IMLebanon

لبنان في “العقل الأميركي” ديموقراطيًا كان أم جمهوريًا؟!

كتب جورج شاهين في صحيفة الجمهورية:

قد لا ينتهي النقاش قريبًا حول مصلحة لبنان بوصول الديموقراطي جو بايدن الى البيت الأبيض بدلًا من الجمهوري دونالد ترامب. وفي انتظار ان يحسم الجدل، ينصح ديبلوماسيون بعدم ترقّب أي تغيير تعكسه الانتخابات الرئاسية المقبلة تجاه بلدنا. فنظرة الإدارة الاميركية «العميقة» وحّدت الحزبين فالتقيا حول ما يعنينا، وهو ما يعطي توصيفاً واضحاً لموقع لبنان في «العقل الأميركي». فكيف يمكن تفنيد ذلك؟

ليس من السهل الغوص في البحث عن حجم تأثر لبنان بتوجهات الإدارة الأميركية والفروقات التي يمكن الإشارة اليها عند الحديث عمّا شهده لبنان من أحداث في ايام الرؤساء الأميركيين، سواء كانوا من الحزب الديموقراطي او الجمهوري. ففي العقود السابقة التي تناوَب فيها على الرئاسة الأميركية رؤساء من الحزبين لم تشهد الساحة اللبنانية اي متغيرات اساسية وجذرية يمكن التوقّف عندها لتبيان حسنات وسيئات وجود رئيس في البيت الأبيض من هذا الحزب او ذاك.

وفي الوقت الذي يراهن جزء من اللبنانيين على وصول الرئيس الديموقراطي جو بايدن الى البيت الأبيض ليتوقع انفراجات في الساحة اللبنانية والمنطقة، يعتقد آخرون انّ من الصعب ان يكون ذلك ثابتاً. فالتجارب السابقة لم ترهن سياسة واشنطن الخارجية برئيس ديموقراطي او جمهوري. فأصحاب الدعاء والتمني بعودة الديموقراطي الى البيت البيض يعتقدون انه سيكون أكثر انفتاحاً ويمكن ان يقود الى الانفراج المتوقع في لبنان والمنطقة، فيما يتوقف الآخرون امام بعض المحطات التي تقلل من أهمية هذه النظرية الى حدود مناقضتها لاقتناعهم انّ في واشنطن عاصمة اكبر دول العالم “إدارة عميقة” تحكم، وأي تغيير يعكسه توجّه الرئيس سيكون محدوداً جداً، سواء كان جمهورياً ام ديموقراطياً.

وتأسيساً على النظرية الثانية، يقول احد الديبلوماسيين: إذا أجرينا جردة سريعة للعقود الرئاسية الأميركية، نلاحظ انّ الجمهوريين أمضوا سنوات اكثر من الديموقراطيين في البيت الأبيض، ولم يشهد لبنان أيّاً من الانفراجات في عهودهم لِيُهلّل وليُمَنّن البعض النفس بفوز بايدن في الرابع من الشهر المقبل بدلاً من دونالد ترامب، وليدخل البيت البيض في 20 كانون الثاني المقبل، فلا شيء يمكن ان يتغير بسهولة. وهو استند في قراءته الى المراجعة التاريخية الآتية:

ترافَق استقلال لبنان عام 1943 مع وجود الرئيس الديموقراطي فرانكلين روزفلت (1933- 1945)، وخلفه ديموقراطي آخر هو هاري ترومان (1945 – 1953)، وهو من استخدم القنبلة الذرية في هيروشيما وناكازاكي لاستعجال استسلام اليابان والفوز في الحرب العالمية الثانية قبل ان يقود “مشروع مارشال” لإعادة اعمار اوروبا، فقدّم نموذجين متناقضين بوجهَيهما الإجرامي والاعماري. ومن بعده دخل الى البيت الأبيض الرئيس الجمهوري دوايت ايزنهاور (1953 ـ 1961)، قبل ان يستعيد الديموقراطي جون أف كينيدي الرئاسة الاميركية عام 1961 والذي اغتيل في العام 1963، ليغيب من بعده الديموقراطيون عن البيت البيض لمصلحة الجمهوريين، فكانوا على التوالي ريتشارد نيكسون (1969 – 1974)، ومن ثم جيرالد فورد (1974 ـ 1977)، ومن بعده رونالد ريغان (1981 ـ 1989)، ثم جورج بوش الاب (1989 ـ 1993)، قبل ان يعود الديموقراطي بيل كلينتون الى البيت الابيض لدورتين (1993 ـ 2001) ويخلفه الجمهوري جورج بوش الإبن (2001 ـ 2009)، فالديموقراطي باراك اوباما (2009 – 2017)، إنتهاء بوصول الجمهوري دونالد ترامب عام 2017.

بعد هذه الجردة تصنيفاً لانتماءات الرؤساء الأميركيين بين جمهوري وديمقراطي، يضيف الديلوماسي ان ليس الهدف تأريخ الحياة الرئاسية الأميركية بمقدار الإشارة الى انّ ما عاشَه لبنان من مسلسل الأزمات والحروب التي شهدتها الساحة اللبنانية منذ الاستقلال العام 1943 الى اليوم، لم يتأثر بمقدار كبير بوجود رئيس جمهوري او ديموقراطي في البيت الأبيض. فقد خسر العرب جزءاً من فلسطين العربية عام 47 بوجود رئيس ديموقراطي هو ترومان، ووقعت أحداث 1958 في لبنان في عهد رئيس جمهوري هو أيزنهاور، وجاءت أحداث نيسان 96 في عهد الديموقراطي كلينتون، واندلعت حرب تموز 2006 في عهد الجمهوري جورج بوش الإبن، وانفجرت الأزمة في سوريا والعراق وانعكست على الساحة اللبنانية في عهد الديموقراطي أوباما. وعليه، ومن دون التوقف امام كل الغزاوت الاسرائيلية، تُظهِر هذه الوقائع انّ كثيراً من المحطات المأسوية عاشها لبنان في عهود مختلفة كان فيها رؤساء أميركيون من الحزبين. ولم يظهر انّ أيّاً منهم قد انحرف بالسياسة الخارجية الأميركية في شكل لافت الى جانبنا، ولم ينتصر اي منهم للبنان في اي مواجهة مع العدو الاسرائيلي او حال دون ان يكون لبنان رهينة للنزاعات الإقليمية والعربية التي حَوّلت ساحته مسرحاً لحروب الآخرين على أرضه.

والى هذه الجردة التي لا بد منها لإظهار عدم وجود أي فارق بالنسبة الى لبنان بين وجود ديموقراطي او جمهوري في البيت الأبيض، تجدر الإشارة الى عناصر أخرى تدعو الى عدم التفضيل بين بايدن وترامب. فكلاهما ينتميان الى حزبين يقسمان الولايات المتحدة الأميركية، وان تركا هامشاً ضيقاً لأحزاب أخرى، فإنهما يلتقيان على مجموعة من الأهداف والمواقف التي لن تغيّر في نظرة واشنطن تجاه الأزمة اللبنانية ومجرياتها. ففي الامم المتحدة تَناوَب رؤساء من الحزبين على فرض قرارات أساءت الى المصالح اللبنانية في نزاعها مع اسرائيل حول القضية الفلسطينية والقدس، كما بالنسبة الى القرارات الخاصة بلبنان والمنطقة من القرارين 242 والـ 425 الى الـ 1559 والـ 1701، وما بينهما وما تلاهما. وفي مجلس النواب والكونغرس الأميركيين ظهر التعاون جلياً وواضحاً بين كتلتي الحزبين في كثير من القرارات التي تأثر بها لبنان، وخصوصاً تلك التي وضعت تحت خانة مكافحة تبييض الأموال والفساد المالي والاتجار بالبشر، ومكافحة وتمويل الإرهاب وتجفيف مصادره المالية، والتي قادت الى إقفال مصرفين في لبنان بتهمة تسهيل القيام بعمليات لمصلحة “حزب الله” في لبنان وافريقيا واميركا اللاتينية ومناطق مختلفة في العالم. إضافة الى تلك العقوبات التي فرضت على شخصيات مدنية وعسكرية طاوَلت، بالإضافة الى الإيرانيين والسوريين والعراقيين، نواب “حزب الله” والشركات المالية والاستثمارية، وصولاً الى تلك التي طاوَلت الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس.

وبناءً على كل ما تقدّم، يُحذّر الديبلوماسي من الرهان في لبنان على اي تغيير محتمل نتيجة الانتخابات الأميركية، وخصوصاً في قضايا الداخل اللبناني وما يمكن ان يتصل بالأزمة الحكومية بعد النقدية والمالية، فآليّات الخروج من الأزمة بكل تشعباتها معروفة ولم تعد خافية على أحد، وإن بقيَ الرهان على ايّ متغيرات محصوراً بجهات لبنانية محددة، فهي تراهِن مع بايدن على آليّة أميركية جديدة تُحيي الاعتراف الذي أبطَله ترامب بالاتفاق النووي الإيراني اذا عاد الديموقراطيون الى البيت الأبيض لترجمة أيّ انتصار في لبنان، وهو أمر غير مضمون. فعلى أصحاب هذا الرهان التقليص من رهاناتهم، لأنّ القرار بمواجهة الارهاب والتوسّع الإيراني الذي ينسحب على المنظمات الدائرة في فلكها يَنال إجماع الطرفين، ويشكّل عنوان التفاهم مع اسرائيل وحلفائها وحلفائهم العرب.