IMLebanon

أبعاد حملة “الثنائي الشيعي”.. وعون لن يخضع!

كتبت راكيل عتيِّق في “الجمهورية”:

منذ تسلّم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ملف المفاوضات لترسيم الحدود مع اسرائيل، بعد إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري «الاتفاق الإطار» لهذه المفاوضات وانتهاء دوره في هذا الشأن، يرى سياسيون أنّ هناك إرادة لدى البعض لـ«إفشال» عون أو وضع اليد على مسار هذه المفاوضات باتخاذ رئيس الجمهورية غطاءً لإرادات فئة محددة، بمعزل عن عمل الدولة الشرعي الذي يستدعي عدم تدخُّل أي جهة في هذا المسار بعدما باتَ في يد رئيس الجمهورية، وكذلك الجيش اللبناني المفاوض الرسمي باسم الدولة اللبنانية.

إفتُتحت مفاوضات ترسيم الحدود مع إسرائيل التي يُشرف عليها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أمس، على وَقع حملة مُنظّمة عليه لجهة الوفد المفاوض الذي شكّله، شكلاً ومضموناً. وقد بدأت هذه الحملة بتسريبات صحافية عن أسماء أعضاء الوفد والاعتراض على ضَمّه مدنيين من مستشارين أو غيرهم، ثمّ باتّهام رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب رئيس الجمهورية بخَرق الدستور بتشكيله الوفد منفرداً من دون التشاور معه. ثم كان بيان لحركة «أمل» و«حزب الله» قبَيل انعقاد جلسة المفاوضات الأولى أمس في الناقورة، أعلنا فيه رفض تشكيلة الوفد المفاوض، مطالبين عون بإعادة تأليفه ليكون وفداً عسكرياً فقط. وترافَق بيان «الثنائي الشيعي» مع بيانات «استنكار» لتشكيلة الوفد صدرت عن مراجع دينية شيعية وحلفاء لـ«حزب الله».

من جهته، ردّ عون في بيان صادر عن دوائر الرئاسة أمس الأول على كلّ ما قيل وسِيق من اتهامات، إنْ عن «خرق الدستور» أو «التطبيع» مع اسرائيل، موضِحاً التزامه الدستور والمفاوضات التقنية. وكان عون قد التقى أعضاء فريق التفاوض، وهم: رئيس الوفد العميد الركن الطيّار بسام ياسين، والاعضاء: العقيد الركن البحري مازن بصبوص، وعضو إدارة قطاع البترول المهندس وسام شباط، والخبير الدكتور نجيب مسيحي، وأعطاهم توجيهاته مشدداً على أنّ «هذه المفاوضات تقنية ومحددة بترسيم الحدود البحرية، وأنّ البحث يجب أن ينحصر في هذه المسألة تحديداً».

قيادتا «أمل» و»حزب الله» اعتبرتا أنّ «تشكيل الوفد اللبناني بالصيغة التي وردت وضمنه شخصيات مدنيّة مخالِف لاتفاق الإطار». كذلك اعتبرتا أنّ ضَمّ مدنيين الى الوفد اللبناني يُسلّم بالمنطق الاسرائيلي الذي يريد أيّ شكل من أشكال التطبيع، إذ إنّ غالبية شخصيات وَفدِه المفاوِض ذات طابع سياسي واقتصادي». وطالبَ «الثنائي» رئيس الجمهورية بالمبادرة فوراً إلى العودة عن قراره، وإعادة تشكيل الوفد اللبناني «بما ينسجم مع اتفاق الإطار».

وحتى الآن لا تَوجُّه لدى عون الى إعادة تشكيل الوفد المفاوض، بحسب ما تؤكد مصادر قريبة منه. وإذ تشير الى أنّ «كلام عون كان واضحاً عندما أعطى توجيهاته لأعضاء الوفد بأنّ التفاوض تقني لترسيم الحدود البحرية»، توضِح أنّ «وجود خبير في القانون الدولي وترسيم الحدود البحرية، وهو نجيب مسيحي، ضروري لأنّ المفاوضات تجري على الترسيم البحري. كذلك إنّ وجود رئيس هيئة قطاع النفط وسام شباط ضروري لأنّ البحث بعد إجراء ترسيم الخط البحري، الفاصل بين لبنان والاراضي المحتلة، سيشمل عملياً موضوع الحقول البحرية التي يفترض أنها تختزن نفظاً وغازاً، فضلاً عن التفاوض والبحث في حصة لبنان، وإنّ الهيئة معنية بهذا الموضوع إذ إنّها مَن أجرَت دراسات عن أوضاع المياه اللبنانية والمواد التي تختزنها، وتابعت موضوع التنقيب والشركات المنقّبة. وعلى هذا الأساس تم توزيع الحقول النفطية، وتحديد الحقلين 8 و9 المتاخمَين للحقول في الأراضي المحتلة. وبالتالي، لا بد من وجود خبير في هذا الموضوع، فالعسكريّون مهما كان حجم اطّلاعهم إلّا أنّه ليس بمقدار ضلوع أصحاب الاختصاص».

وتشير المصادر نفسها الى أنّ مسيحي وشباط مشمولان بالوفد، ويُشاركان في جلسات المفاوضات كخبيرين تقنيين وليس لإجراء أي بحث آخر أو لـ«التطبيع»، موضحةً أنّ «رئيس الوفد العميد ياسين هو الذي يفاوض، فيما أنّ بقية الأعضاء موجودون لمساعدته إذا احتاج الى أي استفسار تقني في جلسات المفاوضات».

المفاوضات لم تنطلق عملياً أمس، إذ إنّ الجلسة الأولى كانت بروتوكولية، ولكنها ستنطلق عملياً في جلسة تَقرّر عقدها في 26 تشرين الأول الجاري، حيث سيجري البحث في العمق. وهذا البحث يتطلّب وجود خبراء، وفق عون، في حال كان هناك أيّ التباس أو حاجة الى أي استفسار أو توضيح، وإنّ «المدنيين غير موجودين ليطبّعا أو ليعترفا بإسرائيل بل ليساعدا الوفد العسكري، وهما اختصاصيان وتقنيان بدورهما ولا صفة سياسية لهما».

وانطلاقاً من أنّ مشاركة خبيرين تقنيين في المفاوضات لمساعدة العسكريين لا تستدعي هذا الإعتراض المُمنهج، يرى البعض في هذه الحملة على رئيس الجمهورية مجرد «شكليّات» لدى «الثنائي الشيعي»، وتحديداً «حزب الله»، بعد الانتقادات التي وُجّهت إليه لأنّه يفاوض العدو الاسرائيلي، أو لاعتبار جهات عدة أنّه بعد هذه المفاوضات لن يبقى هناك مِن جدوى لسلاحه. فيما قد يكون هناك وراء الحملة مصالح سياسية ضيّقة تتعلّق بملفات داخلية ورسائل متبادلة بين حليفَي مار مخايل، أو رسالة الى الوسيط الأميركي في مفاوضات الترسيم من «الحزب» مفادها أنّ «الترسيم تحت نظرنا ووفق إرادتنا ولا مجال لإمرار أيّ شكل من التطبيع أو مكسب للرئيس دونالد ترامب قبل الانتخابات الرئيسية المقبلة على حسابنا، والتفاوض السياسي هو مع إيران فقط»، بحسب ما تقول مصادر سياسية.

بالنسبة الى المصادر القريبة من عون، إنّ «هذا النوع من الحملات يُضعف الموقف اللبناني». وتسأل: «هل هناك مصلحة لإضعاف الموقف اللبناني في هذه الأوضاع الصعبة التي نمرّ فيها ونُخاطر ونفاوض عدواً إسرائيلياً متهيّئاً دائماً لقَضم أرضنا ومياهنا؟»، وتجيب بطريقة غير مباشرة على محاولة استهداف عون بالقول: «إنّ الكلام عن الوفد يُسيء الى مسار المفاوضات أكثر مما يُسيء الى الأشخاص، ويُتعب الوفد ويضع أثقالاً أمام هذه القضية الوطنية». وتسأل: «هل من الحكمة فتح أبواب كهذه في وقت أنّ الباب الوحيد الذي يجب أن يُفتح هو الذي يؤدي الى نتائج إيجابية، ألا وهو الترسيم؟».

وفي موضوع الترسيم وتأليف الوفد لم يحصل أي اتصال مباشر بين رئيس الجمهورية و»حزب الله»، ووَجّه «الحزب» رسالته الى عون عَلناً وعبر الاعلام. أمّا جواب عون، فهو: «لا تغيير أو تعديل في الوفد المفاوض».