IMLebanon

عودة: لتأمين لقاح كورونا للمواطنين من دون تمييز وبأسرع وقت

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت.

وبعد الإنجيل المقدس، ألقى عظة قال فيها: “نبدأ اليوم رحلتنا التحضيرية نحو الصوم الأربعيني المقدس، منطلقين من محطة الكبرياء والتواضع، من مثل الفريسي والعشار. ضرب ربنا مثل الفريسي والعشار لأناس كانوا يظنون أنفسهم أبرارا، لكنهم يحتقرون سواهم من البشر. الكبرياء يمقتها الله، وهي غريبة عن كيان خائفي الرب. قال مسيحنا يسوع: لا تدينوا لئلا تدانوا، ولا تحكموا على أحد لئلا يحكم عليكم. تخيلوا إنسانا يعتبر نفسه صحيحا، لكنه لا يعتبر صحته نعمة من الرب، بل يستخدمها للتكبر على المرضى والإستهزاء بهم، ويتناسى أن الرب هو سيد الحياة والموت والصحة. هذا المتباهي بصحته أو بجماله أو مركزه أو ثروته قد يموت قبل الذين يستهزئ بهم. هذا ما حدث مع الفريسي، إذ سخر من العشار جابي الضرائب واعتبره خاطئا لن يحصل على الخلاص الذي سيناله هو شخصيا، كونه يصوم مرتين في الأسبوع ويعشر أمواله، فيما العشار سارق وسيدان. إلا أن كبرياء الفريسي جعلته لا يتبرر مثلما تبرر العشار الذي عرف أنه مريض روحيا ونظر إلى مرضه ملتمسا الشفاء بدواء التواضع”.

وأضاف: “على الإنسان الذي يقوم بأعمال ترضي الرب ألا يتفاخر بما يفعله، وألا يدع الكبرياء تفسد حياته، وإلا سيقع في أشراك شيطان الكبرياء، على مثال من كان صوته جميلا ويستخدمه في الترتيل والتسبيح للرب، إلا أنه، في الوقت نفسه، يسكر برنة صوته وينسى، بفعل الكبرياء الشيطانية، أن صوته ومواهبه هي هبات إلهية، وليست من ذاته. الذين يتذكرون أنهم بشر خطاؤون، يدركون أن التوبة هي الدواء الأفضل لمرض الكبرياء. هؤلاء يعرفون جيدا الكتاب المقدس، ويعرفون أن الله يصد المتكبرين وينعم على المتواضعين. فالمريض، لكي يحصل على الشفاء، يذهب إلى الطبيب ويخبره بكل العوارض التي يشعر بها، هكذا الخاطئ التائب، يذهب إلى الكنيسة-المستشفى الروحي، ويعترف بتوبة وعدم خجل أمام الكاهن كي يشفى من أمراضه الروحية ويذهب مبررا، تماما مثلما فعل العشار الذي اعترف أمام الله بأنه محتاج إلى الرحمة لأنه خاطئ، فتبرر”.

وتابع: “كل ما تفوه به الفريسي في صلاته كان دليلا على إعجابه بنفسه. الفريسي لم يذهب إلى الهيكل ليصلي إلى الله إنما ليعلن بكبرياء أنه صالح وتقي. أما العشار فكان مدركا لخطيئته، ملتمسا الرحمة من الله فتكلم بعدما تخلى عن كبريائه، فأرضى الله أكثر من ذاك المتباهي. إن الإعتراف بالخطايا أصعب بكثير من التحدث عما نفعله من بر. صلاة الفريسي أتت دينونة له، فزادت على شروره شرا، لأنه راح يصلي مقودا من إعجابه بنفسه، وكأن الله لم ير أعماله فراح يخبره بما فعل من أمور حسنة، متغافلا عما فعله من سيئات. تعامل الفريسي مع الله كأن الله لا يرى سوى ما يشاؤه هو أن يراه. تجاهل قوة الرب الحاضر في كل مكان، وظن أن باستطاعته إخفاء قبائحه عن الخالق. إن البر الذاتي مدمر وخطير إذ يؤدي إلى الكبرياء، ويدفع الإنسان إلى إحتقار الآخرين”.

وقال: “يقول الرب: إن كل من وضع نفسه ارتفع. المتواضع هو الذي نرى الفضائل في أعماله، لا في أقواله فقط. يقول الرسول يعقوب: هل تريد أن تعلم أيها الإنسان الباطل أن الإيمان بدون أعمال ميت؟ يجب أن يرافقنا التواضع أينما ذهبنا، ومهما فعلنا. فكما يحتاج الجسد إلى اللباس في كل الفصول ومهما كان الطقس جميلا أو سيئا، كذلك النفس تحتاج دوما إلى لباس التواضع. يقول القديس أفرام السرياني: الأفضل لك أن تسير عريانا على أن تتعرى من فضيلة التواضع. يمكن تشبيه الإنسان بالمسافر الذي يهيئ أمتعته وينتبه جيدا ألا ينسى شيئا لكي تتكلل رحلته بالنجاح. هكذا، نحن كلنا سنسافر وقتا ما من هذه الحياة، وقد تقصر رحلتنا على هذه الأرض، لذا علينا أن نكون مهيئين للإنطلاق من خلال امتلاك الفضائل وعيشها، والابتعاد عن الخطايا وأولها الكبرياء التي هي أم كل الخطايا. الإنسان المسيحي لا يفتخر بحكمته العالمية، ولا بعلمه ومركزه أو ماله وممتلكاته وقوته، بل يكون ممتلئا محبة نحو الجميع، لا يكره ولا يحقد ولا يؤذي ولا يدين. المسيحي لا يفتخر إلا بالرب، وبصليب الرب، أي بمحبته العظمى التي بها تنازل ليتجسد ويخدم ويتألم ويموت. المسيحي يجاهد ليتمثل بمحبة المسيح للبشر، ويسعى ليكون خادما للجميع، على حسب قول الرب: من أراد فيكم أن يصير عظيما يكون لكم خادما. المسيحي يتعلم التواضع من الطاعة، مثلما أطاع المسيح حتى موت الصليب. المسيحي لا يتواضع فقط عندما يكون في العوز والضيق، ثم يتصرف بكبرياء عندما يوجد في مجد وهناء، لأن الكبرياء غريبة عن المؤمنين الذين يسلكون على مثال خالقهم”.

وأردف: “التواضع لا يظهر في اتضاعنا أمام من هم اكبر منا، بل في تكريمنا من هم أصغر منا، لأننا قد نكون مجبرين على طاعة الأكبر منا والظهور بمظاهر التواضع أمامهم، لكن التواضع الحقيقي يظهر جليا في معاملتنا مع من هم أصغر منا، الذين يمكننا ألا نحترمهم وأن نفرض عليهم احترامنا. المسيح تنازل ليخدم البشر، الذين هم أصغر منه، ليعلمنا كيف نتواضع ونحب بحق. لذا، على كل مسؤول أن يطأطئ أناه خدمة للذين أوكلت إليه مسؤوليتهم، ومحبة بهم، وشعورا منه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، وليتذكر دوما أن الإنسان إن نجا من عدالة الأرض سيواجه عدالة السماء. المسؤول، خصوصا المسيحي، يتعلم من الأعظم، من المسيح الذي تنازل تنازلا أقصى، فصلب من أجل خلاص شعبه. ولنتذكر دوما قول الرسول بطرس: تسربلوا بالتواضع لأن الله يقاوم المستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة. والتواضع كما قلنا يكون تواضع النفس والفكر والقلب، وخصوصا تواضع العقل. أقول هذا فيما العالم يعاني من جائحة لا ترحم، وقد انكب علماء العالم على دراسة الفايروس الذي انتشر وقاموا بالتجارب والأبحاث، وعملوا بجهد من أجل الوصول إلى لقاح يحمي البشر ويحافظ على حياتهم بانتظار التوصل إلى علاج. هؤلاء، بمعونة الله وبفضل علمهم، مدفوعين بالخير في قلوبهم ومحبة البشر، وبإيمانهم برسالتهم، توصلوا إلى ما وصلوا إليه. لكن الغريب أن بعض الجهلة والفريسيين انبروا إلى إطلاق الأحكام والنظريات التي تشوش أفكار البشر وتدفعهم إلى التردد في قبول اللقاح”.

وأشار إلى أنه “لطالما أكدت الكنيسة على قدسية الحياة ووجوب احترامها، وهي منفتحة على التقدم العلمي وتبارك كل ما يساهم في تقدم البشرية، ويخفف من معاناة الإنسان. وقد جاء في البيان الصادر عن كنيستنا مؤخرا أنها ترفع صلواتها من أجل كل العاملين على حفظ الحياة الإنسانية وخدمتها من باحثين وعلماء وأطباء وممرضين وممرضات وجميع الذين يوفرون الرعاية والعناية والخدمة في المستشفيات، وهي تتضرع من أجلهم … لكي يؤازرهم الرب الإله بنعمته ويكونوا معاونين أمناء لطبيب النفوس والأجساد المسيح إلهنا. الأطباء يقومون بواجبهم الإنساني في معالجة المصابين بالفايروس، والعلماء قاموا بواجبهم وتوصلوا إلى اللقاح وهم يتابعون أبحاثهم، وعلينا جميعا القيام بواجبنا حفاظا على صحتنا وصحة أخينا الإنسان. لذا على كل عاقل الإلتزام بكافة الإجراءات التي تدعو إليها الجهات المسؤولة والمختصة من إرتداء الكمامة وحفظ التباعد الجسدي مع الآخرين، وتحاشي التجمعات ليس فقط في الأماكن العامة بل أيضا وخصوصا في المنازل. ومن كان منا مصابا بالفيروس عليه التوجه إلى طبيبه للمعالجة، وتحاشي نقل الفيروس إلى من هم حوله مدفوعا بالواجب والمحبة. كما علينا تلقي اللقاح واتباع إرشادات الأطباء دون الإصغاء إلى الدخلاء وزارعي الأفكار المغلوطة البعيدة عن العلم. أما الدولة فعليها توعية المواطنين على الإجراءات الضرورية الواجب إتخاذها وفي الوقت نفسه النظر إلى أوضاعهم الصعبة وتسهيل عودتهم إلى أعمالهم، إن لم تكن قادرة على مساعدتهم، مع تشددها في فرض التدابير اللازمة، وفرض هيبتها، كي لا يتهاون المواطن. كما عليها تأمين اللقاح لكل المواطنين، دون تمييز، وبأسرع وقت، وتنظيم عملية التلقيح بشكل فعال، من أجل حماية المجتمع”.

وختم: “الحفاظ على عطية الحياة واجب أخلاقي، والحفاظ على سلامتنا الجسدية كما الروحية واجب أيضا. لذا علينا التوبة عن كل ما يسيء إلى حياتنا الروحية وسلامتنا الجسدية، والصوم عن كل ما يؤذينا ويؤذي أخانا الإنسان وبيئتنا، ولنضع رجاءنا على الرب ونصل باتضاع ورجاء وبلا انقطاع، وشعرة واحدة من رؤوسنا لا تسقط بدون علم أبينا السماوي. دعونا نتأمل سيرتنا الذاتية، في ضوء مثل الفريسي والعشار، ونفكر بمن منهما نرغب أن نتمثل. ولنصل باستمرار، بروح التواضع، طالبين الرحمة من الله، لأننا جميعا بحاجة إلى رحمته. ألا منحنا الرب رغبة حقيقية في الخلاص، وزرع في قلوبنا التواضع والمحبة الحقيقيين، آمين”.