IMLebanon

الفاتيكان لن يتخلى عن لبنان وشعبه

كتبت لينا الحصري زيلع في “اللواء”: 

شدت الأيام الماضية تحركات خارجية لافتة بإتجاه لبنان، إن كانت عربية من خلال زيارة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمان آل ثاني الى بيروت، أو دولية تمثلت بجولة الرئيس المكلف سعد الحريري الى عدد من الدول الصديقة والشقيقة، أو فاتيكانيّة من خلال المواقف التي أطلقها البابا فرنسيس من عاصمة الكثلكة أمام أعضاء السلك الديبلوماسي، والتي خص بها لبنان بشكل مباشر، كلّ هذه التحركات جاءت بالتزامن مع كلام عالي النبرة للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي مدعوما ومتناغما بكلام رأس الكنيسة الكاثوليكية الذي حذّر فيه اللبنانيين عمومًا والمسيحيين خصوصا من خطر فقدان الهوية الوطنية والانغماس داخل التجاذبات والتوترات الاقليميّة والدّوليّة، وقارب في كلمته معظم الازمات التي يعاني منها لبنان، إن كانت اقتصادية او سياسية ، وتطرق أيضا الى أهمية معالجة مسألة النزوح السوري واللجوء الفلسطيني، واللافت  في كلام البابا دعوته الصريحة والواضحة الزعماء السياسيّين والدينيّين إلى وضع مصالحهم الخاصة جانبا والالتزام في تحقيق العدالة وتطبيق الاصلاحات .

ولكن بالعودة إلى مواقف البطريرك الراعي فبعد اعلان بكركي «مذكرة لبنان والحياد الناشط» في آب الماضي، أطلق الراعي مبادرة من اجل تقريب وجهات النظر بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس الحريري  لم يكتب لها النجاح بسبب تعنّت فريق من الحُكم بمطالِبه. وأمام ذلك استمر البطريرك الماروني يحثّ المسؤولين ويطلب منهم في عظاته العمل لإنقاذ لبنان وشعبه في أسرع وقت ممكن، ولكن وبعد عدم الاستجابة لدعواته المتكررة  لم يبقَ أمامه سوى التوجّه إلى الامم المتحدة ودعوته لعقد مؤتمر لانقاذ لبنان من السّقوط.

كما إنّ كلام مطران بيروت للموارنة بولس عبد الساتر في عيد ما مارون لم يقلّ أهميّة عن كلام الراعي، والمعروف عن الاول كلامه الواضح والذي يتوجه به بالمباشر وبشكل مستمر الى المسؤولين واضعا النقاط على الحروف ليُلاقيه هذا العام من طرابلس الجريحة رئيس أساقفتها للموارنة المطران يوسف سويف الذي رفع الصّلاة لتحرير لبنان من الأيديولوجيّات التي تسعى إلى تغيير اختباره التّاريخيّ، كذلك الأمر بالنسبة إلى مطران بيروت للروم الارثوذكس الياس عودة،  وهو لم يترك مناسبة أو عظة إلا وعبّر فيها عن المه من ما يجري وخوفه على لبنان ومستقبل أبنائه.

وحول هذه المواقف يستهلّ  الخبير في السياسات العامة زياد الصائغ حديثه الى «اللواء» بالتأكيد أن «لبنان في خطر داهم، وهو يواجه خطر فقدان هويته خصوصا في زجّه بصراعات إقليمية ودولية، هذا الكلام للبابا فرنسيس منذ أيلول الماضي وأمام السلك الديبلوماسي منذ أيّام، معطوفا على رسالته الخاصة للبنانيين إبان عيد الميلاد، وزيارة أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين إلى لبنان ورسالته الكثيفة الدلالات للبنانيين:«لستم وحدكم»، أضف الى ذلك المواقف العالية السّقف للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي التي تدرجت من اتهام المنظومة السياسية بإبادة شعبها ،فإدانة انقلابها على الدستور واعلان قصورها ما يستدعي مساندة دوليّة لانقاذ الشعب اللبناني الضحية، فتكريس حياد لبنان هدفا بنيويّا لأي خلاص مرتقب ومفترض لوطن الرسالة،  ناهيك عن صرخات مدوية للمطران الياس عودة بتجريم المسؤولين السّاعين إلى مصالحهم والدّوس على حقوق المواطنين، إلى حدّ التأكيد على ممارسة هذه المنظومة الخيانة العظمى، إلى كلام المطران عبد الساتر الصّارم، والمطران يوسف سويف الخطير ، كلّ ما سبق يستدعي تفكّرا في أي دينامية يمكن أن نشهدها في الأيام المقبلة فاتيكانيا وكنسيّا بالمعنى التنفيذي في موازاة هذه المواقف الشديدة الرمزية بمعنى رفعها الخطر الى المستوى الوجودي».

ويضيف الصائغ: «ديبلوماسيّة الفاتيكان أخلاقيّة بامتياز، ولنتذكّر الارشادالرسولي(1997) الذي كان بمثابة شرارة الدعوة لاستفاقة ضمير لبنانية تدعم توجهات الكنيسة الأمّ المارونية، وتحفيز للعالم العربي والمجتمع الدولي بالتنبّه لخطورة اغتيال هوية لبنان، وكان يعاني حينها احتلالين اسرائيلي وسوري. الإرشاد الرسولي(رجاء جديد للبنان) وتكريس القديس يوحنا بولس الثاني لبنان أكثر من وطن بل رسالة يحكي أبويّة محبة الفاتيكان له، وما يعبّر عنه البابا فرنسيس  اليوم من خيار انقاذه رافعا مستوى الخطر الذي يواجهه إلى الحضاري الوجودي، وهنا بيت القصيد. الخطر على الهوية، بهذه المقاربة يتجلّى أنّ عيناً ساهرة على لبنان وشعبه لن تتخلّى عنه ليكون رهينة أو فريسة أو ضحيّة مقايضة».

وعن ماهيات هذا الخطر الوجودي بحسب متابعته لرؤية الفاتيكان وتحركه الديبلوماسي يقول الصائغ:» شديدة الدقة إشارة البابا فرنسيس إلى أنّ لبنان يواجه خطر فقدان هويته. أوليس لبنان يتعرض لاخطر انقضاض على ما يميّزه، وهو مساحة حرية، وتنوع وثقافة وتعددية،وديموقراطية ومساهم في صوغ شرعة حقوق الانسان؟ من هنا ينهي البابا فرنسيس كلّ تدوير للزوايا في أنّ ما نحن فيه من ازمة مالية اقتصادية حصراً بل هذه الازمة عارضٌ من العوارض التي نعاني، فيما المطلوب معالجة المسببات، أي وقف خطف لبنان ورهن شعبه تصفية لحسابات اقليمية ودولية، وفكّ أسره من تحالف الفساد والترهيب. وفي التصويب على هذا الخطر تحسّس فاتيكاني لموجب التحرك المنهجي والسّريع لانقاذ اللبنانيين، وهم ضحية جريمة منظمة تقودها المنظومة ضدهم حاكماً ومتحكّماً.»

وحول ما إذا كان الفاتيكان يعلن موقفا مبدئيا أخلاقيا أم ثمة تحركا متكاملا في اتجاه انقاذ لبنان يؤكد الصائغ «أن للفاتيكان قوّته الديبلوماسيّة الناعمة والفاعلة، وهو عبر أمين سر الدولة الكاردينال بارولين، وحتما بتوجيهات من البابا فرنسيس، يتولّى التنسيق مع كلّ اصدقاء الشعب اللبناني على المستوى العربي والدولي، وخصوصاً الاوروبي-الأميركي -الروسي  والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ،وفي إصرار ثابت للبحث في كل سيناريوهات حماية الشعب اللبناني وإنقاذ هوية لبنان على انه كان ملفتا كلام البابا فرنسيس امام السلك الديبلوماسي على أنّ مسيحيي لبنان ليسوا أقلية يجب حمايتها، وبالتالي يثبُت أنّ منطق حلف الاقليات وطلبِ حمايتهم من خلاله الذي انخرط فيه مسيحيون انتحاري ومشبوه وقد سقط، وهو يتعارض مع الصّيغة اللبنانية في العيش الواحد حيث المواطنة الحاضنة للتنوع نموذج حضاري وفي هذا إدانة بالخيانة  التي مارسها أفرقاء مسيحيون بحق الثوابت التاريخيّة لمسيحيي لبنان وللصيغة اللبنانية وللميثاق، والعيش الواحد مع المسلمين، ناهيك باختيارهم مواقع النفوذ على حساب الدور الحضاري . ومحاولة هؤلاء التلاعب بمعنى لبنان ودوره، وما قاله البابا فرنسيس يؤكد تنبّهه إلى  استرسالهم في هذه الخيانة».

ودعا الصائغ إلى «قراءة عميقة لزيارة البابا فرنسيس إلى العراق واللقاء الذي سيجمعه بالسيد السيستاني، والتي ستكون استكمالا لنبويّة وثيقة الأخوّة الانسانيّة التي وقّعها مع شيخ الأزهر، بما يؤكّد خيار قيام الدّولة المدنيّة وتبنّي المواطنة الحاضنة للتنوّع نهج حياة في مواجهة استنفار الأقلويّة شعبويّا وتسيّد الأصوليّات ذات الأحلاف الموضوعية ولو أنها في ظاهرها تتناقض».

وحول مواقف البطريرك الراعي يقول الصائغ «واضحة حاسمة جازمة وتستدعي تأطيرا في حركة متكاملة، وتستعيد الثبات في الخيارات الوطنية الاخلاقية، حيث لا مهادنة مع من يريد الاستيلاء على لبنان والهيمنة على دوره وتغيير جيناته المؤسّسة،وتهجير شعبه، والبطريرك الراعي يلاقي بهذا البابا فرنسيس، وقد تكون الانتلجنسيا المسيحية كما الاسلامية المتحررة من مقيمين ومغتربين معنية بمواكبة كلّ هذه المواقف بحركة جدية من ضمن مبادرة انقاذية وطنية لاحت تباشيرها في ما دَعت اليه القوى المجتمعية الحية في لقاء قصر العدل 23 تشرين الثاني 2020 لاسترداد الدّولة وإعادة تكوين السّلطة، كما من ضمن وحدة الرؤية والقيادة والبرنامج والتنظيم في الائتلاف المدني الوطني المعارض بين قوى ثورة 17 تشرين.»

وعمّا يثار حول هذه المواقف من ريبة يحملها التدويل يرد الصائغ: «لبنان عضو مؤسس في الامم المتحدة، وفي جامعة الدول العربية، وحماية شعبه وإنقاذ هويته مرتبطان بالأمن القومي العربي والسلام الاقليمي والدولي، وهذا يضمنه القانون الدولي الانساني. وحياد لبنان هو من صميم صيغته وميثاقه ودستوره فكفى اعتداء على المفاهيم  المؤسّسة للبنان».

وفي إشارة الى عظات المطران الياس عودة النارية يشير الصائغ الى أنّ «من قلب بيروت الجريح الموجوع يثور المطران عودة، وهو صوت نبويّ صادح بالحق، ومن الملح أن تلاقيه كل الفاعليات البيروتية في مسار عابر للطوائف، وهذا يتقاطع جوهريا مع كلام البابا فرنسيس والبطريرك الراعي». ويختم الصائغ: «لبنان أقوى من إصرارات النحر والاغتيال. لبنان رسالة حضاريّة انسانية كونية وسينتصر. الأهمّ الصّمود والمثابرة في النضال السّلمي الديموقراطي.»