IMLebanon

معادلة الترسيم: “الحق” في مواجهة “القوة والغطرسة”

كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:

على قاعدة انّ المواجهة مفتوحة بين «قوة الحق» الذي يتمتع بها لبنان في مفاوضاته مع اسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية مقابل شعور اسرائيل بـ»القوة والغطرسة»، يستعد لبنان للمرحلة المقبلة من المفاوضات متى قرر الوسيط الاميركي الدعوة الى استئنافها. وأيّاً كان الموقف الاميركي فإنّ لبنان سينتظر التزام الطرفين بالمعاهدات والقوانين الدولية مهما طال الزمن ولا داعي للمزايدات. فلماذا وكيف؟

قبل ساعات قليلة على وداع 2020 جمع رئيس الجمهورية ميشال عون في القصر الجمهوري وزير الخارجية شربل وهبة واعضاء الفريق اللبناني المفاوض لترسيم الحدود البحرية. وهو ما دفعَ الى التساؤل عن الاسباب التي دفعت الى هذا اللقاء طالما انّ المفاوضات مجمدة، قبل ان يأتي الجواب بضرورة التحضير للسيناريوهات المحتملة استعداداً لخطوة الوسيط الاميركي لاستئنافها مع بداية عهد اميركي جديد. وعليه، كيف سيقارب لبنان المرحلة المقبلة؟ وما الذي قاد الى مثل هذا الاجتماع؟

عشيّة الموعد الذي كان محدداً ما بين 12 و13 كانون الاول الماضي لعقد الجلسة الرابعة من المفاوضات اللبنانية – الاسرائيلية لترسيم الحدود البحرية، التي دعا الى تأجيلها الوسيط الاميركي جون دوريتشر، كان الديبلوماسي الاميركي قد بدأ جولة مكوكية استهلّها من القدس قبل ان يزور بيروت والعودة منها الى هناك في مَسعى للتقريب بين وجهات النظر بين الجانبين، بعدما رفض الجانب الاسرائيلي خريطة الجيش اللبناني في شأن الخط الوسطي الجديد استناداً الى ما قالت به قوانين البحار والمعاهدات الدولية وما رسمته اتفاقات الهدنة عام 49 تأسيساً على شكل ومضمون الخرائط التي أقرّت لترسيم الحدود البرية اللبنانية مع فلسطين المحتلة منذ العام 1923.

وانطلاقاً من مجموعة من السيناريوهات المتوقعة بعد تَوجّه الوسيط الاميركي من بيروت مباشرة الى اسرائيل ومنها الى واشنطن، وعدم الرد على مجموعة الاسئلة والملاحظات اللبنانية التي حملها، كان على لبنان البحث في الخيارات المتاحة. فالرد اللبناني على الطروحات الاسرائيلية لم يتغير منذ الجلسة الثالثة للمفاوضات. وعليه، فقد بدأ الوفد اللبناني سلسلة مشاورات للبحث في ما يمكن ان يكون عليه الموقف انتظاراً لموقف اميركي واضح وصريح قد يصدر في اي وقت.

لا يتجاهل الجانب اللبناني إمكان تريّث السفير دوريتشر في الدعوة الى هذه المفاوضات في انتظار ان تتسلم الإدارة الأميركية الجديدة مهماتها في العشرين من الجاري، وما يمكن ان يُقدم عليه وزير الخارجية الاميركي الجديد انطوني بلينكن من إبقائه مكلّفاً المهمة او تكليف احد سواه، مع العلم انّ بلينكن ليس بعيداً عن هذه الأجواء فهو من موقعه السابق في ادارة الرئيس باراك اوباما رافق مهمات أسلاف دوريتشر عاموس هولكشتاين بعد فرديريك هوف. فالأمر بالنسبة الى استئناف المفاوضات لا يقف حتى اللحظة عند الدعوة التي وجهها وزير الخارجية الحالي مايك بومبيو الذي يستعد لترك منصبه مع نهاية ولاية ترامب، إلا في حال كان قراره بتوجيه الدعوة الى الجلسة الخامسة قبل هذا الموعد، وهو أمر وارد في اي لحظة.

وأيّاً كانت التوجهات الأميركية المرتقبة مع تسلم الادارة الجديدة مهماتها، فإنّ الاعتقاد يسود انّ الرئيس الاميركي الجديد جو بايدن لن يغيّر في استراتيجية بلاده في هذا الشأن. فالتفاهمات السابقة التي رَعت هذه الخطوة تحظى بإجماع الحزبين الجمهوري والديموقراطي، ولذلك سيكون على لبنان الاستعداد لأي خطوة مقبلة من دون اي تعديل في مسار العملية. ومن هذه النقطة بالذات أجمَع المشاركون في لقاء بعبدا على بعض الخطوات، ومنها:

– لم تتبدل الاستراتيجية التي اعتمدها الوفد اللبناني في المراحل التي عبرت من جولات التفاوض وتمكّن من مواجهة الطروحات الاسرائيلية ودَحضها، بدليل انّ ما هَّولت به وسائل الاعلام الاسرائيلية عن خط اسرئيلي جديد الى الشمال من منطقة الـ 860 كيلومتراً لم ينقله وفدها المفاوض الى طاولة الناقورة.

– تمسّك لبنان بخط الجيش اللبناني الذي رسمه وفق الاتفاقات والمعاهدات الدولية وبالاستناد الى دراسات بريطانية وفرنسية سابقة حددت نقاط الانطلاق لترسيم الخط البحري من النقطة البرية الثابتة التي لا جدال حولها على مستوى الهيئات المعنية في الامم المتحدة، وإن كانت اسرائيل تريد التلاعب بها فإنها لم تفلح الى اليوم.

– ليس من الضروري الاقدام على اي خطوة لبنانية منفردة من اليوم، وخصوصاً الحديث عن ترسيم من جانب واحد في انتظار استكشاف الموقف الاميركي الجدي والنهائي، فهو وحتى هذه اللحظة ما زال غامضاً ولم يُبادر الى طرح أي اقتراح أو خطوة مقبلة. فلبنان يصرّ على الاحتفاظ بكل حقوقه، أيّاً كانت الكلفة المقدرة ديبلوماسياً او على اي مستوى آخر.

– انّ الحديث عن خط هوف او منطقة الـ 860 كيلومتراً مربعاً قد تجاوزتها المفاوضات الاخيرة، ولم يكن لبنان ينتظر موقفاً داعماً رفضه هذا الخط أكثر من اعتراف صاحبه بنفسه وتزامناً مع انطلاق مفاوضات الناقورة غير المباشرة بأنّ اقتراحه لم يكن سوى مجرد «فكرة ومخرج» اميركي للتوصّل الى صيغة وسط في حاجة الى موافقة الطرفين، لكنه بقي مجرّد اقتراح لم يحمل الصفة التنفيذية من الجانب اللبناني على الاقل الذي بَيّن في حينه حجم الخسارة اللاحقة بحق لبنان.

على هذه الأسس انتهى اجتماع بعبدا الى تجديد التشديد على «اتفاق الإطار» الذي دخل لبنان المفاوضات غير المباشرة على اساسه. وكما نقل عن رئيس الجمهورية قوله في الاجتماع انّ «في إمكان لبنان ان ينتظر سنوات الى أن يقرّ الجانب الاسرائيلي ومعه الوسيط الاميركي بحقه في كل المنطقة الاقتصادية».

وعليه، تحذّر المراجع المعنية بالملف من انّ مقاربة هذا الملف من خارج هذه الاطر قد تضرّ بالموقف اللبناني. فالتوجيهات المُعطاة للوفد اللبناني، والتي يلتزم بها، لا تسمح بالمزايدات من اي طرف كان. فالاجماع اللبناني المطلوب خلف الوفد كاف ليبقى متمسّكاً بحقه الكامل، فلا تقوى عليه القوة والغطرسة الاسرائيلية في انتظار الموقف الاميركي إن بقيَ موقفاً وسيطاً ومسهلاً، وان خرج عن هذه المهمة فإنّ الأمر لن يبقى سراً.