IMLebanon

يونان للمسؤولين: شكّلوا حكومة اختصاصيين مستقلين

وجه بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان رسالة عيد القيامة لعام 2021، بعنوان “قد قمتم مع المسيح”، تناول فيها الأوضاع العامة في لبنان والشرق الأوسط والعالم، وكذلك أزمة وباء كورونا وقال:

“نحن، إخوة المسيح وأبناء القيامة، نعيش في هذا الشرق المضطرب منذ فجر المسيحية حاملين صليبنا بفرح لأنه طريقنا المؤدية إلى القيامة. شعبنا يضطهد، أجدادنا شهدوا ليسوع فادينا واستشهدوا حبا به، آباؤنا رسخوا إيمانهم وتجذروا في المشرق، ونحن ورغم كل الصعاب والمشقات والآلام والتهجير والتعذيب والتشريد، بقينا وسنبقى شهودا للقيامة، ليبقى أولادنا في هذه الأرض وينشروا فرح القيامة مشرقا في عتمة هذا الزمن.
لا شك أن وباء كورونا قد عم البشرية جمعاء وغير نمط الحياة التي اعتادها العالم بأسره. ومع كل الآلام التي سببها للكثيرين بيننا، من فقدان أحباء لنا وتفشي أمراض قد يطول الشفاء منها بسبب الفيروس الفتاك، فنحن أبناء الرجاء، وباحتفالنا بقيامة ربنا يسوع المسيح منتصرا على الموت، نستخلص درسا للبشرية جمعاء أن نترك الإنسان القديم فينا الذي نسي الله وعطاياه له، ونلبس الإنسان الجديد الذي ينمو بالنعمة: “إن كان أحد في المسيح فهو خلق جديد: لقد زال القديم، وصار كل شيء جديدا” (2 كور 5: 17)” .

أضاف: “فلتكن محنة الوباء نقطة التحول للعمل سويا والعودة إلى جذورنا وتقاليدنا وعائلاتنا، لأنه بات أكيدا أنه دون الرجوع إلى الرب المنتصر على الموت، لا يمكننا الانتصار على الآلام الجسدية والنفسية والاجتماعية التي سببها هذا الوباء في الأفراد والمجتمعات.
نسأل الرب مخلصنا يسوع المسيح القائم من بين الأموات أن يتحنن على العالم بالقضاء على هذا الوباء والحد من انتشاره بأسرع وقت ممكن، وأن ينعم على المصابين به بالشفاء التام، وعلى الراقدين بالراحة الأبدية، وأن يؤازر الأطباء والممرضين والممرضات ومساعديهم، ويلهم الباحثين والأطباء لإيجاد الدواء الشافي” .

وتابع: “في لبنان، لقد مضت ثمانية أشهر على انفجار مرفأ بيروت الإجرامي في 4 آب 2020، وبيروت لا تزال متشحة بالسواد حزنا على الضحايا بالمئات والجرحى بالآلاف. لقد عرف تاريخها العريق الكوارث والدمار والتمزق، ولكنها كانت تعود إلى الحياة كطائر الفينيق. وعلى مثال ربنا المنتصر على الموت، تمكنت، بسواعد أبنائها، من إعادة البناء والعودة إلى الحياة. إننا نضم صوتنا إلى مطالبة المنكوبين بوجوب كشف المسؤولين عن هذا الانفجار الرهيب، مهما علا شأنهم وعظم نفوذهم، كي تتم محاسبتهم ومحاكمتهم ومعاقبتهم بما يتناسب وإجرامهم.
كما نصلي كي يتخطى لبنان الأزمات التي تعصف به، فيتوقف المسؤولون عن المغامرة بمصير شعبهم، ويكفوا عن استغلال المواطنين والتذرع بمصالح جماعاتهم وطوائفهم، لأنهم يفعلون عكس ذلك وباسم الله. فالطوائف ليست بحاجة لحمايتهم، وليسوا هم من يحافظون على حقوقها، إنما الدستور اللبناني وحده كفيل بالحفاظ على حقوق جميع أبناء الوطن، لأي طائفة أو مذهب انتموا. وبالأكثر، يتجاهل القيمون على شؤون البلد الدستور وكأنه لم يكن، كما يتجاهلون ويتغاضون عن سماع صوت اللبنانيين المنتفضين في الشارع منذ أكثر من عام ونصف، مطالبين المنظومة الحاكمة بالرحيل، وإعادة تشكيل السلطة عبر انتخابات نيابية مبكرة، ومحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين، واستعادة الأموال المنهوبة والمهربة إلى الخارج. وإن الكنيسة تقوم بواجبها بهذا الصدد على قدر إمكاناتها، وتسعى ألا يبقى أحد من أبنائها في ضيق أو حاجة في ظل هذه الظروف العصيبة. إن لبنان جدير أن تحكمه نخبة مواطنيه وليس زمرة فاسدة وصولية تختبئ خلف طوائفها لتعيث فسادا وسرقة وعذابا وتنكيلا بمواطنيه وشعبه”.

وتوجه الى المسؤولين قائلا: “أيها المسؤولون، انظروا إلى لبنان المنازع، وتوقفوا عن استغلال نظامه في سبيل مصالحكم، كي ينهض شعبه الأبي من الوضع المعيشي والاقتصادي والسياسي المنهار، إذ أوصلتموه إلى الحضيض، ويعود للشباب الأمل بوطنهم وقد تزايدت هجرتهم بشكل مخيف. شكلوا حكومة اختصاصيين مستقلين من أصحاب الكفاءة والنزاهة والمناعة تجاه التدخلات السياسية، ولبنان يزخر بأمثال هؤلاء”.

وقال: “سوريا الجريحة، عشر سنوات من الحرب والقتل والتدمير، عشر سنوات والصراعات الدولية على أرضها لم تؤد سوى للتنكيل بشعبها وتدمير بنيتها الاقتصادية والاجتماعية والحضارية. إنها لنكبة مريعة تجاوزت بطش أباطرة الزمان والغزاة والمحتلين.
إننا نصلي كي تثمر الجهود المبذولة في إنهاء الصراعات وإعادة بناء سوريا بهمة أبنائها وتكاتفهم ووحدتهم، ليساهموا معا في إعادة البناء والاستقرار والازدهار إلى وطنهم الأم.
كما نجدد مطالبتنا أصحاب القرار على الساحة الدولية وجميع ذوي الإرادات الحسنة، ببذل الجهود لرفع العقوبات الجائرة المفروضة على الشعب السوري الذي تشتد معاناته يوما بعد يوم. وليس من العدل والمنطق أن يربط قرار رفع العقوبات، بشرط ما يسمى بالحل السياسي، بينما عامة الشعب المغلوب على أمره، يعاني من الفاقة والمرض والمذلة”.

أضاف: “أما العراق الحبيب الذي خصه قداسة البابا فرنسيس بزيارة وصفت بالتاريخية، من الخامس حتى الثامن من آذار من هذا العام، حيث طالب بتعزيز السلام ومحاربة الفساد ومجابهة استغلال السلطة، فإننا لا ننسى وصيته المعبرة، إذ قال: “فلتصمت الأسلحة”، “وليكن الدين في خدمة السلام والأخوة”. ولقد تشرفنا باستقبال قداسته في كاتدرائيتنا “سيدة النجاة” في بغداد التي تعمدت بدماء شهدائها الأبرار عام 2010، وتسعى أبرشية بغداد لإتمام ملف دعوى تطويبهم في القريب العاجل. ومن داخل هذه الكاتدرائية، شجع قداسته أبناء العراق والشباب منهم خاصة على الاستقرار في وطنهم والإيمان به، بقوله لهم: “شباب هذا البلد هم ثروة المستقبل، وهم جوهر العراق، يجب الاعتناء بهم وتلبية ما يريدونه… أنا أفكر بشباب العراق”.
كما زار قداسة البابا مدينة قره قوش حيث أكبر تجمع مسيحي في العراق، واستقبلته فيها عشرات الألوف من أهاليها استقبالا شعبيا بنويا عفويا منقطع النظير، معبرين عن عمق محبتهم وشدة تعلقهم برأس الكنيسة الجامعة. وقد انضم إلى صفوفهم القادمون من برطلة وبعشيقة وسائر بلدات سهل نينوى. وفي كنيسة الطاهرة الكبرى في قره قوش، التي لحقها الدمار والحرق على أيدي الإرهابيين، ولكنها رممت واستعادت رونقها البهي، استقبلنا ثانية قداسته، وأصغينا إلى كلمته المؤثرة، وإلى التبشير الملائكي الذي يتلى في منتصف النهار.
من أرض العراق، صلى صاحب القداسة من أجل السلام العادل وإنهاء الحروب والنزاعات، ونحن بدورنا نصلي كي تكون هذه الزيارة التاريخية كحبة الحنطة التي زرعت في الأرض، فتثمر عودة أبنائنا المسيحيين إلى أرض آبائهم وأجدادهم، ليبقى المسيحيون متجذرين في وطنهم وهم سكانه الأصليون”.

وتوجه يونان بالمعايدة إلى أبناء الكنيسة في الأراضي المقدسة، ومصر، والأردن، والخليج العربي، وتركيا، وفي بلاد الانتشار، في أوروبا والأميركيتين وأستراليا.

وفي كلمته الروحية، تحدث يونان عن القيامة كإعلان حياة جديدة، وأهمية الإيمان كعلامة حية لقيامة المسيح، متناولا الدلالات الملموسة لهذه القيامة ومفاعيلها في حياة المؤمنين.