IMLebanon

لبنان… هل هو “سيناريو نهاية العالم”؟

… «سيناريو نهاية العالم» في لبنان. لم يَعُد هذا مجرّد تحذير مَجازي بإزاء ما انزلق إليه الواقع في «بلاد الأرز» التي يتوالى «دومينو» الانهيار فيها مصيباً قطاعاته ذات الصلة بالأمن الصحي والغذائي بأضرار من «اللون الأحمر» من دون أن يلوح في الأفق ما يشي بقرب رفْع «المصيبة» السياسية التي تشكلها الأزمة الحكومية المستحكمة التي تحوّلت «صندوقة» لتصفية الحسابات داخلياً و«علبة بريد» إقليمي في أكثر من اتجاه.

فرغم «اللهيب» الذي طَبَع ملف تأليف الحكومة محلياً في الساعات الماضية مع بدء العدّ العكسي لأيامٍ يفترض أن يتحدّد معها إذا كان عصْفُ هذه الأزمة سيبقى ضمن «الجرعات» الحالية أم أنه سينتقل لمرحلة «الإعصار» الشامل (السياسي – المالي – الاجتماعي – النقدي) بحال اختار الرئيس المكلف سعد الحريري الاعتذار على طريقة «طفح الكأس»، فإنّ وطأةَ المآسي التي يعيشها اللبنانيون في يومياتهم «الجهنّمية» تَقاسَمَتْ المشهد الداخلي بعدما باتت أشبه بـ «جريمةٍ منظّمةٍ» ضدّ شعبٍ بأكمله متروك للجوع والمَرَض وفريسة سيناريواتٍ «ابوكاليبسية» بدأت تصدح فوق «ركام» الوضع المالي – المعيشي.

… من نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون الذي حذّر من «سيناريو نهاية العالم في لبنان في حال انقطاع المازوت عن المستشفيات»، إلى قرع نقابة الأطباء ناقوس الخطر بإزاء انقطاع اللقاحات للأطفال ولا سيما الأساسية التي لا تحتمل التأجيل للرضع الذين هم في الأشهر الأولى، كالشلل والحازوق والكزاز واليرقان بما يهدّد حياة أطفال «بلاد الأرز» ويُنْذِر بتدمير مسارٍ عمره سنوات من حملات تلقيحٍ جعلتْها في مصاف الدول المتقدمة.

عيّنتان مما يعانيه الوطن الجريح الذي ودّع الأحد «وردة» بعمر عشرة أشهر (جوري السيد) «قتلتْها» أزمة فقدان الأدوية وتداعيات الانهيار المالي على القطاع الاستشفائي، والذي يُخشى أن يتحوّل بؤرة فوضى وتوتر في ظل تكاتف أزمات المحروقات والكهرباء والغلاء التصاعُدي الذي يُلاقي ارتفاعات الدولار.

خطرٌ يشكّل أحد الخلفيات الرئيسية لـ «استنهاض» واشنطن وباريس ديبلوماسية الضغط لتأليف حكومة تضع قطار الإصلاحات على السكة وتمهّد لبدء تدفُّق الدعم المالي الخارجي وفي الوقت نفسه لـ «تصفيح» قعر الحفرة التي سقط فيها لبنان كي لا تتعمّق أكثر بحال فشلت محاولات حضّ المعنيين ترغيباً وترهيباً (بالعقوبات) على منْع ترْك البلاد تَمْضي نحو… الارتطام المميت.

وفي حين يصل إلى بيروت اليوم مستشار الرئيس الفرنسي للشأن اللبناني باتريك دوريل مكرراً الدعوةَ إلى تشكيل الحكومية، وسط كلام مصادر فرنسية (لقناة ام تي في) عن «أن هناك ضرورة ملحة لبذل الضغوط على السياسيين لتشكيل حكومة وذلك تخوفاً من انفجار أمني كبير لا عودة فيه إلى الوراء»، لم يكن عابراً أن يتزامن حضور الملف اللبناني في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي مع تسجيل ثلاث محطات في بيروت ذات اتجاه واحد، قاسمها المشترك السفير السعودي في لبنان وليد بخاري.

فبخاري استقبل في دار سفارة بلاده السفيرتين الأميركية دورثي شيا والفرنسية آن غريو العائدتيْن من الرياض، وزار مقر غرفة الصناعة والتجارة في بيروت، ومن ثم عقد مؤتمراً صحافياً مشتركاً مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في مقره في معراب في أعقاب جلسة عمل تناولت المساعي المستمرة لرفْع الحظر عن دخول المنتجات الزراعية اللبنانية إلى المملكة (بعد استهدافها بشحنات ملغومة بالمخدرات) وذلك بما يُطمْئن السعودية إلى أمنها وأمن مواطنيها ويضمن معاودة تصدير الفواكه والخضار من لبنان.

وقد أكد بخاري في اللقاء «أننا نتقاسم مسؤولية مشتركة في مواجهة جريمة دولية عابرة للحدود، وهي منظمة ومخالفة لكل قواعد القانون الدولي، لذلك نأمل أن نبحث بشكل جدي بإيجاد الحلول»، لافتاً إلى «أننا أمام ثلاثة محاور أساسية، تتمثل بتوافر الإجراءات الأمنية المناسبة، والإرادة السياسية الجادة لإيجاد الحل، والقضاء النزيه الذي يقوم على استكمال الإجراءات الأمنية».

وثمة مَن يعتقد أن تحريك ملف رفع الحظر عن استيراد الخضر والفاكهة اللبنانية، يأتي في سياق الحوار المفتوح الثلاثي الطرف، الأميركي – الفرنسي – السعودي حول الحاجة إلى إسعاف طارئ للواقع الاقتصادي – الاجتماعي من شأنها منع سقوط لبنان في الفوضى القاتلة.

وبدا أن التحرك في هذا الاتجاه، والذي أعطى صفارة الانطلاق نحوه اجتماع وزراء خارجية أميركا وفرنسا والسعودية في روما، يأخذ منحى استثنائياً، وهو ما تجلى بزيارة شيا وغريو للرياض في مهمة إغاثية في الدرجة الأولى وتنطوي على أبعاد سياسية فوق عادية حيال لبنان.

ففي تقدير أوساط واسعة الاطلاع في بيروت أن ثمة دينامية دولية أكثر وضوحاً تشق طريقها في اتجاه بيروت، من علاماتها البارزة إستراتيجية «نعمل معاً» بين واشنطن وباريس والرياض، والمعركة الهادئة التي باشرها الفاتيكان في اتجاه عواصم العالم، إضافة إلى أدوار مساندة في العالمين العربي والغربي.

وتعتقد هذه الأوساط أن توجهاً جديداً حول لبنان، المهدد بالتفكك ينطوي على مسألتين:

• منع الارتطام الكبير وانزلاق البلاد إلى الفوضى عبر جسر مساعدات لا يمر من خلال مؤسسات الدولة، ودعم الجيش.

• تشكيل مظلة دولية تمنع جعل لبنان «جائزة ترضية» في المفاوضات حول الملف النووي الإيراني وأي تفاهمات لاقتسام النفوذ في المنطقة.

وعلى وقع هذا الحِراك المكثف، والذي ترافق مع زيارة قامت بها شيا وغريو لوزيرة الدفاع وزير الخارجية بالوكالة في حكومة تصريف الأعمال زينة عكر لوضعها في أجواء محادثاتهما في الرياض، لم يكن ممكناً معرفة إذا كان توفير «شبكة أمان» اجتماعية ولو بالحدّ الأدنى سيجعل الرئيس الحريري يتريّث أكثر في الاعتذار الذي يرتكز في أحد جوانبه على أنه يرفض أن يكون شريكاً في ترْك البلد ينهار وهو الخيار الذي ترفضه عواصم قرار عدة ما زالت تتمسك بالحريري لرئاسة الحكومة، أم أن الهبّة الدولية، ولو الإغاثية، ستجعله يَطمئنّ أكثر لمرحلة ما بعد الاعتذار الذي لا يبدو أن الرئيس المكلف سيكون في وارد الإقدام عليه مع تقديم «كفالة» لمَن سيخلفه.

وفي حين تتّجه الأنظار الى زيارة الحريري للقاهرة يوم الخميس حيث سيستقبله الرئيس عبد الفتاح السيسي في محطة تكرّس دعم مصر لتكليفه، لم يتّضح إذا كان زعيم «تيار المستقبل» سيعمد إلى تقديم تشكيلة حكومية جديدة لرئيس الجمهورية ميشال عون ليُبنى بعدها على الشيء مقتضاه، سواء بالاعتذار بحال تم رفْضها وهو المتوقَّع، أم ترْك كرة التعطيل في مرمى فريق عون.

وتوقفت أوساط سياسية عند «التوتر» غير المسبوق الذي ساد علاقة «تيار المستقبل» بالبطريركية المارونية على خلفية عظة الأحد للكاردينال مار بشارة بطرس الراعي التي حاول أن يوازن فيها بين مسؤولية عون والحريري عن استمرار الأزمة الحكومية بقوله إنّ ‏‏«عبارة الاتفاق (رئيس الجمهورية) مع الرئيس المكلف (في الدستور) لا تعني تعطيل التشكيلات المقدّمة»، وأنّ «التكليف لا يعني تكليفاً أبدياً من دون تأليف».

وإذ أعقبت هذا الكلام حملات ضدّ الراعي على مواقع التواصل الاجتماعي من مناصري «المستقبل» وبعض مسؤوليه، فإن هذه الاندفاعة دفاعاً عن صلاحيات الرئيس المكلف ورفْض اتهامه بالتعطيل عكستْ أن أي اعتذار من الحريري و«تخريجته» لا بد أن تأخذ في الحساب مزاج بيئته غير المؤيد لمثل هذا الخيار وكذلك تداعياته الطائفية المحتملة.