IMLebanon

الفخّ المنصوب لماكرون

كتب طوني عيسى في “الجمهورية”:

ليس مُهِمّاً إذا كانت المعطيات ستسمح بتشكيل حكومة جديدة في المدى القريب. المُهمّ هو: هل ستكون هذه الحكومة حكومة الحلّ أم نسخةً ثانية عن حكومة “التصريف” الحالية؟

نام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وأقفل الباب على مبادرته اللبنانية، طوال الأسابيع الأخيرة من عهد الرئيس دونالد ترامب. وفي اعتقاده أنّ الظروف لإنجاح هذه المبادرة قد تتحسَّن إذا وصل الديموقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض.

موقف ماكرون يعني أنّ مشكلته في لبنان ليست فقط في موقف إيران و”حزب الله”، بل أيضاً في الموقف الأميركي. واستطراداً، يعني ذلك أنّ ماكرون لا يتبنّى وجهة النظر الأميركية من “حزب الله”، كما لا يتبنّى وجهة نظر إيران. وعملياً، هو يحاول أن يكون وسيطاً محايداً لتجنيب لبنان أن يكون “كبش المحرقة” في النزاع بين واشنطن وطهران.

ولذلك، منذ انطلاق انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، ظهر التباين بين ترامب وماكرون حول لبنان، بدءاً باللجنة الثلاثية على مستوى المدراء في وزارات الخارجية. فقد كان الأميركيون يرون أنّ لا حلّ إلّا في رفع منسوب الضغط على لبنان وقوى السلطة وعزل “حزب الله”، فيما بقي ماكرون يراهن على استمرار النهج السابق، أي “الأسلوب الناعم” وإشراك “الحزب”.

وسياسة “الأسلوب الناعم” كان أرساها أقطاب 14 آذار أنفسهم في العام 2005، عندما أبلغوا الى إدارة الرئيس جورج بوش بما يأتي: شكراً لأنك ساعدتَنا لإخراج القوات السورية من لبنان وإصدار القرار 1559، ولكن، دَعْ مسألة «حزب الله» علينا. نحن نتكفَّل بـ”لبننة” “الحزبط من دون تدخّلات خارجية، فهذا أسلم للبلد.

في لحظة معينة، نضج لدى ماكرون الاقتناع بأنّ لا حلّ في لبنان إلّا بعزله عن المؤثرات الإقليمية وتطبيق إصلاحات حقيقية. وبهذا اقترب من الأميركيين، فأفسحوا له المجال لإنجاح مبادرته. وكان ذلك بعد انفجار المرفأ، وبعد معاناة طويلة عاشها الفرنسيون مع منظومة السلطة، منذ مؤتمر “سيدر”، وكانت مريرة في التصدّي لأي إصلاح.

في زيارة ماكرون الأولى لبيروت، ظهر إصراره، وبنحو قاسٍ، على تطبيق مبادرته بروحيتها وحذافيرها. ولكن، مع الوقت، تلاشى الضغط الفرنسي وأصبح مجرد وساطة لتأليف الحكومة “بمن حضر”، و”على الطريقة اللبنانية”. وهنا اتسع الخلاف مع ترامب.

مشكلة ماكرون اليوم، هي أنّ بايدن لم يبدِّل نهج ترامب الأساسي تجاه إيران و”حزب الله”، وإنما قد يعدِّل في الأسلوب فقط. وهو في هذا الملف يسير على خطين متوازيين:

1- منع طهران من الحصول على القنبلة النووية، مع الاعتراف بأنّ الرئيس باراك أوباما لم يكن حازماً معها في ملف الصواريخ البالستية.

2- لا تنازل في مسألة أذرع إيران في الشرق الأوسط. وهذا ما ظهر واضحاً في الموقف الذي أطلقه قبل أيام رئيس الأكثرية الديموقراطية في مجلس النواب ستيني هوير، والذي عبّر فيه عن الرفض لاستمرار حضور «حزب الله» في الحكومة اللبنانية، ودعا إلى محاسبته.

العارفون يقولون إنّ المرحلة الحالية تذكّر بمرحلة 2004، على عتبة انتهاء عهد الرئيس إميل لحود. وكان هناك ضغط دولي لعدم التجديد. ولم يكن أحد يتوقع أن يصدر قرار دولي بمضمون القرار 1559.

في تلك الفترة، إعتذر الرئيس رفيق الحريري عن تشكيل حكومةٍ ليس مقتنعاً بالتوازنات فيها. وحدث ما حدث بعد ذلك من مواجهات واغتيالات سبقت انسحاب السوريين وأعقبته. ولم يتوقف الاهتزاز- نسبياً- إلّا بعد أحداث 7 أيار 2008.

في رأي العارفين، أنّ المرحلة الحالية توحي أيضاً بالمواجهات والعنف. وربما يكون البلد مقبلاً على تحوّلات كبيرة. ووفق هؤلاء، فإنّ “الحزب” تلمَّس عبر الأقنية من واشنطن، أنّ المراهنة على عهد بايدن لا يمكن الركون إليها.

لذلك، يحاول ماكرون كسب الوقت لإنجاح مبادرته وتشكيل حكومة، “بما تيسَّر”، إذا كان متعذراً تأمين الشروط لروحية المبادرة الأساسية. ولذلك، هو يشجّع الرئيس سعد الحريري على الإفادة من الفرصة السانحة، بالاستناد إلى الدعم المصري والإماراتي، في غياب الدعم السعودي، أو على الأقل لتشغيل القاهرة وأبو ظبي في الوساطة مع السعوديين.

وفي المحصلة، سيكون ماكرون أمام امتحان صعب بين أحد خيارين:

1- تشكيل الحكومة التي نادى بها في مبادرته، في لحظتها الأولى، أي حكومة مصطفى أديب، المؤلفة من مستقلّين والتي توحي بالثقة، وأدّى تعذّر تأليفها إلى اعتذاره.

2- القبول بحكومة الأمر الواقع، أي بنسخة جديدة من حكومة حسّان دياب، ولكن برئاسة الحريري. وفي معنى آخر، سيكون الحريري أمام تحدّي الموافقة على ترؤس الحكومة التي رفضها والده الرئيس رفيق الحريري في العام 2004. والمسألة تتعلق بما سيفعله ماكرون تحديداً، وعليها يتوقف مصير المأزق اللبناني.

المطلعون قلقون من التطورات الآتية. وهم يعتقدون أنّ “استسهال” الفرنسيين لتسوية سريعة وآنية قد يكون الفخّ المنصوب لمبادرتهم، والذي سيدمّرها ويقود إلى تفاقم المشكلة في لبنان، وإلى دفع أثمان أكبر.