IMLebanon

الراعي: الحياد الحل الوحيد لمنع التقسيم وتحقيق السيادة

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد على مذبح كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي “كابيلا القيامة”.

بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان “يا معلم أن أبصر”، قال فيها: “فيما يتفاقم عدد الفقراء في لبنان، المحرومين لقمة العيش، وقد فاقوا المليون، بالإضافة إلى مئات الآلاف الذين هم تحت خط الفقر، والشعب المهدد بالمجاعة، أجدد الدعوة إلى التضامن الإنساني من قبل الدول العربية والغربية الصديقة، كي يساعدوا ماديا وإنسانيا الشعب اللبناني الذي هو ضحية الطبقة السياسية الحاكمة. ليس الشعب اللبناني خصمكم، بل صديقكم. لقد قدم لبنان الكثير للعربِ وللعالم، فلا يجوز أنْ تجافوه وتقاطعوه وتقاصوه وتربطوا مساعدة الشعب ــــ وأقول الشعب تحديدا ــــ بمصيرِ الحكومةِ أو الرئاسةِ أو السلاحِ غير الشرعي أو أيِ قضيةٍ أخرى. أفْصلوا السياسة عن الإنسانية. إن الانكفاء السياسي لا يبرِر الإحجام عن تقديمِ المساعداتِ الضرورية للناس مباشرة. ماذا يستفيد أصدقاء لبنان، كل أصدقاءِ لبنان، وماذا يستفيد العرب، كل العرب، وبخاصةٍ عرب الاعتدال والانفتاح، وعرب حوارِ الأديان والحضارات من سقوط لبنان؟

وأضاف: “كان برطيما أعمى العينين المنطفئتين لكنه كان بصيرا، ربما أكثر من التلاميذ والجمهور الكبير. فبصيرته الداخلية ظهرت في صرخة الإيمان ومناداة يسوع باسمه البيبلي: “يا يسوع إبن داود، إرحمني”. كلها كلمات من الكتاب المقدس. “فيسوع هو إبن داود”، المسيح الآتي، الملك الجديد، الذي تنبأ عنه آشعيا: “بأنه أرسل لينادي للعميان بالبصر”. وهي نبوءة طبقها يسوع على نفسه في مجمع الناصرة (راجع لو 4: 16-21). أما كلمة “إرحمني” فتعبر عن أن المسيح هو الذي يحمل إلى العالم رحمة الله، أي رحمة الشفاء من الخطيئة وظلمات الحياة والضياع، ومن ظلمات الحرمان والأنانية والظلم والعداوة، ومن ظلمات الحقد والبغض والأطماع والنزاعات والحروب. وفي الواقع، عندما سأله يسوع وهو المستعطي حسنة مادية: “ماذا تريد أن أصنع لك؟” أجاب على الفور ومن دون تردد: “يا معلم، أن أبصر!” فقال له الرب: “أبصر! إيمانك خلصك!” فأبصر وتبعه في الطريق (مر 10: 51-52)”.

وتابع: “كم نحن بحاجة إلى أن نتوسل إلى المسيح كل يوم، مثل إلحاح الأعمى، وأن نستجدي نعمته: “يا معلم، أن أبصر” (10: 51)، النعمة التي تضع الحرارة في قلبنا البارد، وتنعش حياتنا الفاترة والسطحية (راجع البابا فرنسيس: فرح الإنجيل، 264)، وتخرجنا من المواقف المتحجرة، والأفكار المسبقة والأحكام الباطلة، وحالات العداوة والنزاع والإنقسام. عندما شفي هذا الأعمى تبع يسوع في الطريق، على ضوء شخصه وتعليمه وأفعاله. تعلمنا آية شفائه، في ضوء تعليم البابا فرنسيس في فرح الإنجيل: أن معرفة يسوع ليست كعدم معرفته، وأن السير معه ليس كالسير تلمسا على غير هدى … وأن محاولة بناء العالم بإنجيله ليست كالعمل على بنائه بعقلنا. إننا نعرف جيدا أن الحياة معه تصبح أكثر امتلاء، ويسهل إيجاد معنى لكل شيء” (المرجع نفسه، الفقرة 266)”.

وأردف: “كم نتمنى لو أن المسؤولين السياسيين عندنا، المؤتمنين على مصير وطننا وشعبنا وإرثنا الوطني النفيس، يلتمسون من الله نور البصيرة الداخلية، لينظروا إلى أية حالة من البؤس أوصلوا شعبنا بفسادهم ومصالحهم الشخصية وتقاسمهم المال العام، وتعطيلهم عمل القضاء وأجهزة الرقابة وتسييسها، وارتباطاتهم الخارجية، وإلى أي إنهيار وتفكك أوصلوا الدولة بسوء إدائهم!”.

ولفت إلى أنه “حرصا منا على ولوج الحل الحقيقي نشجع جميع المبادرات والمساعي على خط تأليف الحكومة، ونأمل أن يسفر اللقاء غدا الإثنين بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف عن نتيجة إيجابية، فيولفا بعد طول إنتظار، وشمولية إنهيار، حكومة إنقاذ تضم اختصاصيين مستقلين ووطنيين، حكومة مواجهة الوضع المالي والنقدي والمعيشي، تجري الإصلاحات، وتعزز الإقتصاد الليبرالي الحر والإنتاجي، وتصحح الثغرات في صلاحيات الوزراء فلا يتقاعسون عن تنفيذ القانون، ولا يمتنعون عن تطبيق قرارات مجلس الوزراء، ومجلس شورى الدولة، حماية لمصالح الدولة والمواطنين. إننا ننتظرها حكومة مبادئ وطنية لا مساومات سياسية وترضيات على حساب الفعالية. ونأمل من الرئيسين أيضا أن يخيبا أمل المراهنين على فشلهما، فيقلبا الطاولة على جميع المعرقلين، ويقيما حائطا فاصلا بين مصلحة لبنان وبين مصالح الجماعة السياسية ومصالح الدول، كفى إقتراحات جديدة وشروط تعجيزية غايتها العرقلة والمماطلة!”.

وقال: “إن تأليف حكومة للبنان فقط، وللبنانيين فقط، لا يستغرق أكثر من أربع وعشرين ساعة. لكن إذا كان البعض يريد تحميل الحكومة العتيدة صراعات المنطقة ولعبة الأمم والسباق إلى رئاسة الجمهورية وتغيير النظام والسيطرة على السلطة والبلاد، فإنها ستزيد الشرخ بين الشعب والسلطة، وستؤدي إلى الفوضى، والفوضى لا ترحم أحدا بدءا بمفتعليها”.

وختم: “ولأننا نتمسك بالسلام الوطني وبوحدة لبنان تحديدا، نطرح الحياد بثقة وإيمان، وسنواصل العمل لتحقيقه بإرادة داخلية وبدعم عربي ودوليٍ يتجسد في عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان. معظم اللبنانيين يريدون الحياد بمفهومه الصحيح، لأنه لصالح الجميع، ولأنه يجمعنا، فيما الانحياز يفرقنا. والحياد هو الحل الوحيد لمنع جميع أشكال التقسيم والانفصال والحكم الذاتي، ولتحقيق سيادة الدولة داخليا وخارجيا. أما المؤتمر الدولي الخاص بلبنان فالغاية منه شفاء لبنان من معاناته الناتجة عن نقص وتحوير في تطبيق وثيقة الوفاق الوطني، والدستور، وميثاق العيش المشترك، أساس شرعية السلطة في لبنان (مقدمة الدستور “ي”)”.