IMLebanon

وزير الخارجية السعودي: الدولة اللبنانية تعجّ بالفساد بسبب “الحزب”

للمرة الأولى تُبَلْوِر المملكة العربية السعودية بهذا الوضوح «القِفل والمفتاح» في «المشكلة الأساسية» التي يواجهها لبنان والتي يتشابكُ فيها ويتكاملُ الشقّ التقني الإصلاحي بالسياسي ذات الصلة بمقاربة المجتمعيْن العربي والدولي لوضعية «حزب الله» ودوره كصاحب «التحكّم والسيطرة» بالقرار الرسمي والذي باتت منظومةُ الحُكم في «بلاد الأرز» مُبَرْمَجَةً على أساس توفير الغطاء له بما يساهم في المزيد من تمكينه داخلياً وكأحد الأذرع الأكثر فاعلية لإيران ومشروعها في المنطقة.

ولم يَحْتَجْ وزيرُ الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود إلى أكثر من دقيقة ونصف دقيقة مع الإعلامية الأميركية هادلي غامبل لتقديم رؤية بلاده للوضع في لبنان ومآلاته، بما انطوى على إشاراتٍ لا يمكن التغاضي عن تأثيراتها أو أقلّه عن أنها «مأخوذة في الحسبان» أصلاً في سياق مسار تأليف الحكومة العتيدة الذي يديره الرئيس المكلف سعد الحريري والذي بات عالقاً في «فم» الشروط الداخلية المتصلة بلعبة السلطة والأحجام كما المنعطف التصعيدي الذي دخلتْه المنطقة مع بدء العدّ التنازلي لمغادرة الرئيس دونالد ترامب البيت الأبيض (20 يناير)، وسط انطباعٍ متزايدٍ بأن «بلاد الأرز» قد تكون خسرت فرصة اتقاء أي عواصف آتية أو حتى «انتقاء» بعضها لخوضه بالحدّ الأدنى من «مظلة أمان» تقيها السيناريوات الأسوأ مالياً واقتصادياً وربما أمنياً.

وبـ «صريح العبارة» وخالعاً القفازات الديبلوماسية، قال وزير الخارجية السعودي رداً على سؤال حول أن المملكة دعمت الرئيس الحريري في السابق فهل تعتقدون أنه الرجل المنُاسِب لإخراج لبنان من أزمته: «الأمر لا يتعلّق بفرد. بل الأهمّ أن يكون هناك تغيير حقيقي في كيفية العمل وأداء الطبقة السياسية في لبنان»، مضيفاً: «الآن لدينا حالة حيث أن نظام الحُكْم هناك (في لبنان) يركّز في شكلٍ أساسي على تقديم الغطاء لحزب الله، وهو ما يقوّض الدولةَ بالكامل. فالدولة تعجّ بالفساد وسوء الإدارة بفعل سيطرة حزبٍ عليها هو ميليشيا مسلّحة تستطيع فرْضَ إرادتها على أي حكومة. ومن هنا أعتقد أنه من دون إصلاحاتٍ هيكلية تعالج هذه المشكلة الأساسية، الأفراد ليسوا هم المسألة».

ورأى أن «أهمّ ما يمكن لبنان القيام به هو مساعدة نفسه، فالوضع السياسي والاقتصادي هو ثمرة طبقته السياسية التي لا تقوم بالتركيز على تحقيق الرخاء لشعب لبنان»، داعياً «للقيام بالإصلاحات الحقيقية وتقديم الخدمات من أجل البلاد والتركيز على الاستفادة من إمكانات لبنان وطاقات شعبه وهو متعلّم كثيراً ومجتهد للغاية»، ومؤكداً «يستحق لبنان أن يكون من أكثر البلدان ازدهاراً في المنطقة ولكنه يحتاج إلى حُكْم جيّد».

وجاء هذا الموقف السعودي الذي يعكس المناخ الخليجي والعربي عموماً كما الدولي من الأزمة في لبنان، فيما يدور ملف تأليف الحكومة في حلقة مفرغة من التعقيدات وسط اتساع دائرة المطالبات الخارجية بالإسراع في استيلاد تشكيلةٍ كانت المبادرةُ الفرنسية أرستْ ركائزها على أن تضمّ اختصاصيين غير حزبيين لا يكونون «مرتهنين» للقوى السياسية ومن خارج قاعدة «تقاسُم كعكة» الحقائب وترسيم التوازنات التقليدية، قبل أن توضع هذه المبادرة في عيْن العقوبات الأميركية التي ستتوالى على حلفاء «حزب الله» في لبنان (آخِرهم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل) والرياح التسخينية في المنطقة التي تشهد ميادينُها تحميةً مدروسةً ومفتوحةً على شتى الاحتمالات المتصلة بالمواجهة مع إيران وأذرعها والتي صارت تُسابِق موعدَ تسلُّم جو بايدن الحُكْمَ في الولايات المتحدة وتسليمه وقائع غير قابلة للنقض على الأرض.

وفيما كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش آخِر المسؤولين الدوليين الذين يحضوّن قادة لبنان على «الموافقة بسرعة على تشكيل حكومة جديدة قادرة على تنفيذ الإصلاحات والاستجابة لاحتياجات الشعب اللبناني»، لم تعُد الأرقام القياسية في مستوى الفشل والتحلل اللذين باتا يحكمان الوضع في «بلاد الأرز» تفاجىء اللبنانيين ولا غالبية الطبقة السياسية التي تبدو وكأنها تمْضي في الاستثمار بالانهيار «حتى آخِر رمق» للبنان، وبعضها سلّم بعدم القدرة على تأليف حكومةٍ تُوازِن بين شروط الخارج وموازين القوى الداخلية، وسط اقتناعٍ بأن مثل هذه «الخلْطة» قد تكون أصبحت مستحيلةً، وهو ما يفسّر التسريبات عن احتمالِ تعويم حكومة تصريف الأعمال ولو من باب ترْك «قنبلة» رفْع الدعم القسري عن مواد استراتيجية (ولو تحت عنوان ترشيد استخدام بقايا الاحتياطي بالدولار لدى مصرف لبنان) ينفجر بين يديْها، لتبدأ أي حكومة جديدة «على بياض» في هذا الإطار متى توافرتْ الظروف الاقليمية لولادتها أو تَحَقّقت مفاجأة داخلية تبدو حتى الساعة بعيدة المنال.

وفي هذا السياق، جاء إعلان الخبير الاقتصادي الأميركي البروفيسور ستيف هانك أمس أن لبنان تجاوز دولة زيمبابوي ليصبح بالمرتبة الثانية من حيث التضخم العالمي، كاشفاً أن نسبة التضخم في لبنان سجلت 365 في المئة لتسبقه دولة فنزويلا التي تحتل المرتبة الأولى عالمياً بنسبة 2133 في المئة.