IMLebanon

معركة عون: تحصين جبران!

كتب نبيل هيثم في “الجمهورية”:

هل يتطلّب تشكيل الحكومة تسوية جديدة بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر؟ وهل انّ هذه التسوية ممكنة؟ وهل انّ الطرفين قادران على نسج مثل هذه التسوية؟ ومن يحتاج إلى هذه التسوية أكثر من الآخر؟

بمعزل عمّا إذا كانت هذه التسوية حاجة للطرفين، فحتى لو كانا راغبين فيها فإنّهما ليسا قادرين على بلوغها، لأسباب كثيرة، لعل أهمّها هو أنّ لبنان لن يكون قادراً على تحمّل أيّ شكل من التسويات السياسية، سواء بين ثنائيّات أو ثلاثيّات أو رباعيّات، ذلك أنّ لبنان دفعَ، ولمّا يزل، ثمن ما سُمّيت بالتسوية السياسيّة – الرئاسية بين «التيار الوطني الحرّ» و»تيار المستقبل»، او بمعنى أدق :»تسوية الـ»سين – جيم»؛ (بين سعد الحريري وجبران باسيل)، التي أنتجَت عهد الرئيس ميشال عون. ففي ظلّ هذه التسوية سقط لبنان وانحدر الى وضعٍ هو الأسوأ في تاريخه، الى حد أنّه صار على وشك الزوال اقتصاديّاً وماليّاً.

من النتائج المباشرة لتسوية الـ» سين – جيم» الغضب الشعبي الذي انفجر في 17 تشرين الاول 2019، يضاف إليها انّ طرفي التسوية أصيبا بضعف مريع، وهي حقيقة لا يستطيعان أن ينفياها، مهما حاولا ان يحجباها بتكبير حجارة التراشق السياسي، سواء بينهما او في اتجاهات سياسية أخرى. ومن هنا، ثمّة من يقول إنّ الطرفين قد يكونان في قرارة نفسيهما يتمنيان هذه التسوية بينهما، باعتبارها حاجة ماسّة لكليهما، وفرصة خلاص لهما، لإعادة استنهاض نفسيهما، خصوصاً أنّهما يعانيان حضوراً متراجعاً، ولو عاد الأمر لهما لَما تردّدا في تجاوز كل الخطاب الناري الذي اشتعل بينهما منذ ما قبل انتفاضة 17 تشرين، لإعادة نسج خيوط أي تسوية جديدة بينهما من دون اكتراث او اعتبار لأيّ أمر آخر، على غرار ما حصل في زمن التسوية السابقة.

وتبعاً لذلك، يجزم أصحاب هذا الرأي بأنّ الطرفين ممنوعان من إبرام أي تسوية بينهما، إذ انهما لا يملكان قدرة فرضها على المكونات السياسية الاخرى، كما لا يستطيعان ان يتجاوزا الوقائع الداخلية التي انحدرت بالبلد الى أسفل مستوى، كما لا يجرؤان على تحدي الناس الغاضبين بإعادة عقارب الزمن الى ما قبل انتفاضة 17 تشرين الأول، ولا يجرؤان ايضاً على تحدي العامل الخارجي الذي انحازَ لغضب اللبنانيين، ورفعَ راية محاسبة السياسيين الفاسدين، وصولاً الى فرض عقوبات على احد طرفي التسوية؛ جبران باسيل.

وأمام هذه الموانع، لم يعد لكلّ منهما سبيل سوى التمَوضع خلف متراسه، محاولاً ان يحقق القدر الاعلى من المكاسب والمعنويات السياسية على حلبة تأليف الحكومة، ويتجلّى ذلك في أنّ كلّاً منهما رفع مطالبه وشروطه الى السقف الاعلى، من دون أن يترك للتراجع «مطرحاً»، فكلاهما يعتبران أنّ ايّ تراجع من قبلهما عن أيّ مطلب أو أيّ شرط، هو رِبح للآخر على حسابه. وكلاهما، من خلال السقف العالي، يحاولان أنّ يوجّها الرسائل الى اتجاهات مختلفة في الداخل والخارج في آن معاً.

هنا تكمن عقدة تأليف الحكومة، وليس ما يؤشّر الى نيّة حلحلة من قبل شريكَي التأليف؛ رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري.

هناك من يعتبر انّ المعركة القائمة على حلبة الحكومة، ليست معركة تأليف وخلاف على أحجام ووزارات وتسمية وزراء، بقدر ما هي معركة صارت وجودية بالنسبة الى الطرفين ومفروضة عليهما.

وعلى ما يقول اصحاب هذا الرأي، فإنّ الحريري، في مجالسه العامة والخاصة، يصَرّف فعل الندامة على تسوية كان شريكاً فيها، لأنّها فرضت عليه دفع أثمان باهظة، سواء على المستوى الداخلي وضمن بيئته السنيّة والسياسية، أو على مستوى علاقاته وصداقاته الخارجيّة، خصوصاً مع السعوديّين. وبالتالي، فإنّ تكليفه تشكيل الحكومة يعدّ بالنسبة اليه فرصة لإعادة تصحيح خطأٍ مُكلِف ارتكَبَه بالانخراط في تسوية أغضَبت «القريب والصديق».

وهناك من ينقل كلاماً واضحاً بـ»أنّ الحريري الذي لُدِغ مرة من جُحر التسوية مع عون وباسيل و»التيار الوطني الحر»، لا يريد أن يُلدغ من الجحر ذاته مرة ثانية. قيل هذا الكلام قبل العقوبات على باسيل وبعدها. وضمن سياق تجنّب «اللّدغ» حَدّد الحريري معياراً أساسيّاً للتأليف، وهو الوصول الى ما سمّاها حكومة اختصاصيين من غير الحزبيّين، يستطيع أن يديرها بعيداً عن مزاجيّة جبران باسيل، ومتحرّرة من أي محاولة للتحكّم بها من قبله، او أيّ دور تعطيلي او إرباكي لقراراتها، على ما كان يحصل في التجارب الحكومية السابقة».

وعلى ما يقول اصحاب هذا الكلام، فإنّ الحريري ليس في وارد أن ينزل تحت هذا السقف، حتى لو استمر تأليف الحكومة معلّقاً الى ما شاء الله، فورقة التكليف في يده، ولن يتخلى عنها، كما انه لن يحقق تمنيات «بعض شركاء التأليف»، بإعلان اعتذاره عن تشكيل الحكومة، ذلك أنّه مدرك أنّ مجرّد تخلّيه عن ورقه التكليف، ليس معناه الخروج من لعبة التأليف فقط، بل الإجهاز على البقية الباقية من حضوره، وبالتالي الخروج ربما الى خارج الملعب السياسي، خصوصاً انّ هناك كُثراً متربّصين به في بيئته وفي محيطه السياسي وكذلك العائلي.

على أنّ الصورة في المقلب الرئاسي لا تبدو مختلفة كثيراً، بحسب ما تعكس قراءة سياسية للموقف الرئاسي، حيث تعتبر أنّ رئيس الجمهورية يخوض معركة ربما تكون أصعب من معركة الحريري، ذلك انّ معركته مزدوجة؛ فمِن جهة هو مُدرك انّ الحكومة الجاري تشيكلها هي الاخيرة في عهده، وبالتالي هو يرغب، مع دخول ولايته ثلثها الثالث، بحكومة يُعيد من خلالها تحصين العهد، وتعويض إخفاقات السنوات الأربع الماضية، لكنّ الصيغة الحكوميّة التي يطرحها الحريري لا تلبّي رغبته هذه. ومن جهة ثانية، حماية جبران باسيل، وإبقاؤه حاضراً في صدارة المشهدين السياسي والحكومي. فرئيس الجمهورية يعتبر أنّ باسيل يتعرّض لمحاولة إعدام سياسي «في عزّ شبابه السياسي»، ولعلّ الضربة الأقسى التي تلقّاها عون تمثّلت بالعقوبات الأميركية على باسيل.

من هنا، تضيف القراءة السياسية، فإنّ تجاوز تلك العقوبات ليس بالأمر السهل، وتداعياتها ستبقى مستمرة الى زمن مفتوح وغير محدد. وبالتالي، إنّ صيغة الحكومة التي يطرحها الحريري بلا ثلث معطّل لعون او بالاحرى لباسيل، عبر وزراء الرئيس والتيار، ستعني انّ باسيل صار خارجها، وفي أحسن الاحوال سيصبح على الهامش مُتخبّطاً بتداعيات العقوبات عليه، وبعلاقات سياسية مأزومة مع مختلف الاطراف، وخصوصاً في الشارع المسيحي.

وتبعاً لذلك، على ما تقول القراءة السياسية، فإنّ عون يشعر أنّ هناك في الداخل من اعتبر انّ باسيل بعد العقوبات الاميركية لن تقوم له قائمة، ويسعى الى استكمال هذه العقوبات، على حلبة تأليف الحكومة. هذا الامر، الى جانب العقوبات، يجعل رئيس الجمهورية متصلّباً أكثر، فهو محكوم بحماية صهره الذي يعتبره العنوان الأساس لحصانة العهد، وبإبقائه رقماً فاعلاً في قلب المعادلة السياسية الداخلية، وبالتالي لن يوقّع مرسوم حكومة إلّا التي ستكون لباسيل فيها اليد الطولى، أقلّه من خلال وزارات أساسية، وكذلك عبر الثلث المعطّل.