّي مع رئيس الجمهورية، عبر طرح اسم شخصية لرئاسة الحكومة يباركها ويغطيها، لكن هذا المكوّن منكفئ في هذه الفترة عن الملف الحكومي، وهذا الانكفاء لا يُعدّ من باب تسهيل التكليف او التأليف.

يضاف الى انكفاء المكوّن السنّي، عائق آخر، على ضفة المعارضة، من شأنه أن يُصعّب على رئيس الجمهوريّة أيّ خطوة ينوي القيام بها لفتح باب التكليف. فالمعارضون، الذين يتصدّرهم حزب «القوات اللبنانية»، و»الحزب التقدمي الاشتراكي»، رفضوا دعوات رئاسية سابقة الى مشاورات وحوارات، ليس فقط لأنّها بلا أيّ جدوى، بل لأنّهم في الاساس يعتبرون أنّ رئيس الجمهورية ليس حيادياً او حَكماً. وبالتالي، فإنّ الرئيس، وكما يراه المعارضون، لا يملك ان يقدّم شيئاً. فقد سبق له وجرّب، وأخفق في ان يشكّل نقطة جمع، وفشل في بناء جسر توافقي على قضايا أقل أهمية من الحكومة ومسائل سياسيّة وإقتصاديّة أخرى، فكيف مع استحقاق حساس كتأليف الحكومة»؟

الأمر الطبيعي في هذا السياق، أن يكون «التيار الوطني الحر»، منخرطاً بالكامل مع أيّ خطوة أو مبادرة رئاسية، والحال نفسه مع الشريكين الأساسيّين في الاكثرية النيابية الحالية، أي حركة «أمل» و»حزب الله»، ولكن شرط أن يؤدّي أيّ مسعى رئاسي، الى صياغة توافق على خطّي التكليف والتأليف في آن معاً، لا تتكرّر معه ما اعتبراها «محاولة انقلاب» تبدّت في اعتماد آلية أحادية خلال مرحلة تأليف حكومة مصطفى اديب الذي انتهى به الى الاعتذار. ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، وعلى ما يؤكّد عارفون، سيكون عاملاً مساعداً لصياغة هذا التوافق، الذي يشكّل بدوره الركيزة الصلبة لأيّ حكومة تُشكّل».

يؤشر ما تقدّم، الى انّ إمكانية التوافق المسبق صعبة، فكل طرف على لاءاته:

الـ»لا» الرئاسية، لاستمرار الفراغ الحكومي، الذي استهلّ به «الثلث الثالث» من الولاية الرئاسية. وهناك من يقول إنّ رئيس الجمهورية يصبّ كلّ جهده ليحقق في السنتين المتبقيتين للعهد، ما يعتبره انجازاً يُسجّل له، والسبيل الأوحد لتحقيق هذا الانجاز، هو بحكومة تحرف البلد عن سكة الانهيار.

الـ»لا» السنيّة، التي تعبّر عنها الاكثرية السنّية السياسية التي يتصدّرها الرئيس سعد الحريري، من موقع الإصرار على حكومة اختصاصيين لا سياسيين، والرفض القاطع لحكومة سياسية أو تكنوسياسية. وهذه الـ»لا» ثابتة ومؤكّدة في الاوساط الحريرية حتى الآن.

الـ»لا» الشيعية، التي يعبّر عنها ثنائي «أمل» و»حزب الله»، من موقع التأكيد على حكومة توافقية تُشكّل وفق الآلية الطبيعية لتشكيل الحكومات، سواء اكانت سياسية او تكنوسياسية، او اختصاصية. وكذلك من موقع الرفض القاطع لأيّ حكومة تنتزع منهما الحق بتسمية وزرائهم فيها، او اخراج وزارة المالية من الحصّة الشيعية في الحكومة.

الـ»لا» المعارضة، أمام أي محاولة للعودة الى حكومة تشبه الحكومات السابقة، بل حكومة اختصاصيين مستقلّين من رئيسها الى وزرائها، تلبّي ما نادت به ثورة 17 تشرين.

خلاصة الأمر، كما تقول شخصية سياسية عاملة على الخط الحكومي، أنّ طريق الحكومة مزروع بألغام صعبة التفكيك، الاساس فيها هو اللغم السنّي – الشيعي، الذي فجّر تأليف حكومة مصطفى اديب. وأما تفكيك هذا اللغم فهو حصراً بين الطرفين. وبالتالي ايّ مشاورات رئاسية او سياسية، يمكن ان تجري في هذا الاطار، ليست أكثر من قتل للوقت، ما يعني أن كفّة الفراغ ستبقى هي الراجحة إلى أمد طويل.

ولكن من المسؤول عن زرع هذا اللغم؟

كلا الطرفين، وعلى ما تقول تلك الشخصية، تبرآ من المسؤولية، لكن يمكن من الاستنتاج من وقائع حصلت قبل يوم واحد من اعتذار مصطفى أديب. حيث تكشف الشخصية المذكورة ما سمّتها معلومات موثوقة، تفيد بأنّ حكومة أديب كانت قاب قوسين أو أدنى من أن تولد يوم الأحد السابق لـ»إثنين الاعتذار»، حيث كانت كلّ الأمور قد بلغت حافة «النهاية السعيدة»، وأسماء الوزراء كانت شبه محسومة ومنتهية، بما فيها الاتفاق على اسم وزير المالية من ضمن الحصة الشيعية. ولكن فجأة تأتي «تعليمة» من «مكان ما» فرملت الرئيس المكلّف وأربكته، وطلبت اليه ان يقدّم اعتذاره في اليوم التالي، وهكذا كان».

ماذا بعد؟

لا جواب لدى الحريريين، «فالكرة ليست في ملعبنا، مع التأكيد اننا كنا وما زلنا مع المبادرة الفرنسية».

واما في المقلب الآخر، فتقول شخصية اكثرية بصراحة: «اعترف بأنّني لا أعرف «ماذا بعد». لقد حدّد الرئيس الفرنسي ستة اسابيع لتأليف حكومة، وأنا شخصياً أشك بذلك، فبالأمس كنا في ظلّ مبادرة فرنسية متكاملة، ونحن اليوم امام بقايا مبادرة تلملم شظاياها، والفرنسيّون كما هو واضح منكفئون، أنا أصدّق أنّ هناك في الداخل من يدفع الى الانتظار إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية، لعلّ هذه الانتخابات توفّر لهم ظروفاً أفضل لفرض حكومة بشروطهم، وفي تقديري لا بل قناعتي، أنّ هذا الإعتقاد أكثر من خاطئ، ومن يعشْ يرَ».

ولكن، كيف سيُملأ الفراغ؟ سؤال، قابلته تلك الشخصية بسؤال: «أيّ فراغ؟ الفراغ الحالي؟ أم فراغ ما بعد الانتخابات الاميركية؟»، وتقول: «لنكن صريحين، نحن في حالة فراغ قد تمتد الى ما بعد الانتخابات الاميركية بفترة طويلة، فهل جرى تقدير هذا الأمر عندما مُنع مصطفى أديب من تشكيل حكومته؟».

وتضيف: «لنكن واقعيين، فلا رئيس الجمهورية الماروني يستطيع أن يختار رئيس الحكومة السنّي، ولا رئيس المجلس النيابي الشيعي يستطيع ذلك، ولا أي مكوّن آخر يستطيع ان يحلّ محل المكوّن المعني بهذا الاستحقاق، فهذا الاستحقاق سنّي، ومن يختار الرئيس المكلّف هو المكوّن السنّي. والكلمة الفصل هي لدى الحريري وفريقه».

اللافت في ما تقوله هذه الشخصية، انّها» تقارب مبادرة نجيب ميقاتي «الى الترشيح» عبر طرح الحكومة التكنوسياسية، على انّها جديّة، ولكن ما هو جدّي اكثر بالنسبة اليها، هو أنّ الرئيس الحريري، صحيح أنّه سارع مع اعتذار مصطفى اديب، وأعلن أنّه غير مرشح ولن يسمّي احداً، ولكنني بالنسبة لي فإنّه حتى ولو ظلّ الحريري يقول ليل نهار إنّه ليس مرشحاً، فأنا لا أصدق أنّ خروجه نهائي من نادي المرشحين لرئاسة الحكومة، لسبب بسيط وهو أنّ «عينو فيها».